حسن المعاملة من عوامل إصلاح المجتمع 

(الرسول صلى الله عليه وسلم يضع دستور المعاملة)

روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى وإذا قضى).

في هذا الحديث يدعو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالرحمة للرجل السمح في بيعه وشرائه وفي قضاء الدين واقتضائه .

والسماحة سخاء في النفس وكرم في الخلق ولين في الطبع تربي في الانسان حسن المعاملة ولا شك أنَّ حسن المعاملة من أهم عوامل اصلاح المجتمع وفي رعايته صلاح حال الأفراد والجماعات فإنَّ الانسان في هذه الحياة لابدَّ له من تبادل المنافع بينه وبين غيره بالبيع والشراء والأخذ والعطاء . فيجمل بالبائع ألا يكون مغالياً فيما يطلبه من ربح في سلعته بل يحسن أن يكون قنوعاً باليسير فإننا نشاهد كثرة الإقبال على التاجر الذي يرضى بالقليل من الربح وهو من أعظم أسباب ثرائه وغناه ورواج تجارته، فإن الربح القليل في البيع الكثير كثير وجدير بالبائع أيضاً أن يُحدد ثمن بضاعته حتى لا يعرِّض نفسه لكثرة المساومة والحلف كما يفعل الذين لا خلاق لهم في الفضائل ، وقد ذمَّ القرآن الكريم من يشترون بأيمانهم وحلفهم ثمناً قليلاً كما ذم المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يُروِّج سلعته بالحلف الكاذب قال الله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِك لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ وَلَا يُكلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {آل عمران:77} .

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم - فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر خابوا وخسروا ومن هم يا رسول الله – قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) والمسبل: هو المرخي ثوبه عجباً وخيلاءً . 

وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم التاجر الصادق فقال (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء).

والسياحة تقتضي البائع عدم الغش وعدم البخس في الكيل والميزان فإن الغش نقص في المروءة وكذب في المعاملة وقد روي (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس... من غشنا فليس منا).

ومر أبو هريرة رضي الله عنه يوماً برجل يحمل لبناً يبيعه فنظر إليه فإذا هو قد خلطه بالماء فقال له أبو هريرة رضي الله عنه : (كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة خلص الماء من اللبن)!!.

واشترى صحابي من آخر ناقة فلما أنطلق بها تبعه البائع وقال جئت لأبيِّن لك ما فيها قال المشتري أنها سمينة ظاهرة الصحة فما فيها قال البائع أردت بها لحماً أو سفراً؟ قال : أردت بها سفراً قال البائع فارتجعها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا يُبين ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك ألا يبينه).

فليسمع هذا أولئك الذين يحلفون كذباً ليزيدوا في أثمان بضائعهم وليسمعه الذين تخلطون الجيد بالرديء والطيب بالخبيث تدليساً وغشاً ابتغاء حطام الدنيا وليسمعه أيضا الذين يخفون عيوب السلع أو يظهرونها بمظهر السلامة من الآفات بحيلهم ووسائلهم الشيطانية .

والسماحة تقتضي المشتري أنَّ يكون سهل المساومة في شرائه فلا يبخس البائع قيمة بضائعه ولا يعمل على زيادة الكيل والميزان تطفيفاً لنفسه وزيادة على حقه فإن ذلك مأثمة وسحت وأكل الأموال الناس بالباطل وقد قال الله تعالى [وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ] {الشعراء:183} ، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ] {النساء:29} .

فليتعظ بهذا من يستعمل في شرائه الوسائل الذميمة ليحصل على بغيته بأقل الأثمان فيؤذي بذلك البائع ويأكل الحرام قال تعالى [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] {الأحزاب:58} .

والسماحة في اقتضاء الدين تستدعي الدائن أنَّ يطلب حقه في رفق ولين فإنَّ ذلك أدعى لاطلاق يدِّ المدين بالوفاء أما الغلظة في القول فمدعاة لنفور المدين وغلظة قلبه فيصل الأمر إلى الخصومة والتقاضي حيث تنفق الأموال في غير نفع ولا فائدة فيتولَّد الشقاق ويحرص كل من الخصمين على أنَّ ينتصر على الآخر بالحق أو بالباطل وكل هذا مجانب للدين وأخلاق المؤمنين وخير للدائن أنَّ يُمْهِل المدين في أداء دينه حتى يتيسر له أداؤه بل إنَّ الإسلام دعا إلى ابراء المدين المعسر من الدين لما في ذلك من الألفة والمحبة والأجر العظيم يقول الله تعالى [وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ] {البقرة:280} .

وأما السياحة في قضاء الدين فإنها تقتضي المدين أنَّ يبر بوعده الذي قطعه للدائن على نفسه فيؤدي دينه في الموعد الذي حدده به متى كان قادراً على الأداء أما المماطلة مع القدرة فأمر مخل بالمروءة والعدالة وظلم لصاحب الحق يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : (مطل الغني ظلم) وفي الحديث أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ديناً فأغلظ في القول فهمَّ الصحابة رضي الله عنهم بايذائه فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعطوه دينه فقالوا لا نجد إلا خيرا منه فقال: (أعطوه إنَّ خيركم أحسنكم قضاء).

وهذا مسلك جدير بالقدوة والتأسي والاتِّباع أين منه مسلك كثير من الناس اليوم من مماطلة تؤدي إلى الخصومة وإنكار يؤدي إلى التقاضي وضياع الحق على صاحبه بالجدل الباطل وشهادة الزور كما هو ذائع الآن في المجتمع.

أيها المسلمون: تأمَّلوا تعاليم الدِّين في المعاملة وتمسَّكوا بها ففيها سعادتكم وسعادة المجتمع وأحسنوا معاملتكم فالدين المعاملة... وفَّقنا الله وإيَّاكم إلى ما فيه الخير والسداد .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم 

المصدر: مجلة منبر الإسلام، السنة السادسة عشرة، شوال 1378 - العدد 10

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين