أسرار الحجّ ونفحات عشر ذي الحجّة

عناصر المادة

1- أسرارُ الحجّ وأهدافه 2- أعمالٌ يعدل ثوابها الحجّ 3- نفحات عشر ذي الحجّة 4- وأخيراً: تهنئةٌ وتحذيرٌ

مقدمة:

إنّ الحكمة في عبادات الإسلام وشعائره بصفةٍ عامّةٍ أنّها تطهّر النّفوس من آثار الذّنوب، ليصبح أهلاً لكرامة الله تعالى، وإنّها لتهدف إلى خيري الدّنيا والآخرة، والحجّ من العبادات العظيمة الّتي يستفيد منها المسلم شتّى الفوائد والدّروس، حيث يتقرّب بها المسلمون إلى مولاهم، فتصفو بها نفوسهم، وتزكو أفئدتهم، ويدركوا حقيقة الحجّ، ويتعرّفوا على الحِكم والأسرار الّتي شُرع الحجّ من أجلها، فيكون حجّهم أكثر قبولاً، وأعظم أجراً.

1- أسرارُ الحجّ وأهدافه

إنّ الحجّ من أوّله إلى آخره، وفي كلّ خطوةٍ من خطواته، حافلٌ بالمناسك والمواقف الّتي تُشعر الإنسان بعظمة الله تعالى وقدرته ورحمته، وتدعوه إلى العظة والاعتبار، وتتجلّى فيها الحكم والأسرار لمن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ، ولو أدركها المسلمون لاستشعروا قدسيّة الحجّ وروحانيّته، ولأدّوا المناسك على أكمل وجهٍ، ولعلّنا نتعرّف على أهمّ هذه الحكم والأسرار:

تأصيل قضيّة التّوحيد في النّفوس وتأكيدها: فالحجّ يرتكز على تجريد النّية لله تعالى، وإرادته بالعمل دون سواه، فقد قال الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ} [البَقَرَة: 196].

وقال تعالى في ثنايا آيات الحجّ: {فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ * حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِ} [الحَج: 30-31].

وفي التّلبية جاء إفراد الله تعالى صريحاً: (لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك)، كما أنّ الحجّ يرتكز على قضيّة المتابعة للرّسول صلى الله عليه وسلم، وعدم الوقوع في شرك الطّاعة، إذ لا مجال للتّمسّك في الشّعيرة بالأهواء والعوائد والتّقاليد، بل لا بدّ من التّأسي به صلى الله عليه وسلم، والأخذ عنه، عن جابرٍ رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ). [ 1 ]

تحقيق كمال العبوديّة والخضوع لله تعالى: الحجّ تذلّلٌ لله وخضوعٌ وانكسارٌ بين يديه، وإظهارٌ التذلّل للمعبود، فالحاجّ يخرج من ملاذ الدّنيا مهاجراً إلى ربّه، تاركاً أهله وماله وولده ووطنه، متجرّداً من ثيابه وزينته، لابساً إحرامه، حاسراً عن رأسه، متواضعاً لربّه، تاركاً الطّيب والنّساء، متنقّلاً بين المشاعر بقلبٍ خاشعٍ وعينٍ دامعةٍ ولسانٍ ذاكرٍ، يرجو رحمة ربّه ويخشى عذابه، ولهذا التّواضع والتذلّل أعظم المنزلة عند الله، بل هو مقصود العبوديّة الأعظم الّذي خلقنا الله تعالى من أجلها، حيث قال سبحانه: {وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} [الذَّارِيَات: 56].

وبتحقيق هذا الهدف تُمحى عن العبد آثار الذّنوب وظلمتها، فيدخل في حياةٍ جديدةٍ ملؤها الخير والسّعادة.

تذكير المسلم باليوم الآخر ومواقفه العصيبة: إنّ تجرّد الإنسان من ملابسه، ولبس الملابس البيضاء، ليُذكّر المسلم باليوم الّذي يجرّد فيه من ملابسه بعد موته، ويكفّن في قطعةٍ من القماش، هي كلّ ما يأخذه من دنياه، وقبل ذلك السّفر عن الأوطان، ووداع الأهل والأولاد، يذكّره بسفرٍ طويلٍ لا رجوع فيه؛ ألا وهو السّفر إلى الدّار الآخرة، وفي الوقت نفسه فإنّ زحمة الطّواف والسّعي والرّمي تذكّره بذلك الازدحام الرّهيب، يوم يجمع الله الأوّلين والآخرين لم يتخلّف منهم أحدٌ، كما قال الله تعالى: {وَحَشَرۡنَٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدٗا} [الكَهۡف: 47]. 

آنذاك سيقوم النّاس لربّ العالمين، وأيضاً فإنّ التّعب والعرق المنصبّ من الأجساد في أداء الشّعائر ليذكّر المسلم بعرق ذلك اليوم العصيب المهول، يوم يبلغ النّاس في العرق مبلغاً عظيماً على قدر أعمالهم، كما جاء في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ). [ 2 ]

إقامة ذكر الله تعالى وتحصيل تقواه: فذكر الله هو الهدف الأسمى في كلّ مناسك الحجّ، بل وفي كلّ العبادات والطاعات، قال الله تعالى: {فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَام وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِه لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} [البَقَرَة: 198]. 

وقال سبحانه: {وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰت} [البَقَرَة: 203].

قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه: (إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ، ذِكْرِ اللَّهِ). [ 3 ]

كما أنّ الحجّ مظهرٌ من مظاهر التّقوى، لما فيه من طاعاتٍ متنوّعةٍ قد تشقّ على النّفس، وما فيه من اجتناب مباحٍ ومكروهٍ ممّا تعوّد عليه المرء في حياته اليوميّة، قال الله تعالى: {لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡ} [الحَجّ: 37].

ربط الحجيج بأسلافهم من الرّسل وغيرهم: إنّ أعمال الحجّ تحمل في طيّاتها ذكرياتٍ قديمةً، من هجرة إبراهيم عليه السلام وزوجه وابنه الرّضيع إلى الحجاز وقصّته حين أُمر بذبح ولده، وبنائه للبيت، وأذانه في النّاس بالحجّ، حتّى مبعث نبيّنا صلى الله عليه والتّذكير بحجّة الوداع معه صلى الله عليه، حيث حجّ معه ما يزيد على مائة ألف صحابيٍّ وقال لهم: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ). [ 4 ]

ثم توالت العصور الإسلاميّة إلى وقتنا الحاضر حيث تزيد أعداد الحجيج في كلّ عامٍ على أكثر من ألفي ألفٍ من المسلمين، ممّا يجعل الحاجّ يتذّكر تلك القرون ممّن شهد أرض المشاعر قبله، ويتأمّل الصّراع العقديّ الّذي جرى بين الموحّدين والمشركين فيها، وما بذله الموحّدون من تضحيةٍ بالأنفس وبمتاع الحياة من أهلٍ ومالٍ وجاهٍ في سبيل الدّفاع عن هذا الدّين، وما قام به المشركون من بغيٍ وعدوانٍ على المسلمين.

2- أعمالٌ يعدل ثوابها الحجّ

إنّ من أجلّ وأعظم نفحات الله تعالى أن شرع لهم أعمالاً تعدل الحجّ في الأجر والجزاء والفضل والثّواب، ولكن لا تغنيه هذه الأعمال عن حجّ الفريضة إذا بلغ حدّ الاستطاعة، وهذه بشرى لمن تقطّع قلبه وذرفت عيناه شوقاً لبيت الله الحرام، ولكن يعجز عن ذلك، ومن أهمّ هذه الأعمال:

المكث في المسجد بعد صلاة الفجر حتّى صلاة الضّحى: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه: (مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه: (تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ). [ 5 ]

حضور صلاة الجماعة والمشي إلى صلاة التّطوع: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه قَالَ: (مَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ مَشَى إِلَى سُبْحَةِ الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى إِثْرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ). [ 6 ]

حضور مجالس العلم في المساجد: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه قَالَ: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ). [ 7 ]

برّ الوالدين: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ: (هَلْ بَقِيَ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ؟) قَالَ: أُمِّي، قَالَ: (فَأَبْلِ اللَّهَ فِي بِرِّهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا رَضِيَتْ عَنْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَبِرَّهَا). [ 8 ]

3- نفحات عشر ذي الحجّة

لقد قسّم الله الطاّعات، ووزّع العبادات على أوقاتٍ، وجعلها موصولةً بعضها ببعض، ليدوم اتّصال العبد بربّه، وليحيى قلبه بنور الإيمان وشعبه، فيرقى في مدارج سلوكه، حتّى يصل إلى محبّة الله تعالى له، حيث جاء في الحديث القدسيّ عن ربّ العزّة: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ). [ 9 ]

وإنّ من النّوافل التي تقرّب العبد إلى الله زلفى، التّزوّد بالطّاعات والقربات في هذه الأيّام المباركة التي نعيشها، أيّام عشر ذي الحجّة، والّتي خصّها الله تعالى بالأجر العظيم والفضل الجزيل، وجعلها متاعاً روحيّاً للأتقياء، وسوق تجارةٍ لكلّ من أراد الرّبح الوفير، وإنّما خصّها الله تعالى وميّزها عن بقيّة الأيّام لما اجتمع فيها من خصائص عديدةٍ، ولعلّ من أهمّها:

أنّ الله تعالى أقسم بها في كتابه الكريم: وإذا أقسم الله بشيءٍ دلّ على عظم مكانته وفضله، فإنّ العظيم لا يقسم إلّا بأمرٍ عظيمٍ، حيث قال سبحانه وتعالى: {وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَيَالٍ عَشۡر} [الفَجۡر: 1-2].

والليالي العشر هي: عشر ذي الحجّة، وهذا ما عليه جمهور المفسّرين، وكما قال بذلك ابن عبّاس وابن الزّبير ومجاهد وقتادة والضّحاك وغير واحدٍ من السّلف والخلف.

أنّها أفضل أيّام الدّنيا: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه: (إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: (وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا مَنْ عَفَّرَ وَجَهَهُ فِي التُّرَابِ). [ 10 ]

أنّها الأيّام المعلومات الّتي شرع فيها ذكره: قال الله تعالى: {وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ} [الحَجّ: 28].

وجمهور العلماء على أنّ الأيّام المعلومات التي يستحبّ فيها الإكثار من ذكر الله هي عشر ذي الحجة، ومنهم عمر وابن عبّاس رضي الله عنهما، ولقد جاء في ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه قَالَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ). [ 11 ]

أنّ الله أكمل فيها الدّين وأتمّ علينا النعمة: ففي يوم عرفة كمل الدّين، ونزل قوله تعالى: {ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا} [المَائـِدَة: 3].

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ، مَعْشَرَ الْيَهُودِ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: "وَأَيُّ آيَةٍ؟" قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ". [ 12 ]

وكأنّ الله جعل عيد الفطر لبداية نزول القرآن في رمضان، وعيد الأضحى لإكمال الّدين في فريضة الحجّ، فكان نزول القرآن بدايةً ونهايةً مقروناً بفريضتين عظيمتين، وهما: الصّيام والحجّ.

4- وأخيراً: تهنئةٌ وتحذيرٌ

طوبى لعبدٍ تذكّر واعتبر، وأيقظ مشاعره، واغتنم فرصة حياته، واستغلّ زهرة شبابه، ولم يترك هذه الأيّام وغيرها تذهب من عمره سدى، فقدّم بين يديه أعمالاً صالحةً، وطاعاتٍ لله خالصةً، تقعده مقاعد الشّرف والكرامة في الدّنيا والآخرة، حيث وعد ربنا سبحانه وتعالى كلّ من التزم طريق الهداية والتّقوى، أن يحييه حياةً سعيدةً في الدّنيا، وأن يجزيه الجزاء الأوفى في الآخرة، حيث قال سبحانه: {مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} [النَّحۡل: 97].

فاغتنم لحظات عمرك، واحذر الغفلة وفوات الفرصة، فأيّام العمر محدودةٌ، والأنفاس معدودةٌ، وإنّ (الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ). [ 13 ]

 

1 - صحيح مسلم: 1297

2 - صحيح البخاريّ: 6532

3 - مسند الإمام أحمد: 24351

4 - صحيح مسلم: 1297

5 - سنن التّرمذيّ: 586

6 - مسند الإمام أحمد: 22304

7 - المعجم الكبير للطّبرانيّ: 7473

8 - مسند أبي يعلى: 2760

9 - صحيح البخاريّ: 6502

10 - صحيح الجامع: 1133

11 - مسند الإمام أحمد: 5446

12 - صحيح مسلم: 3017

13 - مسند الإمام أحمد: 17123

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين