دور مدرسة الترجمة بطليطلة في نقل العلوم العربية وبالتالي في نهضة أوروبا (1-2)

لقد أصبحت المنافذ الثلاثة لدخول العِلْم العربي إلى أوروبا: طليطلة، وصقليّة، وبلاد الشام عند اندلاع الحروب الصليبيَّة محلّ عدّة دراسات قصد تقديم الدَّور الذي لَعِبه العرب في نهضة أوروبا. 

وأغلب هذه الدراسات. حوالي 90% منها. دراسات غربيَّة (انظر قائمة المراجع في نهاية هذا البحث). ولم نجد إلا عدداً قليلاً من الدراسات العربيَّة اهتمَّت بهذا الموضوع، وكأنَّ الأمر لا يَعنينا! مع أنَّ الباحثين الغربيين نتيجة لتعصب ديني أو عرقي - قاموا بمحاولات جادَّة لطمس الدور الكبير الذي لعبه العرب في نهضة أوروبا من خلال ما تمَّ من ترجمات لمؤلفاتهم العلميَّة والفلسفيَّة، لكن هذا لا يعني أبدا انعدام البحوث الموضوعيَّة لديهم، وخاصة منذ نهاية القرن الماضي، وهي بحوث صدعت بكلمة الحق بعد مشاقِّ البحث وعناء الدراسة.

ولقد بدا لنا أنَّ هذه الدراسات التي كثيراً ما تكرَّر بعضها تناولت دراسة أحد مراكز الثقل للعلم العربي، وهي مدينة طليطلة بصفة جزئيَّة ومُنفصلة، أي: منذ تأسيسها إلى نهاية حركة الترجمة بها، دون اعتبار لما سبقها من حركات فكريَّة كانت الممهِّد الأساسي لظهور هذه المدرسة في الترجمة بمدينة طليطلة بالذات دون غيرها من مدن شبه جزيرة الأندلسيَّة.. 

فما هي أهمُّ العوامل التي ساعدت على بُروز هذا المركز لنقل العلوم العربيَّة في عاصمة القوط القديمة؟

الحضارة قديماً وحديثاً هي صرح مُشترك شيَّدته الإنسانيَّة جمعاء، وقامت كلُّ أمَّة راقية مُتطوِّرة بإضافة لَبِنة جديدة فيه، حتى استقام على ما هو عليه اليوم من قوَّة وشموخ. لذا ليس من البدع القول - في نطاق تلاقح الثقافات وانتقالها - أنَّ مدينة طليطلة في الأندلس بالغرب هي وريثة دمشق ثم بغداد بالشرق، ذلك أنَّه ما إن بلغت العاصمة العبَّاسية الأوج في نقل العلوم اليونانيَّة والفارسيَّة والهنديَّة وصهرها في بوتقة الفكر العربي الإسلامي في القرن 4 هـ / 10م حتى تمهَّدت الأرضيَّة السليمة التي ستُقام عليها مدرسة طليطلة لنقل جهود العرب: أخذاً وترجمة وفهماً وتمحيصاً، شرحاً وتوضيحاً، إبداعاً وعطاءً. إلى اللغة اللاتينية.

إنَّ الأرضيَّة الأولى التي مهَّدت لشهور مدرسة طُليطلة كانت عربيَّة محضة. فقد عمل خلفاء بني أميَّة وخاصة عبد الرحمن النَّاصر والحكم المستنصر في ق4 هـ / 10م على جلب أمَّهات الكتب العلميَّة والفلسفيَّة من أماكن مُتعدِّدة، وخاصَّة من بغداد والقسطنطينيَّة، فتكوَّنت في بلاط قُرطبة مكتبة من أثرى المكتبات في كامل أوروبا، ولم تكن هذه المكتبة وغيرها من المكتبات الخاصَّة والعامَّة حِكْراً على المسلمين، فقد كان لليهود والمستعربين من نصارى الأندلس الحق في الاستفادة منها(1)، فظهر علماء كبار من الطراز الأول كأبي القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي الرياضي والطبيعي والفلكي(2)، والوزير اليهودي حسداي بن شيروت طبيب الناصر (3)، وابن وافد المنجم، وابن خميس الفلكي.

ولا شك أنَّ قيام الفتنة الكبرى بقرطبة في نهاية القرن 4 هـ/ 10م وبداية 5 هـ/ 11م ساهم بدور كبير في انتقال جُزء من مكتبة الحكم إلى مدينة طليطلة، به علوم کانت شبه ممنوعة بقرطبة.

وإذا أضفنا إلى هذه العوامل من كان يَفِد على الأندلس من طلاب العلم من نصارى أوروبا لينهلوا من المعارف العربية، ثم يَعودون إلى بلدانهم، اتَّضح لنا نسبياً المسار الذي اتبعته المؤلفات العربيَّة من أرض الإسلام إلى أرض النصارى، فدخلت أديرة أوروبا بصفة عامَّة وأديرة شمال إسبانيا وجنوب فرنسا بصفة خاصَّة.

وفعلاً لقد كان القرن 4 هـ / 10م هو القرن الذي أصبحت فيه أوروبا تنظر إلى العالم العربي

الإسلامي نظرة إعجاب وخوف معاً. وقد وَلَّدت هذه النظرة لهذا العالم رغبة في معرفة سر تطوره ونهضته. وكما وقع في بغداد القرن 2 هـ/ 8م والقرن 3 هـ / م من اندفاع العرب في مرحلة أولى إلى ترجمة الكتب العلميَّة في الفكر اليوناني، قامت الأديرة في أوروبا وخاصَّة في شمال إسبانيا المحتك احتكاكا مباشراً بالعرب وعلومهم بترجمة مؤلفات العرب في الطب والرياضيات والفلك. وكان لدير سَنْتَا مَارِيَا في ريبول من مقاطعة قتلاتبا الإسبانية الدور الفعَّال في عملية النقل. 

«وإلى هذه الفترة تنتمي بعض النصوص الخاصَّة بطريقة العرب في العمل الحسابي وبالأرقام الجديدة المدعوة بحروف الغبار، وحفظت هذه النصوص ضمن أعمال المجموعة الطبية المشهورة (4) ALBELDESE EMILINENSE 

ولقد عاش الراهب جريرت (5) في هذا الدير، وهو الراهب الذي أصبح فيما بعد البابا سلفستر390هـ / 999 م. 394 هـ / 1003 م) واستفاد من حركة الترجمة التي قامت فيه وساهم فيها بدور لا بأس به، بدليل أنَّ تلامذته أنشأوا مدرسة لوران LORRAINE التي ينتسب إليها الراهب هرمان كونتراكتو (404 هـ / 1013م. 446 هـ / 1054م) (6). HERMANN CONTRACTO

وفي لوران ظهر كتابان في القرن 4 و 10 م باللاتينية عن الأسطرلاب والتأثير العربی واضح فيها.

لاشكَّ أنَّ هذه المرحلة من الترجمة لم تكن مُنحصرة في هذين المكانين فقط، بل إنَّ النقل قد تمَّ ببرشلونة (7) خاصَّة وفي طرزونة وسيجوفبا وليون ومولونا، كما أنه ظهر أيضا من وراء جبال البيريني بطلوزه وأريونة ومرسيليا.

وبعد أن تحوَّل النظام في الأديرة البندكية، ظهرت النواة الأولى للجامعات كمدرسة شارطر (وهذه ظهرت قبل جامعة باريس) التي لها صلة وثيقة بإسبانيا. فقد رفد كثير من طلبتها على مناطق نهر الأبر، وساهموا في نقل الكتب العربيَّة إلى اللاتينيَّة من بينهم اليهودي إبراهيم البرشلوني وموشي السفردي الذي اعتنق المسيحيَّة، وعرف ببدرو الفوتسو الهرسكي.

وكان لهذه الحركة في ق 4هـ /10م تأثيرها في ق 5 هـ/11م، إذ ظهرت كتب في الفلك والرياضيات مصادرها المادة العربيَّة المترجمة؛ فقد كتب هرمان کتاباً عن الأسطرلاب، وكتاباً في الموسيقى على غرار الكندي. 

وكتب فرانكو دي لياج FRANCO DE LIEGE في النصف الثاني من القرن 5 هـ/11م كتاباً عن الأسطرلاب. وكان قد ظهرت في لياج LIEGE قبل ذلك سنة 416 هـ / 1025 و417 هـ / 1026 م كُتُب في نفس الموضوع.

ولقد أثمرت كلُّ هذه الجهود الإسلاميَّة والنصرانيَّة واليهوديَّة في أماكن متعددة من إسبانيا خلال القرنين 4 هـ 10 م و5 هـ/11م، مدرسة الترجمة بطليطلة. فهذه المدرسة تمثل - كما هو ملاحظ - الذروة في حركة علميَّة قامت قبل أن تبدأ هي نشاطها بقرنين.

مدرسة الترجمة في طليطلة:

كانت طليطلة عاصمة المملكة الشرقية، وكانت من أجلِّ المدن قراً وأعظمها خطراً في عهدهم. ثم أصبحت بعد الفتح الإسلامي لها سنة 97 هـ / 715م من أهم القواعد الأندلسيَّة وكانت من أمنع مُدن العصور الوسطى لموقعها الجبلي الوعر وأسوارها الضخمة وقلاعها الحصينة. وهي تقع في منعطف نهر التاجه. 

أصبحت طليطلة عاصمة لإحدى دول الطوائف في القرن 5 هـ/11م، وهي دولة بني ذي النون، وفي صفر سنة 487 هـ / 1085م تمكن ألفونسو السادس ملك قشتالة من الاستيلاء عليها صلحاً من يد القادر بالله یحیی بن ذي النون.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه المدينة الكبرى عاصمة لقشتالة، لكن سكانها نظراً إلى ما أبداه ألفونسو السادس من تسامح كانوا خليطاً من النصارى الإسبان، والعرب المسلمين الذين حافظوا على دينهم أو تنصَّر بعضهم، واليهود.

وبعد حوالي نصف قرن من سقوط طليطلة في يد الإسبان، تولى رئاسة أستقفيتها الراهب ريموند، وذلك سنة 519 هـ/ 1125م (على الأرجح)، وبقي إلى سنة 547 هـ/ 1152م (علی الأرجح)، ومنذ أن تولى رموند منصبه الديني بالمدينة، بدأت المرحلة الأولى في تأسيس مدرسة الترجمة بطليطلة؛ فقد عمد هذا الأسقف إلى يهودي اعتنق المسيحية، وهو يحيي الإشبيلي (ابن درید)، وإلى رئيس الشمامسة (8) دومنقر قنديسلفي DOMINGO GONDISALVI وكلمهما بنقل الكتب العربيَّة في الرياضيات والفلك والتنجيم والفلسفة. 

وكان يحيى وهو يحسن العربية والقشتاليَّة ينقل من العربية إلى القشتالية، ويقوم قنديسلفي بالترجمة من القشتالية إلى اللاتينيَّة، ويسعى في نفس الوقت إلى التوفيق بين المضمون وبين المعتقدات المسيحيَّة.

وفي هذه المرحلة الأولى من تأسيس مدرسة الترجمة بطليطلة، ظهرت الترجمات الأولى التي أطلق عليها المختصون اسم (الترجمات الطليطلية الأولى. وهي الترجمات التي قام بها اليهودي ابن داود المعروف بيحيي الإشبيلي.

وتبدأ المرحلة الثانية لمدرسة الترجمة بطليطلة بمجيء الإيطالي جيرارد الكريوني (583 هـ /1187 م) إلى طليطلة، ويعتبر جيرارد هذا من أشهر المترجمين في هذه المدرسة، فقد ترجم حوالي سبعين كتاباً ترجمة مُوثَّقة. من أشهرها كتاب التصريف لأبي القاسم الزهراوي، والقانون لابن سینا، والمنصوري للرازي، ونال ابنُ سينا من خلال هذه الترجمات، وغيرها التي تمَّت في هذه الفترة شُهرة حتی كادت أوروبا تعرف مَذهباً فكرياً وفلسفياً يحمل اسم ابن سینا LAVICENN.SME

وقام جیرارد مع الفريد مورلي ALFRED MORLY بترجمة رسائل مُتعددة للكندي والفارابي. 

ويبدو - نظراً إلى ضخامة العمل الذي قام به جیرارد - أنَّ الترجمات المنسوبة إليه لم يَقُم بها كلها، وإنَّما كان على رأس مجموعة من المترجمين يعملون تحت إشرافه ورعايته. وكثير من هؤلاء المساعدين له کانوا من أصل عربي أو من المستعربين. ويتضح ذلك من أسماء بعضهم، فأحدهم كان يعرف باسم غلبوس Galipus وهو تحريف لاسم غالب. 

وبذلك تكون مدرسة طُليطلة في مَرحلتها الثانية قد فتحت الباب على مصراعيه أمام أوروبا لتنهل من العلم العربي، وتبدأ نهضتها الحديثة.

ومهما كان دور مدرسة طُليطلة كبيراً، فإنَّ موضوعيَّة البحث العلمي تَفرض علينا الإشارة إلى بعض المراكز الأخرى بإسبانيا ساهمت بدور لا بأس به في عمليَّة النقل هذه. ففي القرن 6 هـ / 12م وقبل أن يقوم ابن داود وقنديسلني بأعمالهما، ترجم هوتس دي سنن" HUGUES DE SANTALLA كتباً علميَّة لأسقف طرزونية (9)

وفي الفترة نفسها وفي المنطقة ذاتها، ظهر عالمان من وراء جبال البيريني هما هرمان دي دلماتي HERMANN DE LALMATLE ، والإنقليزي روبرت أوف کتون -ROBERT DE KET TON (10)، ترجما معاً كتباً في الفلك وأحوال الجو إلى أن غَيَّر اتجاهها الأسقف بیار لفنرابل L ' ABBE , Pierre le Venerable إلى العلوم الدينيَّة. وبيار هذا (487 هـ/ 1094 م. 551 هـ / 1156 م) جاء إلى إسبانيا في مهمَّة رسميَّة سنة 536 هـ / 1141 م للتوفيق بين ألفونسو السابع ملك قشتالة وألفونسو الأول ملك أراغون.

وقام بإقناع العالمين السابقين بترجمة القرآن، وأغراهما بالمال. فأكملا هذه الترجمة سنة 538 هـ/ 1143 م، وانطلاقاً من هذه الترجمة بدأ ما عُرف بالجدل الديني والدفاع عن العقائد المسيحيَّة في الإسلام وتعاليمه. وتَزَعَّم هذه الحركة بيار دي بُواتيه Pierre de Poitiers

والصورة التي انطبعت في الذهن الأوروبي بعد ترجمة القرآن هذه، وصدور مؤلف ببار القترابل (مختصر تعالیم محمد): هو أنَّ القرآن ما هو إلا تحريف للكتاب المقدَّس، والإسلام هو أفظع فرقة من الفرق الضالَّة، فهو دين الخرافات والأكاذيب، ودين العنف والسيف، ودین فاسد. وما محمَّد إلا صورة مضادَّة للمسيح.

ولولا وقوف ريموند بطليطلة أمام هذا التيار الجارف، لنفرت أوروبا من كل ما يُنسب إلى العرب، وبالتالي تحرم من خلاصة الفكر الإنساني الذي قدم إليها عن طريق العرب في طبق من ذهب، ولا شك أنَّ التحليل العلمي للقرآن، والموضوعي نسبياً، الذي قام به القس الدمينيكي ریکولدو دي مِنْتي كروس (ت 719 هـ/ 1320 م)، بعد أن تشبَّع بروح الحضارة العربيَّة الإسلامية مُدَّة إقامته ببغداد من 679 هـ / 1280 م. 700 هـ/ 1300 م، قد ساهم في التنقيص من حِدَّة الحملات المغرضة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودينه في القرون الموالية للقرن 6 هـ 12م.

ومن هذه المراكز التي ساهمت بدورها في حركة النقل نجد برشلونة: فقد قام بلاتون دي تفولی PLATON DE TIVOLI بالتعاون مع اليهودي ابراهم بارحي ABRAHAM BARHiyya بترجمة كتب في الهندسة والفلك، وهي مُؤلفات كانت بالعربية. وكان بعضها بالعبريَّة.

وما أن يحل القرن 7 هـ 137 م حتى نصل إلى المرحلة الثالثة من مراحل مدرسة الترجمة بطليطلة، وقد أصبح لها تقاليد عريقة منذ القرن 6 هـ/ 12 م، نقد مر بطليطلة سنة 614 ها 1217 م ميشال سكوت (ت. 634 هـ- 1236 م) وسيقوم خارج طليطلة بترجمة كتب أرسطو وشروح ابن رشد عليها.

ويستمرُّ النقل في ت 7 هـ/ 13 م على يد أمثال مارکوس Marcos ومیخائیل اسکوتر Miguel Escoto إلى أن يأتي عهد ألفونسو الحكيم (650) هـ / 1252 م. 683 هـ / 1284 م) Alfonso El Sabio الذي شجَّع على الترجمات العلميَّة والتاريخيَّة وأنشأ مؤسسات التعليم العالي.

وبنهاية القرن 7 هـ/ 13 م سوف لن تنتهِ حركة الترجمة والنقل بطليطلة، ولكن ظهرت مراكز أخرى في مثل نشاطها أو أقوى، حتى بدا لبعض المؤرِّخين أنَّ هذه الحركة انتهت بهذه المدينة، ولكن الأمور نسبية فقط. فحركة الترجمة التي ازدهرت في طليطلة ستنتقل إلى مراكز جدیدة کمونبيليي Montpellier ، وباريس، وشارطر Chartres ، وتولوز Toulouse ، ودرایس Feins. وظهر مترجمون في المراكز الأنجلوساكسونية كأدلار أوف باث Adelard of Bath ، وروبوتوس کتننسب Robertus Ketenensis ، وألفريدوس أنجلكوس Alfredus Angclcus ، ودانيال أوف مورلي Danich of Morly ، وبتروس الفوتسي Petrus Alfonsi

وفي هذه المراكز تنوَّعت الترجمات، فلم تعدْ فقط إلى اللغة اللاتينيَّة، بل أصبحت كذلك إلى اللغة العبريَّة والرومانيَّة. كما أنَّ المترجمين من العلماء بدأوا في تأليف كتب في نفس مواضيع الكتب المترجمة بالتقليد والتلخيص تارةً أو بالشرح والانتحال أحياناً.

التعريف بأشهر المترجمين بإسبانيا وخاصَّة بطُليطلة:

1- أدیلار ADCLARD : راهب انجليزي بندکني من مدينة باث على نهر الآفن. ذاع صيته سنة 509 هـ / 1115م. ولقب بالفيلسوف الإنجليزي. من الكتب التي نقلها إلى اللاتينية نجد؛ أصول اقلیدس سنة 525 هـ/ 1130م، وكتاب الخوارزمي في الحساب. وقد أصبحا من المراجع الأساسيَّة للرياضيَّات بأوروبا.

2. هوجودي سنكتلا أو سنكتالنسپس Hugo de Sanctalla ou Sanctallensis مترجم عاش في النصف الأول من القرن 6 هـ / 12م. كان ينقل من العربية إلى اللاتينيَّة بطلب من القس ميخائيل الترزوني Michaei de Tarazona. وكان هو نفسه قساً بهذه المدينة من 513 هـ/ 1119م إلى 546 هـ/ 1151م، وكان مُولعاً بنقل الكتب العربيَّة قبل عمل ريموند رئیس قساوسة طليطلة، وقد أهداه هوجو كل ما نقله من الكتب العربيَّة إلى اللاتينية، ومنها: كتاب المواليد الكبير لما شاء الله Liber de Nativitalibus، وشرح ابن المثنی علی زیج الخوارزمي، وكتاب لأبي معشر في التكهُّنات للأحوال الجويَّة.

ومن المرجَّح تاريخياً أنَّ هذا الناقل الكبير كان يَعمل ضمن مجموعة من المترجمين بالشمال الشرقي، وكانت عاصمته سرقطة التي سقطت بيد الإسبان في بداية القرن 6 هـ / 12م. وقد سبقت هذه المجموعة مدرسة طليطلة. وكان مع هوجر أفلاطون طبر تينوس من برشلونة -Pla to Tiburtinus وأول ما نقل هذا المترجم إلى اللاتينيَّة كتاب الهندسة التطبيقيَّة عن العبريَّة واهتم خاصَّة بكتب التنجيم، ومنها كتاب علم النجوم للبنَّاني الذي تمَّ عن طريقه دخول استعمال حساب المثلثات، ومفهوم الجيب إلى أوروبا. 

كما نقل كتاب الكريات لتيودوس، وكتاب التنجيم ليحيى بن علي بمشاركة أبراهم برحيا.

3- أبراهيم بن عزرا Abrahma Ibn Ezra: ناقل شهير ولد بطليطلة 491 هـ / 1097م وتوفي بروما 555 هـ، / 1160م. ترجم قبل وفاته إلى العبريَّة شرح أحمد بن المثنَّى بن عبد الكريم على زيج محمد بن موسی الخوارزمي، واستخدم هذه الترجمة في عمله باللاتينيَّة.

4- جيرارد الكريموتي (508 هـ/ 1114م. 583 هـ / 1187م): ولد بمدينة كريموتا بلمبرديا المقاطعة الإيطالية، درس الفلسفة ورحل إلى طليطلة حيث تعلَّم العربيَّة. ترجم عِدَّة كتب في الطبِّ والفلسفة والفلك عن الأصول العربيَّة، منها: كتاب السماع الطبيعي لأرسطو De Auditu Naturali، وكتاب القانون لابن سینا Liber Canonis Primus quiem Princeps: وهو أكبر تأليف وأشمله في الطب عند العرب، وكتاب الأسطقسات، وكتاب السيول لإسحاق بن سليمان الإسرائيلي، وكتاب الأحداث الجويَّة لأرسطو نقلاً عن ابن سینا، وكتاب المنصوري للرازي، ومقالة في الجدري والحصبة للرازي، والقسم الجراحي من كتاب التعريف لأبي القاسم الزهراوي، والقول في الشكل القطاع والنسبة المؤلَّفة لثابت بن قُرَّة، وزیج الزرقالي، ومعرفة الأشكال البسيطة الكريَّة لبني موسى بن شاكر، والمدخل إلى الطب للرازي.

5- يوحنا الإشبيلي (ابن درید) (Ahen Dreall ) Jean de Seville: يهودي اعتنق المسيحيَّة، وخدم كبير أساقفة طليطلة ريموندر Raimondo 555هـ / 1130م. 545 هـ 1150م). اهتمَّ بالكتب العربية في الفلسفة والرياضيات، ونقلها إلى القشتالية، ثم نقلها دمنقو قنديسلفو إلى اللاتينية. 

من كتبه Liber Algorisini: وهو من أقدم المصنفات في الحساب المستعملة للأرقام العربية وللصفر. يشتمل هذا الكتاب على معظم ما جاء في كتاب الخوارزمي، وخاصة طريقته في استخراج الجذر التربيعي بواسطة الكسور العشرية، وقد عرضها فيما بعد غاردن معتبراً إياها طريقة حديثة. 

ونقل أيضا کتاب: مَقَاصد الفلاسفة للغزالي Metafisica Algazciis ، وكتاب الشفاء لابن سینا Metaphisica Avicenna وكتاب السماء والعالم لابن سینا Decelo el Mundo ab Avicenna ، وكتاب الفرق بين النفس والروح لقسطا بن لوقا، وأهداه إلى ريموند، ورسالة العمل بالأسطرلاب لابن الصفار ت 452 هـ / 1070م ، وكتب عبد العزيز القابسي في التنجيم، وكتاب الفرغاني.

6- دمشقو قنديسلفي Doiningo Gondisalvi: كان يتعقَّب ترجمات يحيى الإشبيلي إلى القشتالية، ويحولها إلى اللاتينية. 

له کتب Dc Orlu scientiarun مقتبس من كتاب إحصاء العلوم للفارابي، وكان لهذا الكتاب تأثير كبير في أوروبا. وترجم کتاب النفس، وکتاب الطبيعيات لابن سينا، وأغلب إنتاجه في ميدان النقل تمَّ بين عامي 525 هـ / 130 م و 566 هـ /1170 م.

7- میخائیل سکوت من أشهر النقلة. ترجم کتاب البتروجي من الحركة السماويَّة، وأتمَّه بطليطلة مع الكاهن اليهودي أبي داود. انتقل سکوت إلى إيطاليا فيما بين 625 هـ / 1227 م و 628 هـ/ 1230 م، واعتنى بشروح ابن رشد على أرسطو فترجمها، ثم دخل جامعة باريس حيث ساهم في إنشاء النزعة المنتمية إلى ابن رشد التي عَرَضت النزعة المنتمية إلى ابن سينا السائدة سابقاً في العالم اللاتيني.

8. هرمن الدلمسي ber: nann ke Dalenatic من المترجمين في القرن 7 هـ/ 13 م، توفي 671 هـ / 1272 م. اهتمَّ خاصة بالفلسفة والأدب، واستعان بعناصر من أصل عربي في الترجمة.

نقل الشرح الأوسط لابن رشد على كتاب الأخلاق لأرسطو بطليطلة سنة 638 هـ / 1240م، ونقل رسالة لابن باجة السرقسطي.

9- ألفراد دي سرشال Alfred de Sareshel إنجليزي من نقلة الثلث الأول من ق 7 هـ/ 13 م. ترجم إلى اللاتينية كتاب النبات لأرسطو، نص حنين بن إسحاق وإصلاح ثابت بن قرة، وعن هذه الترجمة أعيد نقله إلى اليونانيَّة. كما نقل كتاب المعادن لابن سینا.

الحواشي:

(*) بحث ألقي في ندوة (الأندلس: قرون من التقلبات والعطاءات) التي نظمتها مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض من 19-15 جمادى الأولى 1414 هـ الموافق ل 30 أكتوبر إلى 3 نوفمبر 1993.

(1) كان هؤلاء العلماء من الأصناف الثلاثة يجمعهم عاملان: الإعجاب بالحضارة الإسلامية، والكتابة باللغة العربية، حتى أن المؤرخ الفارو القرطبي اشتكى من أبناء قومه المتهافتين على قراء الكتب العربية والراغبين عن قراءة الإنجيل، زيادة على جهلهم باللغة اللاتينية 

(2) - ولد بمجريط 338 هـ/ 950م ودرس بقرطبة. وهو الذي ترجم من اليونانية إلى العربية كتاب تسطيح بسط الكرة لبطليموس، وترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية. ضاع الأصل العربي وبقيت الترجمة اللاتينية. وتوفي المجريطي سنة 398 هـ/ 1007 م (الأعلام. 224 / 7. طبعة 5 ببیروت 1980). 

(3) قام بمعية القس نيکلاس بمراجعة المادة الطبية ليسقوربدوس التي ترجمها ببغداد حنين بن إسحاق، وذلك بالاعتماد على مخطوط طلبه الناصر خصيصاً من القسطنطينية.

(4) محمد سويسي: انتقال ص 4-5

(5) تعلم بإسبانيا الفلك والحساب، وبقي ثلاث سنوات بقتلايا (357 هـ / م67. 360 هـ/ 970 م). وقام بوضع رسالة باللاتينية في الأسطرلاب، وكان جربرث أستاذاً قديراً في المنطق والأدب اللاتينيين، ويهتم كذلك بالعلوم. وهو أول من أدخل الأرقام العربية إلى أوروبا بما فيها الصفر. 

(6) ترك هذا الراهب حوليات تعرف به: CHRONIK VON HER MANN CONTRACTUS 

(7) أقدم الترجمات ببرشلونة ترجع إلى أواسط القرن 4 هـ / 10 م، ومثلت في ترجمة كتب ثلاثة في (عمل الأسطرلاب) وترجم لبتوس كتابا في الفلك بأمر من جريرت.

(8) مفردها الشماس من السريانية ومعناه خادم الكنيسة.

(9) مدينة صغيرة في غربي سرقسطة. 

(10) أصبح فيما بعد أسقف بمبلونة pampiune.

(11) في بداية ص: 6-12، بدأت حركة ترجمة كبيرة بإسبانيا قامت بترجمة الكتب العربية إلى العبرية، وبدأ بعض العلماء اليهود يؤلفون بالعبرية في مرحلة ثانية. ومن أشهر هؤلاء: ابن عزرا المعروف بإبراهم جودياس Abrahsia Judacus ت 563هـ /1167م.

****

وللبحث تتمة في الجزء التالي، تبدأ بالحديث عن: (طرق الترجمة في مدرسة طليطلة)

المصدر: مجلة: دراسات أندلسیة، عدد رجب 1414 - الجزء 11

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين