ضعفهم في اللغة العربية وفهمهم الركيك لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يحملهم على تكذيب الأحاديث الصحيحة

اللغة العربية غنية في معانيها، واسعة في دلالاتها، رائعة في أساليبها، وهذا يعرفه من مارسها، وقرأ لكبار علمائها، ولكن عندما يعتمد الإنسان على فهمه القاصر، ويكتفي برصيده اللغوي الضحل، ويقف عند ظاهر العبارة، ويتمسك بحرفيتها، فعند ذلك ينتج لديه فهوم مشوهة ، ويتجرأ على الحكم على أحاديث صحيحة فيكذبها لأنها تخالف ما فهمه منها فهما شاذاً ، ثم فوق ذلك يدعي أنها تخالف القرآن الكريم، وإن دققت النظر فتجد أن الحقيقة تكمن في قصوره، ونقص بضاعته العلمية واللغوية.

- ويحضرني الآن تشبيه حال أولئك الذين لا يفهمون من الكلام إلا ظاهره وحرفيته بحال والد جحا عندما أراد الذهاب للعمل في الحقل , ولكنّه اكتشف أنّ مفتاح باب داره قد ضاع , فلم يستطع أن يذهب تاركاً الباب مفتوحا , فأيقظ ابنه جحا وقال له: اقعد هنا بجوار هذا الباب ولا تترك الباب حتى أعود ، فقعد جحا بجانب الباب ينتظر حتى ملَّ من الانتظار , فما كان منه إلا أن قام وخلع الباب ,ثم حمله على ظهره وذهب به إلى الحقل , فلما رآه والده قد جاء حاملا الباب قال له مشدوهًا: 

ماهذا ؟! 

فقال جحا : أنت قلت لي: (لا تترك الباب أبدا)، فعملت بكلامك ، ولم أشأ أن أترك الباب , فخلعته وجئت به معي لكي اطمئنّ عليك !!!! 

وهذا ما حصل تماما مع رجل كان يناقشني في أحاديث صحيحة واردة في صحيحي البخاري فقال لي :

أسأل الدكتور خلدون مخلوطة: (هل الله سبحانه يتردد؟؟ ) 

فأجاب هو من تلقاء نفسه فقال : ( الله لا يتردد... إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون – ولكن الحديث الموجود في صحيح البخاري والمنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم جعله يتردد في قبض عبده المؤمن! وهو الحديث القدسي : " وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " وهذا فيه مخالفة صريحة للقرآن الكريم !!!) 

- الجواب: 

يحضرني هنا قول الشاعر :

وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً***وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ 

1- في اللغة العربية أسلوب التضمين، أي أن تطلق كلمة وتضمنها معنى آخر غير المعنى الظاهر المتبادر، وهنا معنى التردد ليس على حقيقته ، وإنما أطلقه وأراد به لطف الله بعبده ووليه، وشفقته عليه وعطفه.

2- ولتقريب معنى التردد: أن الإنسان إذا كان له أمر لا بد له أن يفعله بحبيبه: لكنه يؤلمه ، فإن نظر إلى ألمه انكف عن الفعل، وإن نظر إلى أنه لا بد له منه أن يفعله لمنفعته : أقدم عليه ، كحاجته لعملية جراحية مثلا، فعبر عن هذه الحالة في قلبه بالتردد ، فخاطب الله الخلق بذلك على حسب ما يعرفون: فعبر عن إزالة كراهة الموت من العبد المؤمن لأن حب الحياة مغروز في طبيعته، فيأتيه الحق سبحانه بلطائف يحدثها له حتى تذهب الكراهة التي في نفسه بما يتحقق عنده من البشرى برضوان الله وكرامته ، فيتعرض المؤمن لمرض وهرم وشدة بلاء، فعندها يهون على العبد مفارقة الدنيا ، وبعدها يقطع الله عنه علاقته بها، ويتوجه رجاءه إلى لقاء الله ويشتاق إلى جنته. 

3- أما التردد وهو التخير بين أمرين لا يدري أيهما أصلح فهو محال على الله والبداء عليه في الأمور غير سائغ.

4- وهذا الحديث لا يخالف القرآن الكريم على الإطلاق ، فقد وقع في القرآن الكريم كلمات منسوبة لله تعالى هي أشد من لفظ التردد ، ولا يقصد بها ظاهرها، مثل قوله تعالى : (نسوا الله فنسيهم) ولا ينسب النسيان لله، معاذ الله، وإنما المقصود به الإهمال وعدم الاعتبار، وكذلك قوله تعالى: (ويمكرون ويمكر الله) فلا يوصف الله سبحانه بالمكر، وإنما المقصود إبطال مكرهم، وكذلك قوله سبحانه: (يخادعون الله وهو خادعهم) أي: مبطل لخداعهم. 

وهذا يسميه علماء اللغة باب المشاكلة : وهو إطلاق اللفظ وعدم إرادة حقيقته . 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين