من تآلـــيف السجون

تمر بالكاتب والأديب ظروف وتجارب لم تكن في حسبانه ؟ ولم يكن ليختار أكثرها بإرادته ؟!

والسجن ـ بحق أو بغير حق ـ من هذه التجارب ، إذ يتوقف الزمن ، وتطول الساعات ، وفي كل دهر لا يسرك طول ـ كما قال الشاعر العربي في سجنه .

وللناس في قضاء هذه الأيام والسنين مذاهب ؟! فإن كان السجين أديباً أو عالماً أو مفكراً ، وجد سلوته في الورق والقلم ، وقد عرف عصرنا وما قبله كثيراً من المؤلفات التي كُتبت في السجون ؟

وكان من أقصى العقوبات على هذا الصنف من الناس أن يُحرموا القراءة والكتابة ، ويُمنعوا الورق والقلم ؟!

وهذا مما زاد في محنة الإمام ابن تيمية في سجنه ! يقول الأستاذ محمد كردعلي في (كنوز الأجداد) : كان إخراج الكتب من عنده من أعظم النقم ، وبقي أشهراً على ذلك ، وأقبل على التلاوة والعبادة حتى أتاه اليقين ؟!

وما يزال تاريخ التصنيف يذكر الإمام السرخسي في القرن الخامس الهجري ، وكتابه (المبسوط) الذي طبع في ثلاثين مجلداً ، واستوعب جميع أبواب الفقه الحنفي ، فقد ألفه كله أو جلّه من ذاكرته وهو سجين بفرعانه ، وكان يمليه على طلابه من قعر الجب ، وهم حول البئر يكتبون ؟

وتطول قائمة العلماء ، وتآليفهم في السجون ، وكثبر منا يقرؤون الكتاب ، وينتفعون به ، وقد لا يدرون أين أُلِّف ؟ وكيف ؟ وكم عانى مؤلفه ؟

من ذلك كتاب (ترجمان القرآن) للإمام أبي الأعلى المودودي وكثير من أجزاء (في ظلال القرآن) لسيد قطب و (شهيد المحراب : عمر بن الخطاب) لعمر التلمساني وقد دوّن مسوداته في أربعة سجون ؟! و(دعاة لا قضاة) لحسن الهضيبي ، و (فصول في علم السجنولوجيا) لشريف الراس ، و ديوان (في غيابة الجب) لمحمد الحسناوي ؟!

وعدد من كتب الروائي نجيب الكيلاني كانت من ثمرات السجن ،يقول عن روايته (الطريق الطويل) :

ـ كتبتها في سجن أسيوط ، ثم نشرت وأنا في سجن القاهرة وكذلك روايته (طلائع الفجر).

ويقول ـ رحمه الله ـ في كتابه (رحلتي مع الأدب الإسلامي) :

ـ أخرجت و أنا في سجن أسيوط كتاب : إقبال الشاعر الثائر ووضعت مجموعة من القصائد التي تعبر عن فكري السياسي والعقائدي أصدق التعبير ، وصدرت فيما بعد تحت عنوان (أغاني الغرباء) كما كتبت مسرحية تاريخية عن الإمام ابن تيمية تحت عنوان (على أسوار دمشق) ثم يتحدث بأسى عن مسرحيته (حسناء بابل) التي اختفت في الصراع مع المساجين ! فقد كنا نتعرض لكثير من الحملات التي تمزق الأوراق ، وتحرمنا من الكتب والأقلام ..

ولنا أن نقول : يمضي السجن والسجين والسجان ، وتبقى التآليف التي ترى النور خارج أسوار السجن ، فما بال تلك التي ضاعت أو ضُيّعت ، والتي خُطّت بأقلام أسيرة وأجنحة كسيرة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين