مختارات من تفسير

 من اللمسات البيانية في سورة البقرة

السؤال الأول: لماذا وردت بعض أسماء السور مرفوعة مثل: الكافرون والمؤمنون، وبعضها بالجرّ بالاضافة مثل : سورة الحجِ و البقرةِ؟ 

الجواب:

الناظر في فهرس السور لا يقول: البقرة، وإنما يقول : هذه سورة البقرةِ , وأما الإعراب: سورة البقرة تعرب: خبر لمبتدأ محذوف وتقديره: هذه سورة البقرة, وهذه سورة آل عمران وهكذا. فالأسماء المفردة جاءت بالجر مجرورة. 

وأما الأسماء التي جاءت بصيغة جمع المذكر السالم، فيبدو أنّ تسميتها جاءت حسبما ورد في السورة فلما كانت {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون:1] بالرفع سميت سورة الكافرون على الحكاية.

و السور التي اسمها جمع مذكر سالم هي أربع سور: المؤمنون {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1]، المنافقون {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ} [المنافقون:1] ، الكافرون {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون:1] ، المطففين {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطفِّفين:1] جاءت مجرورة باللام فسميت المطفِّفين. 

فالاسم الذي هو جمع مذكر سالم حُكِيَ في السورة، وأمّا الباقي عموماً فأُخضع للقاعدة , فإذا كان منصرفاً جُرَّ بالكسرة وإذا كان ممنوعاً من الصرف مثل سورة يونسَ جُرَّ بالفتحة نيابة عن الكسرة وكذلك سورة يوسفَ

{الم} [البقرة : 1]

السؤال الأول: ما دلالة الحروف المقطعة في أوائل بعض السور في القرآن الكريم؟

الجواب:

الأحرف المقطعة في بداية بعض سور القرآن الكريم هي عِلمٌ مستور وسِرٌّ محجوب عجزت العلماء عن إدراكه، وقصرت خيول الخيال عن لحاقه، ولذلك من الأفضل أن نقول:

( الله أعلم بمراده )

ولهذا قال الصديق رضي الله عنه : (لكل كتاب سر، وسر القرآن أوائل السور) وقال الشعبي: (سر الله تعالى فلا تطلبوه) وهنا لا نتكلم عن المقصود وإنما عن الخصائص لهذه الأحرف المقطعة :

1ـ سميت حروفاً مقطعة؛ لأنّ كل حرف ينطق بمفرده.

2ـ كل حرف في اللغة العربية له اسم وله مسمى. 

والناس ينطقون حين يتكلمون بمسمى الحرف وليس باسمه، مثال: كلمة (كتب) هذه تنطق بمسمى الحروف فإذا أردت أن تنطق بأسمائها تقول (كاف وتاء وباء) إنظر إلى الجدول أدناه :

وهكذا

ومن اللطيف أن نلاحظ هنا أنّ علماء اللغة جعلوا المسمَّى صدر كُلَّ اسم له ـ كما قال ابن جني ـ وذلك ليكون تأديتها بالمسمى أول ما يقرع السمع.

3ـ الذي لم يتعلم قد ينطق بمسميات الحروف ولكن لا يمكن أنْ ينطق بأسمائها , ولعلّ هذا أول ما يلفتنا، فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كان أمياً , والأمي يستطيع أن ينطق بمسميات الحروف فيقول : الكتاب , فإذا طلبت منه أن ينطق بأسماء الحروف فإنه لا يستطيع أن يقول لك إن كلمة الكتاب مكونة من الألف واللام والكاف والتاء والألف والباء.

والرسول صلى الله عليه وسلم وهو أُمِّيٌّ جاء ونطق بأسماء الحروف فكانت هذه الحروف دليلاً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن ربه، وأنّ هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى.

4ـ لذلك نجد أنّ سور الفواتح تبدأ بأسماء الحروف وينطق هذه الحروف بأسمائها, وقد تجد الكلمة نفسها في آية أخرى فتنطق بمسمياتها , لذلك أول سورة البقرة تنطق (ألف لام ميم)، بينما في سورة الشرح تنطق الكلمة بمسميات الحروف {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشَّرح:1] وقد كُتبت فواتح السور على صورة الحروف أنفسها لا على صورة النطق بها اكتفاء بشهرتها .

5 ـ كل القرآن مبني على الوصل دائماً وليس على الوقف, فإذا نظرت إلى آخر حرفٍ من أي سورة بما فيها سورة الناس تجد أن الحرف الأخير عليه حركة. أمثلة: 

ـ آخر سورة يونس {وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ} [يونس:109] النون عليها فتحة وليس سكون.

ـ آخر آية في آخر سورة في القرآن {مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6] السين عليها كسرة وليس سكون.

لذلك فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل ما عدا أحرف فواتح السور فهي مبنية على الوقف .

6ـ القدماء انتبهوا إلى أنّ السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة بُنيت على تلك الأحرف فمثلاً :

(سورة ق) تتكرر فيها الكلمات التي فيها حرف القاف مثل{قَولٍ} [ق:18] ، {رَقيبٌ} [ق:18] ،{والقُرءانِ} [ق:1] ، {تَنقُصُ} [ق:4] ،{وَأَلقيْنا} [ق:7] ،{بَاسِقاتٍ} [ق:10] ، {بِالخَلقِ} [ق:15] .

وكذلك (سورة ص) تكثر فيها الكلمات التي فيها حرف الصاد مثل:{مَنَاص} [ص:3] ،{واصبِرُوا} [ص:6] ،{وأَصحَابُ} [ص:13] ،{صَيْحَةً} [ص:15] ،{وَفَصلَ} [ص:20] ،{الخَصْمِ} [ص:21] .

حتى أنهم جعلوا إحصائية في {الر} وقالوا: أنها تكررت فيها الكلمات التي فيها {الر} 220 كلمة هذا قول القدامى.

والعلماء جمعوا الأحرف المقطعة وقالوا :عندما نجمعها نجد أنها مكونة من (14) حرفاً تمثّل نصف حروف المعجم ، وجاءت في 29 سورة وهي عدد حروف المعجم وتمثل نصف الأحرف المجهورة، ونصف الأحرف الشديدة، ونصف المُطبَقَة، ونصف المنقوطة، ونصف الخالية من النقط، ونصف المستقرة، ونصف المنفتحة، ونصف المهموسة، ونصف المستعلية، ونصف المقلقلة، و نصف الرَّخوة وهكذا ، لكن هم خاضوا في هذا للنظر فيه.

هذه الأحرف المفرّغة من المعنى رُكبت تركيباً خاصاً فصارت آيات مبينة موضحة وهي موضع الإعجاز وموضع التحدي للعرب الفصحاء، هم يقيناً أدركوا هذا المعنى وإلا لكانوا سألوا عنه.

وقسم قال : إن كل السور التي تبدأ بحرف (ط) تبدأ بقصة موسى أولاً، وهناك من جعل منها معادلة رياضية فقال: أن كل سورة فيها {ألم} نسبة الحروف ألف إلى لام تساوي نسبة الحروف لام إلى ميم. 

7ـ عدد سور الفواتح ( 29 ) سورة من أصل ( 114 ) سورة أي: حوالي 25%. من سور القرآن بينما نسبة عدد كلماتها إلى كلمات القرآن فتقارب 48% .

8ـ مجموع الفواتح بدون تكرار ( 14 ) فاتحة وتتكون من ( 14 ) حرفاً من الأحرف الهجائية وتجمعها جملة (طرق سمعك النصيحة) أو (صح طريقك مع السنة) وتعرف هذه الحروف بالأحرف النورانية.

9 ـ هناك فواتح مؤلفة :

آـ من حرف واحد :{ن} [القلم:1]{ق} [ق:1]{ص} [ص:1] .

ب ـ فواتح من حرفين : {طه} [طه:1] . {يس} [يس:1] . {طس} [النمل:1] . {حم} [الدخان:1] .

ج ـ وفواتح من ثلاثة أحرف: {ألم} [البقرة:1] . {الر} [إبراهيم:1] . {طسم} [الشعراء:1] .

د ـ وفواتح من أربعة أحرف : {ألمص} [الأعراف:1] . {المر} [الرعد:1] 

هـ ـ وفواتح من خمسة أحرف : {كهيعص} [مريم:1] . {حم عسق} [الشورى1 - 2]. 

10ـ وتنقسم الفواتح من حيث تكرارها إلى قسمين :

آ ـ فواتح لم تتكرر صورتها إلا مرة واحدة، وعددها عشرة وهي: {ألمص} [الأعراف:1]، {المر} [الرعد:1] {كهيعص} [مريم:1]، {طه} [طه:1] {طس} [النمل:1] {يس} [يس:1]، {ص} [ص:1] ، {حم عسق} [الشورى: 1 - 2]، {ق} [ق:1]، {ن} [القلم:1] .

ب ـ فواتح تكررت صورتها : [ {ألم} ـ6 مرات], [ {ألر}ـ 5 مرات], [{طسم}ـ2 مرة ], [{حم} ـ 6 مرات ].

11 ـ بعض الفواتح جزء من فاتحة أخرى: {طس} متكررة في {طسم} وفاتحة {ص} متكررة في {كهيعص} و {ألمص} وفاتحة {ق} متكررة في {حم عسق}]

12 ـ ترتيب سور الفواتح الـ (29) حسب نزولها هو : [ ن ـ ق ـ ص ـ الأعراف ـ يس ـ مريم ـ طه ـ الشعراء ـ النمل ـ القصص ـ يونس ـ هود ـ يوسف ـ الحجر ـ لقمان ـ غافر ـ فصلت ـ الشورى ـ الزخرف ـ الدخان ـ الجاثية ـ الأحقاف ـ إبراهيم ـ السجدة ـ الروم ـ العنكبوت ـ البقرة ـ آل عمران ـ الرعد ].

13ـ وقد قامت الدكتورة عائشة عبد الرحمن والملقبة ببنت الشاطىء بدراسة تاريخية لهذه السور الـ ( 29 ) وخلصت إلى النتائج التالية :

آ ـ أنه بدأت من أوائل الوحي لافتة إلى سر الحرف ثم كثرت وتتابعت في أواسط العهد المكي حين بلغ الجدل أشده فعُرضت قضية التحدي , وظلت الآيات تعاجزهم وتتحداهم أنْ يأتوا بمثله أو بسورة منه إلى أول العهد المدني الذي نزلت فية آية البقرة فحسمت الجدل العقيم بعد أن ألزمتهم الحجة على صدق المعجزة بعجزهم مجتمعين أنْ يأتوا بسورة من مثله.

ب ـ أكثر السور المبدوءة بالحروف نزلت في المرحلة التي بلغ فيها عتو المشركين أقصى المدى وأفحشوا في حمل الوحي على الافتراء والسحر والشعر والكهانة، فواجههم القرآن بالتحدي.

14 ـ من عجائب أحرف الفواتح وهي (14) حرفاً أنها تمثل نصف حروف المعجم وترددت في ( 29 ) سورة على عدد حروف المعجم , كما أنّ هذه الحروف تشتمل على أنصاف أجناس الحروف, فهي تمثل النصف من الحروف المهموسة والمجهورة والشديدة والرخوة والمطبقة والمنفتحة والمستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة, وبيان ذلك حسب الجدول التالي :

15 ـ تتألف الأحرف الهجائية للغة العربية من (29) حرفاً، أمّا الأحرف الأبجدية فتتألف من (28) حرفاً على اعتبار أنه لا فرق بين الألف والهمزة في الأبجدية.

قال الناظم :

وعِدةُ الحروفِ للهجــــاءِ= تسعٌ وعـشرون بلا مــــــراءِ

أولها الهمـــزةُ لكن سُمِّيت= بألفٍ مجــــــازاً إذ قد صورت

وذلك أنهم يسمون كلاً من الهمزة والألف اللينة (ألفاً) ويفرقون بينهما بوصفهم للألف باللينة أوالممدودة , أي : الألف الممدودة اللينة فرع عن الهمزة.

16 ـ الحروف في اللغة نوعان : مبنى و معنى :

آ ـ حرف مبنى : وهو الحرف الذي لا معنى له إلا للدلالة على الصوت فقط.

ب ـ حرف معنى : مثل ( في) للظرفية، و (من) للابتداء، و( على ) للاستعلاء.

17 ـ على الأصح فإنّ أحرف الفواتح لا تعرب .

18 ـ شاء الله سبحانه وتعالى أنْ يبقى معناها في الغيب عنده , وأنت أيها المسلم المؤمن خذ كلمات الله التي تفهمها بمعانيها وخذ الحروف التي لا تفهمها بمرادات الله فيها , وهذه الحروف هي سر من أسرار الله تعالى يريدنا أنْ ننتفع بقراءتها سواء فهمناها أم لم نفهمها .

أي أنّ القول الفصل فيها : إنها حروف لها سر من قبل الله تعالى لا نعلمه, وقسم قال : هي من المتشابه الذي لا نعلمه، قد يكون هذا الرأي هو السديد ، ولكن هذه الملاحظات جديرة بالانتباه أيضاً.

19ـ وقدً انتبه القدامى إلى أنّ هذه السور التي تبدأ بهذه الأحرف يكون التعبير فيها بطابع هذه الأحرف، يعني التي تبدأ بالصاد تكثر فيها الكلمات الصادية ويعني أنها تعطيك بداية فنية لما يكثر من الأحرف في هذه السورة. مثل :

آ ـ سورة (ق) تردد فيها الكلمات التي فيها قاف {ق وَالقُرْآَنِ المَجِيدِ} [ق:1] ، {إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ}[ق:17] ، {قَعِيدٌ} [ق:17]، {سَائِقٌ} [ق:21] ، {تَشَقَّقُ} [ق:44])، في (ص) ذكر الكلمات فيها صاد نحو: الخصومات، الخصم، يختصمون، مناص، صيحة، اصبروا، صيحة، اصبر.

ب ـ ثم استدلوا إلى الإحصاء ، قالوا وضربوا مثالاً في سورة يونس تبدأ بـ{ألر} [يونس:1] وفي هذه السورة تكررت الكلمات التي فيها راء كثيراً، وأقرب السور إليها سورة النمل والنحل, وهي أطول منها لكنها لم تتردد الراء فيها كما في يونس ففيها (220 راء)، هكذا أحصوا والله أعلم.

ج ـ ثم الملاحظة أنّ كل السور التي تبدأ بالطاء {طه}{طس}{طسم} كلها تبدأ بقصة موسى أولاً، كلها بلا استثناء.

ويبدو كما يقولون أنّ اللمسة البيانية أنها تشير إلى أنّ الحروف المذكورة في أوائل بعض السور تطبع طابع السورة فيكون من باب السمة التعبيرية. 

ليس هذا فقط ولكن قبل سنوات أخرج دكتور مهندس كتاباً عن المناهج الرياضية في التعبير القرآني عملها على الكمبيوتر وهو يقول : إنه لاحظ أن الأحرف المذكورة في بداية السور تتناسب مع السور تناسباً طبيعياً؛ فالتي تبدأ بـ {ألم} يكون الألف أكثر تكراراً في السورة، ثم اللام ثم الميم, وليس هذا فقط وإنما نسبة الألف إلى اللام مثل نسبة اللام إلى الميم، هذه معادلة رياضية وقد قال بأنه راجع الصحف و طبقها على الصحف لكنه وجد القرآن متفرداً بها. 

والذي عليه الكثيرون أنّ هذه من دلائل الإعجاز, بمعنى أنّ هذا القرآن المبين الواضح مكوّن من هذه الأصوات غير المبينة في ذاتها, وأنّ القرآن جاء بكلام معجز من جنس كلامهم فأتوا بمثله إنْ استطعتم, والسلف كانوا يوكلون معاني هذه الأحرف لله تعالى .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين