كيف تقول لا

بالأمس قابلت صديقاً لي كان يبدو متبعاً، وعندما سألته عن ذلك قال لي: " كان يوماً طويلاً. بدأ بزوجته التي طلبت مبلغاً وقدره لبعض احتياجاتها هي والابناء، كان المبلغ مبالغا فيه لكنه عادة لايرفض لها طلبا وقال أبشري! ذهب إلى العمل وهناك طلب منه زميله إنجاز بعض المهام بالنيابة عنه فقال أبشر! ثم طلب منه مديره أن ينجز بعض الاعمال الاضافية فقال له أبشر! مما اضطره أن يتاخر في عمله. عاد إلى المنزل فقابلته ابنته وطلبت منه ان يحضر لها مدرسة خصوصية فقال أبشري! ثم طلب ابنه مفتاح السيارة ليذهب مع اصدقائه وهكذا كل حياته.

هو رجل حيي، كريم الطبع يهتم بكل من حوله ولا يرفض لهم طلباً، يخاف أن يتهم بالتقصير والانانية، والبخل بالوقت والجهد والمال، وعلاوة على ذلك يشعر بالذنب عندما يرفض طلبا ما. هز رأسه اليوم قائلاً : لقد تم استنزافي وما زلت لا أستطيع أن أقول لا. صديقي يمثل الكثيرين منا.

متى كانت آخر مرة رفضت فيها طلباً وقلت: "لا، وقتي لايسمح بذلك". متى كانت آخر مرة كنت فيها حازماً "بلطف" تجاه من يستنزفونك ويسرقون منك أثمن مالديك "وقتك".كل منا لديه حياته ومخططاته فلا تنفذ خطط الاخرين وتحقق رغباتهم وأمنياتهم على حسابك أنت. تعلم كيف تقول لا. 

قامت المبدعة عالمة النفس الإجتماعي د. سوزان نيومان بتأليف كتاب: كيف تقول لا، وصنفت الأسباب التي تجعلنا نقول فيها نعم عوضاً عن لا كما يلي: أولاً- هي قناعة تم ترسيخها في دماغك منذ نعومة أظافرك بضرورة الإجابة بكلمة-نعم- بشكل دائم، والمشكلة هي أننا قد التصقنا بهذا الفايروس بالرغم من نضجنا فيصعب علينا قولها. ثانياً- رغبتنا أن نكون محبوبين ومقبولين في المجتمع. ثالثاً- لدينا ميل بشري الى المجاملة والتسرع بعملية القبول.

هل هناك حلول لهذه المشكلة؟ طبعاً، فبحسب الكاتبة: بداية إستمع للمتحدث بإنصات حتى النهاية ودعه يكمل كلامه وأظهر له اهتمام حقيقي، حتى وإن كانت هناك نية مسبقة للرفض. ثم قدم له حلول بديلة كي تساعده و تتخلص من تأنيب الضمير. بعد ذلك حول كلمة لا الى مديح، أي اشكر الشخص على ثقته بك وأنك فعلا تثمن طلبه، ولكنك لن تستطيع تحقيق ذلك الطلب. لاتعتذر ولا تطلب منه ان يسامحك فأنت لم تخطئ بشيء على الإطلاق.

حافظ على الحدود النفسية التي تفصلك عن الطرف الآخر وذلك عن طريق تجنب كبت المشاعر الداخلية ومراكمتها حتى لا تفضي بك الى ان تنفجر مشكلاً نوبات غضب. أما الحدود العاطفية فتستطيع دعمها من خلال رفضك لأي علاقة مزعجة تجرك الى الإكتئاب او الإنهاك.

لاتخف، ارفض ولكن بدون ان تغلف كلمة "لا" بالكذب. لا تختلق الأعذار لأن هذا الاسلوب سيدمر ثقة الطرف الآخر بك. كن جريئاً وقل لا، فالحقيقة المؤلمة خير من التنيجة القاسية للمراوغة والكذب. اعلم بأنه لديك الحق بقول لا، فهذا تعبير منك عن مشاعرك و رغباتك ولكن لاتنس أن تتحمل مسؤولية هذا الرفض (ثمن الرفض). من حقك أيضا أن تطلب تفاصيل قبل الإجابة بنعم أو أن تؤجل الإجابة حتى تأخذ وقتك بالتفكير وإذا اكتشفت انك تريد أن ترفض، فافعل وبدون تمهيد، ولا مانع ان تعيد النظر مرة اخرى في الطلب. المهم أن تسترجع طاقتك المهدرة وتستثمر وقتك لتحقيق اهدافك وطموحاتك.

ختاما رسالة للآباء: ساعدوا أبناءكم على أن يفرضوا شخصيتهم حتى يستطيعوا الرفض في المستقبل. وتجنبوا قمعهم عند الرفض. فالطفل الذي يرفض وتكون مؤشرات العناد عنده عالية هو الطفل الذي نريده. هذا الطفل في المستقبل سيستطيع أن يقول كلمة لا بكل أريحية لمن يؤذيه أويأخذ حقه أو يجره لطريق السوء. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين