أين ضمير العالم مما يجري في العراق؟

بقلم: جاسم الشمري
من أصعب صور الانحطاط الإنساني تسميةُ الأشياء بغير مسمياتها، فيسمى القاتل والمجرم محرراً، ويسمى الذي يدافع عن أرضه وبيته إرهابياً، وهذا ما وقع ويقع في العراق المبتلى منذ سبع سنوات باحتلال جيش همجي، وحشي لا يحمل ذرة من الإنسانية، جنوده وحوش تنشر القتل والإرهاب بين الأبرياء من العراقيين، وابتلينا أيضاً بحفنة من الخونة والعملاء الذين جاؤوا وهم متترّسون بجنود الاحتلال، ويتبجحون بأنهم من المحررين للعراق أيضاً.
ومن يتصفح مواقع البحث الإلكترونية على شبكة الإنترنت يجد آلاف الصور الوحشية التي تعكس وتظهر همجية جنود الاحتلال الأمريكي في بلاد الرافدين، ومن أصعب هذه الصور، التي أتحدى كل من يحمل ذرة من الإنسانية أن يحبس دموعه وهو يراها صورة لامرأة عراقية اسمها «وفاء حسين» من مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، هذه الأم العراقية الشجاعة قتل القناص الأمريكي المجرم طفلها البريء «ضياء» البالغ من العمر ست سنوات، وهو يلعب في ساحة الحيّ، وذلك أواخر عام 2008، وتركه جثة هامدة، وربما قتله وهو يرقص على نغمات الموسيقى الأمريكية الصاخبة. وحين عرفت الأم بالخبر ذهبت إلى ثلاجة الموتى في الطب العدلي بمستشفى المدينة، فوجدت ولدها ضياء غارقاً بالدماء، وهو مسجى على حمالة الجثث فجلست الأم على الأرض، وقالت لمن حولها أعطوني ولدي، فوضعته في حضنها، وكأنه لا زال حياً، ثم وضعت يديه الملطختين بالدماء على كتفيها، وكأنه يحتضنها، ثم بدأت تلعب بشعره وتناديه باسمه: ولدي ضياء ردّ عليّ، أنا أمك وفاء، ثم انهارت المرأة من هول مصيبتها، ومن حولها يجهشون بالبكاء من هول الموقف، ولولا لطف الله بهذه المرأة وقوة تحملها لحدث لها ما لا يتوقعه أحد.
ذكرت هذه الحادثة حتى لا ينسى العالم الإجرام الأمريكي في العراق، ونحن مقبلون على أكذوبة ما يسمى الانسحاب الأمريكي، وخدعة الاتفاق الأمني مع الحكومات العميلة للاحتلال, لأن هؤلاء المجرمين القتلة لم ولن ننسى جرائمهم ما حيينا، ولن ننسى لهم إراقتهم لقطرة دم عراقية واحدة، فالدم العراقي عزيز ومحرّم سواء كان شيعياً أو سنياً كردياً أو عربياً أو مسيحياً.
هذا الكلام يأتي أيضاً في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة التايمز اللندنية قبل أيام أن القوات الأميركية المحتلة خلّفت نحو خمسة آلاف طن من النفايات الخطرة في العراق، استناداً إلى وثيقة للبنتاغون عرضها عليها مقاول خاص يعمل مع الجنود الأميركيين، وهي تشمل زيوتاً للمحركات تتسرب من براميل سعة (55) غالون إلى الأرض في شمال العاصمة العراقية بغداد وغربها، فيما تُركت أسطوانات حامض الأسيد مفتوحة في متناول الأطفال، وتم إلقاء البطاريات الفارغة بالقرب من الأراضي الزراعية المروية.
البريغادير جنرال كيندال كوكس، وهو المسؤول عن الهندسة والبنية التحتية في العراق، قال: «نحن هنا منذ أكثر من سبع سنوات، في تلك الفترة لدينا تراكمت مئات الأطنان من النفايات الخطرة».
العراقيون سيلاحقون قادة الاحتلال، وسيكشفون في يوم من الأيام ما تخفيه الأرض العراقية من مخلفات قاتلة، وحينها سيعرف العالم حجم المأساة التي لحقت بشعبنا الصابر المبتلى من حرب التحرير المزيفة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين