من كبائر التعليم

من خطايا التعليم الكبيرة التي لا تغتفر عندنا، في التعليم التطبيقي منه والإنساني، اتباع منهج التلقين والتحفيظ، على حساب الفهم والاستيعاب والتحليل والاستنتاج، وتقييم المتعلمين على قدر محفوظاتهم ومعلوماتهم، لا على قدراتهم في التحليل والتركيب والحوار والمناقشة والاستنتاج. 

إن مرتبة الفهم فوق مرتبة العلم، يقول سبحانه:

"وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ ..."

فقد كان لداود وسليمان _ عليهما الصلاة والسلام _ الحكم والعلم، واختص الله سليمان بالفهم في هذه الواقعة التي عرضت عليهما، فالعلم هو المعرفة بالشي جليا كان أو خفيا، بينما الفهم هو المعرفة بالشي الجلي والخفي فهو أدق وأخص.

العقل أشبه بالطاحونة، والعلم أشبه بحبات الحنطة التي تلقى فيها لتطحن لتكون دقيقا وطحينا.

والفهم هو اليد التي تحرك الطاحونة، وتعرف مقادير الحنطة الموضوعة، والماء الذي يخلط مع الدقيق والنار التي تنضجه ليكون خبزا شهيا.

وهكذا هو الفكر والعلم النافع عبارة عن:

عقل مستعد.

وعلم حاضر

وفهم يحلل ويركب ويستنتج.

هل تعلمون أن مفردات "التفكر والتعقل والتذكر والتبصر والنظر والتدبر والتفقه" جاءت في القرآن 696 مرة، في 624 آية، أي في عشر آيات القرآن تقريبا، كلها تدعو إلى النظر والتفكير والتأمل!!.

من تجربتي الشخصية ومنذ سنين طويلة لم أقدم لطلبتي _ إلا نادرا _ أسئلة امتحانية من قبيل : عدد؟ واشرح؟ وبقية الأسئلة المعتمدة في نمطها على الحفظ لا الفهم، لأنك لا تستطيع معرفة الذي استوعب المادة، وفي مذهبي أن طالبا فهم الموضوع ولا يحفظ شيئا، خير من طالب حفظ كل شيء دون فهم، فالفهم غاية والحفظ وسيلة، ومن جمع الأمرين فخير.

فما أكثر العلم وما أندر الفهم في زمن سيلان المعلومات وشحة الفهم الناضج لها !!!.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين