لا بد أن ينتصر الخير

قال صديقي: أنت تزعم أن الخير ينتصر دائماً؟

قلت: بالتأكيد، لا أشك في ذلك أبداً.

قال: كأنك تعيش في دنيا غير هذه الدنيا! ألا ترى كيف تنتهي الأحداث دائماً (أو غالباً) بهزيمة الخير والأخيار وانتصار الشر والأشرار؟

قلت: أصبت، إني حقاً أعيش في غير هذه الدنيا، أعيش ببدني فيها، ولكنّ روحي معلقة بغيرها، بيوم الحساب ثم بالحياة الباقية في دار الخلود، حيث ينتصف كل مظلوم من كل ظالم وتطبَّق موازين العدل على الناس جميعاً، كل الناس الذين استوطنوا الأرض في كل العصور، منذ وُجدت الأرض ومنذ استوطنها الإنسانُ إلى أن تَفنَى الأرض ويزول الإنسان.

اسمعْ أُخبِرْك: لقد أولعتُ من صغري بقراءة الروايات العالمية المترجَمة، ولو أحصيتُ ولم أبالغ لقلت إني قرأت منها نصفَ ألف رواية على الأقل، ولو بالغت لزدت مئة أو بضعَ مئين. منها المجموعة الكاملة لأشهر وأعظم مؤلفة للروايات البوليسية في العالم، أغاثا كريستي، وهي ثمانون رواية قرأتها كلها ثلاث مرات، فإني أتركها حتى أنساها ثم أقرؤها من جديد. ولمّا عرفت أسلوب المؤلفة فقد صار معروفاً عندي سلَفاً قبل أن أقرأ الرواية أن القاتل سيقع في يد العدالة وسوف ينال جزاءه المحتوم، ولكن متى؟ هل أتوقع أن يحصل ذلك في الصفحات العشر الأولى من الرواية أو في وسطها مثلاً؟ أبداً، إنما يتحقق العدل في الصفحات الأخيرة من الرواية، في الختام.

والآن قل لي: ما ختام قصص الدنيا وحوادثها عندك؟ إنْ كانت خاتمة الرواية عندك هي هذه الدنيا فلن نتفق، وإذا اقتنعتَ أن الخاتمة هناك، في دار الجزاء والبقاء، فلن ينشأ بيننا أي خلاف.

قد ينتصر الخير في الدنيا ونشهد انتصاره بأنفسنا ونراه بأعيننا وقد يتأجل انتصاره إلى الدار الآخرة، وهو في الحالتين انتصار، فإنما هذه الدنيا فصل قصير من رواية طويلة، وإنما يكون ختام الرواية وتمامها هناك في ذلك الموقف العظيم: {إنّ إلينا إيابَهم، ثم إنّ علينا حسابَهم}، {فَوَربّك لَنَسألنّهم أجمعين عمّا كانوا يعملون}، {هنالك تَبلو كل نفس ما أسلفت}، {ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون، إنما يُؤخّرهم ليوم تَشخص فيه الأبصار}، {وترى الظالمين لمّا رأوا العذاب يقولون: هل إلى مَرَدٍّ من سبيل؟}

يومئذ تنتهي الرواية، يومئذ ينتصر الخير انتصارَه الكبير الأخير، يومئذ يتحقق وعد الله، يومئذ يفرح المؤمنون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين