العمل بالإسلام وتطبيق أحكامه
الشيخ: مجد أحمد مكي


1 ـ معنى الإسلام: الإسلام مشتق من الاستسلام، وهو الانقياد، والخضوع بالطاعة، وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى.
والله تعالى حين شرع الإسلام ديناً لعباده، أمرهم بالإذعان لأحكامه في صغير الأمور وكبيرها فقال الله تعالى:[فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] {النساء:65}. وقال سبحانه:[إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {النور:51}.وقال عزَّ وجل:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] {الأنفال:24}.
وعلى هذا درج الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فأطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنشَط والمكرَه، وفي العسر واليسر، وتلقوا أوامره بالتنفيذ، وتعلموا الأحكام للعمل.
فما أمروا بشيء إلا استجابوا، ولا نهوا عن شيء إلا اجتنبوا، ولا نزل فيهم حكم الله ورسوله إلا استسلموا إليه راضين، وعملوا به مذعنين.
وأخذوا أنفسهم بالعزائم واجتنبوا الشبهات وتركوا الصغائر.
1 ـ شرب سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه مرة لبناً، ثم عرف أن به حرام فقاء، واعتذر إلى الله تعالى مما خالط الأمعاء، وبلَّ العروق، ولا يكلفه الشرع ذلك.
وأمر رضي الله عنه بردِّ ما أخذه من بيت مال المسلمين من النفقة مدة خلافته، فقال عمر رضي الله عنه: لقد أتعبت من بعدك.
2 ـ وردَّ عمر إلى بيت المال ما اقتصدته زوجته من القوت أياماً، لتشتري حلوى اشتهتها.. ورد رضي الله عنه إلى بيت المال هدية من الطيب أرسلتها امرأة كسرى إلى زوجته ولم ير لها حقاً منها.
3 ـ وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقال له: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. فسار علي ثم وقف ولم يلتفت فصرخ: يا رسول الله! على ماذا أقاتل الناس؟
لم ينس علي رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تلتف) واحتاج إلى سؤال عن شأن هام من شؤون القتال، فناداه سائلاً عن ذلك، ولم يلتفت. رضي الله عنه وأرضاه.
4 ـ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحَذْف ـ وهو: رمي الحصى بالسبابة والإبهام ـ وقال: (إنه لا يقتل صيداً ولا ينكأ عدواً ـ أي: لا يقتله ـ وإنه يفقأ العين، ويكسر السن). فرأى ابن مغفل رضي الله عنه قريباً له يحذف، فنهاه وأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم عاد فحذف، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم عدت تحذف لا أكلمك أبداً.
5 ـ ولما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى، حتى كادت أن تشرف على القتلى، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم، فقال: المرأة المرأة!.. قال الزبير: فتوسَّمتُ أنها أمي صفية ـ أي: بلغها أن المشركين قتلوا أخاها حمزة، ومثلوا به، فهي تريد أن تراه ـ.
قال الزبير: فخرجت أسعى إليها، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، فلدمت في صدري ـ أي: دفعتني ـ وكانت امرأة جلدة ـ أي: قوية شديدة ـ وقالت: إليك عني، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك ـ أي: أمرك أن لا تذهبي ـ قال: فوقفت.
6 ـ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار، فيجعلها في يده، فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك فانتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7 ـ تخلف كعب بن مالك وصاحباه رضي الله عنهم عن غزوة العسرة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامهم، فما كلمهم أحد طيلة أربعين يوماً، ثم أمرهم أن يعتزلوا نساءهم فاعتزلوهن عشرة أيام، وتحملوا هجر المسلمين خمسين يوماً، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، إلى أن تاب الله عليهم، ففرحوا بذلك وفرح المسلمون بهم، وكلموهم وهنؤوهم.
8 ـ أخذ عمر بن عبد العزيز بأنفه حينما أدخل سفطاً من المسك إلى بيت المال فقيل له في ذلك: فقال: وهل ينتفع منه إلا بريحه؟
وكان إذا فرغ من شؤون المسلمين ليلاً أطفأ سراج بيت المال، وأوقد سراجاً يستصبح به من ماله.
الإسلام كل لا يتجزأ، لم يترك جانباً من جوانب الحياة من عبادات ومعاملات وسياسة واقتصاد إلا رسم له المنهاج السليم والخطة الرشيدة.
راعى جانب الروح والجسد، ووثَّق  روابط الأسر، وبنى كيان المجتمع على دعائم قوية والمسلم الحق يطبق جميع ما جاء به الإسلام في اتزان واعتدال من غير إفراط ولا تفريط فلا يوغل في جانب ويهمل في جانب.
ليس الإسلام نظرية من النظريات تعرض وتناقش، فيقبلها من يقبلها، ويعرض عنها من يعرض... وليس الإسلام فكرة مجردة...وليس الإسلام دعوى تدعى، ولا كلمة تقال... لا، إن الإسلام شريعة الله في أرضه جعلها خاتمة الشرائع وناسخة لها، واختارها لتكون منهاجاً لنا في حياتنا.
ومن كلام الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ـ بالتزين بالقول ـ ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل.
ولا قيام للإسلام إلا بوجود أفراد يطبقون الإسلام في أنفسهم فيكونون نماذج حية، ويمثلون الإسلام تمثيلاً عملياً في أقوالهم وأفعالهم وعباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم ومساجدهم وأسواقهم وسرهم وعلانيتهم وسائر تصرفاتهم... والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين