آلام في الصميم

قد يصيب المرء الحزن والألم في حياته وهو يرى أن كثيرا مما خطط له وتمناه لم يحصل، إما عجزا أو كسلا أو قدرا، ويبقى بسبب ذلك في حالة من اللوم وجلد الذات لنفسه والسخط الداخلي على ادائه وشحة إنجازاته.

هناك صورتان في هذا الموضوع:

الأولى: صورة لعدم الإنجاز في أوقات الراحة والسلم ومواتاة الظروف وتوافر الإمكانات والادوات والمشجعات، فهذا مما لا يعذر المرء في تركه، من استدراك ما فاته وقصر فيه، فبناء عليه يتم تقويم ذاته ومنجزاته من قبل نفسه والآخرين.

والثانية: صورة لعدم الإنجاز في أوقات الحروب والفتن والمحن ومعاكسة الظروف وشحة الإمكانات الأدوات والمشجعات، ففي هذه الحالة فإن أكبر انجاز للمرء هو في الثبات على المبادئ، وأن يسلم المسلمون من لسانه ويده، ودفع الظلم ما استطاع، والحفاظ على المنجز الذي وصل إليه، وانقاذ ما يمكن إنقاذه، والتألم والحزن في هذه الحالة نوع من تحميل النفس ما لا تطيق، وتسخط على القضاء والقدر.

إن أسباب شحة الإنجاز عند المرء أمران:

الأول: العجز والكسل، وقد استعاذ منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا، وكان من جوامع دعائه أن يستعيذ بالله من العجز والكسل، وهذا السبب مما يمكن استدراكه ومعالجته.

الثاني: القضاء والقدر، وهو يمثل المانع القهري الذي لا يد للإنسان فيه، وهو للمسلم كله خير كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقضي الله للعبد قضاء الا كان خيرا له"، فليس كل ما يخطط له المرء ويريده هو خير له وأصلح، بل وصل الأمر أن المرء إذا اجتهد وأخطأ أو فاته ما يريد فليقل: "قدر الله وما شاء فعل" كما في الحديث، وقوله هذا ليس تبريرا للخطأ بل إيكال الأمر إلى قضاء الله وقدره، فقد يظنه المرء خطأ فيكتشف صوابه بعد حين، أو يوقن أنه خطأ لكنه يعلم يقينا أنه مسجل في اللوح المحفوظ، فليضرب صفحا عنه، وليبدأ بداية جديدة، فإنه إذا سقط في فخ (لو) فقد فتح على نفسه عمل ووسوسة الشيطان في لوم النفس ومعاتبتها وجلدها أكثر مما يجب.

إن الحياة مليئة بالفرص والإمكانات ومجالات الإنجاز، وجزء من عمل الشيطان أن يغري المرء ويوسوس له بشحة الخير والفرص وإمكانات الإنجاز: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأمركُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"، لنجعل آلام وأحزان فوات الإنجاز وعدم حصول ما نريده في الحياة جسرا إلى الأمل والإنجاز القادم، وليس مستنقعا شيطانيا نغرق دون منقذ.

حوّل آلامك من مشكلة إلى فرصة.

ومن مشاعر معطلة إلى قوة دافعة.

واستعن بالله ولا تعجز.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين