من يكسر حصار غزة.. بعد زيارة عمرو موسى الثانية؟
بقلم: عبد المنم منيب
الأمان
 
ردّدَتْ بعض وسائل الإعلام مؤخراً أنّ عمرو موسى (الأمين العام لجامعة الدول العربية) سوف يزور غزة قريباً, ولو صحّت هذه الأخبار ستكون هذه هي الزيارة الثانية له في غضون أسبوعين.
والأمين العام للجامعة العربية كان قد زار غزة في منتصف حزيران 2010 ودعا لكسر الحصار عن غزة, والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: من يحاصر غزة حتى نقوم بكسر ذلك الحصار؟
معلوم أن إسرائيل لها حدود مع غزة من جهتيْن بَرِّيَّتيْن فقط هما الشمال والشرق، أما الغرب فبحرٌ ومياهٌ دولية، وأمَّا الجنوب فحدود الشقيقة مصر التي تَتربَّع على معبر رفح الشهير, فلمن يُوجِّه السيد عمرو موسى نداءه لكسر الحصار، لإسرائيل أم لمصر؟
حدود غزة البحرية مُحاصَرة من قِبَل القوات البحرية الإسرائيلية, وليس لدى العرب ولا غيرهم إرادة سياسية لمواجهةٍ بحريةٍ مع إسرائيل لكسر حصارها لشاطئ غزة على البحر المتوسط, وكلنا رأى ما حدث مع محاولة الاختراق السِّلْمي لهذا الحصار الإسرائيلي في موقعة أسطول الحرية.
أما حدود غزة البرية مع إسرائيل فلا أمل في فتحها عبر نداء السيد عمرو موسى، فلِمَن يُوجِّه موسى نداءه إذن؟
لم يبقَ سوى مصر التي تزعم منذ أسابيع أن معبر رفح مفتوح لأجلٍ غير مسمى, فهل وجَّه موسى نداءه لمصر؟
لفهم ألاعيب السياسة الكامنة وراء زيارة الأمين العام للجامعة العربية لقطاع غزة المحاصر منذ ثلاث سنوات، لا بدّ من الرجوع بالذاكرة قليلاً الى الوراء، حيث نلاحظ أنّ زيارة موسى جاءت متأخرة جدّاً، إذ سبقته سلسلة طويلة من الزيارات لمسؤولين غربيين ودوليين سلطت الضوء على حصار غزة.
- قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة غزة في 20 كانون الثاني 2009.
- وأتبع بان كي مون هذه الزيارة بأخرى في 21 آذار من العام الحالي.
- وفي أوائل شباط 2009 زار قطاع غزة وفدٌ من مجلس الشيوخ الأمريكي برئاسة السيناتور جون كيري.
- وفي 28 شباط 2009 قام المنسِّق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا يرافقه وزير خارجية النرويج يوناس غار شتور بزيارة قطاع غزة.
- وفي أواخر نيسان 2009 اجتمع وفد برلماني اسكتلندي مع نواب من كتلة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) البرلمانية في زيارة للقطاع.
- وفي منتصف حزيران 2009، زار الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر غزة والتقى رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية.
- وفي منتصف كانون الثاني 2010، وصل قطاع غزة وفد من البرلمان الأوروبي ضمّ 56 نائباً ووزيراً يمثلون 12 دولة.
- وفي شباط 2010، وصل وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن إلى قطاع غزة على رأس وفد مكون من عشرة أشخاص.
- وفي 18 آذار 2010 قامت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون بزيارة قطاع غزة بعد أن تراجعت إسرائيل عن منعها من هذه الزيارة عن طريق المعابر الإسرائيلية.
- وفي مطلع أيار الماضي وصل وفد حكومي من جنوب إفريقيا يرأسه إبراهيم إبراهيم (نائب وزير خارجية جنوب إفريقيا) إلى غزة وشملت الزيارة لقاء مع الرئيس إسماعيل هنية.
وزيارة عمرو موسى هذه لم تأتِ في سياق تداعيات أسطول الحرية فقط، بل إنَّها تأتي في سياق إحساس العرب برسوخ قدم حماس في غزة بقدر لا يمكن اقتلاعها معه, إذ سبق وزار وفد برلماني عربي يضمّ 47 برلمانياً قطاع غزة في حزيران أيضاً, ومن هنا يأتي التساؤل عن دلالات تحرك العرب «الرسميين» بعد ثلاث سنوات من حصار غزة؟ بالقطع هو ليس مجرد تقليد لناشطين أجانب وعرب وأتراك في أسطول الحرية.
 
في واقع الأمر هناك عدة أمور تدفع لتغيير موقف العالم الغربي (أوروبا والولايات المتحدة) من حصار قطاع غزة.
الأمر الأول: الزَّخَم الواسع الذي طال تحركات العديد من قوى المجتمع المدني في أوروبا ومعظم دول العالم المساندة للحق الفلسطيني، خاصة حق قطاع غزة في الحياة, الأمر الذي دفع تحركات هذه القوى لدفع الأمور بالشكل الذي فضح القمع الغاشم الصهيوني.
الأمر الثاني: ترسيخ حماس لوجودها القويِّ سياسياً واجتماعيّاً بعدما كانت رسّخت وجودها أمنياً وعسكرياً عبر نجاحها في منع إسرائيل من اقتحام غزة في كانون الثاني 2009, ومن هنا عَلِم العالم أجمع بما في ذلك إسرائيل أنه لا مناصَ من التعامل معها.
الأمر الثالث: السعي لاحتواء إيران يلزم معه تفكيك محور تحالفاتها الإقليمية ولو بتحييد بعض الحلفاء، وإذا كانت حماس أضعف حلفاء إيران في المنطقة فهي ليست أقلهم خطورةً خاصة إزاء إسرائيل.
ومن هنا نفهم أبعاد زيارة موسى لغزة, ولذلك نجد صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية تقول قبل زيارة عمرو موسى بيوم واحد: «إن محمود عباس أبلغ الرئيس الأمريكي أوباما أنه يعارض رفع الحصار البحري عن غزة لأن ذلك «يقوي حماس»، وهو «يوافق على فتح المعابر الحدودية في قطاع غزة وتخفيف الحصار، ولكن بالطرق التي لا تؤدي إلى تقوية حماس».
وتهدف إجراءات سماح اسرائيل بمزيد من السلع الغذائية لغزة مع تدويل الحصار البحري، إلى تبييض وجه إسرائيل الدولي بعدما أساءت له وقائع تصدِّيها لأساطيل الحرية, أمَّا الرسميون العرب فبسبب معرفتهم بهذا السيناريو الإسرائيلي فإنَّهم باتوا يهاجمون الحصار ويزعمون سَعْيَهم لفكِّه بهدف تبييض وجوههم لدى شعوبهم، وهم آمنون أنَّ هذا لن يغضب إسرائيل ولا أتباعها في الولايات المتحدة وأوروبا, وفي نفس الإطار يمكننا فهم التصريحات الأوروبية وتصريحات البيت الأبيض وتصريحات المبعوث الأمريكي ميتشل بشأن عدم قبول حصار غزة, في إطار تمثيلي عجيب، كأن حصار غزة لم يبدأ قبل ثلاث سنوات، وإنَّما بدأ قبل يوم فقط, أم ترى هل كان القوم نائمون طوال ثلاث سنوات ولم يستيقظوا إلا الآن فقط؟!

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين