تسعير السِلَع في ضوء الشريعة الغرَّاء

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

من المعلوم أنَّ أحكام الشريعة الإسلامية تقوم على رعاية مصلحة الفرد والجماعة، وذلك بتشريع كلِّ ما فيه منفعة وخير لهم في العاجل والآجل، ومنع كل ما فيه ضررٌ وشرٌّ عنهم في الدنيا والآخرة، ليحقق لهم بذلك السعادة في الدارين. 

وتقوم أحكام المعاملات في هذه الشريعة على أساس حرية التعامل في البيع والشراء والأخذ والعطاء، وسائر العقود والتصرفات، ما دام التعامل جارياً بين الناس وفق ما جاءت به الشريعة من أحكامٍ وقواعدَ ونظمٍ.

وبناء على هذا المبدأ منعت الشريعة القيام بكبت هذه الحرية وتعطيلها، أو تقييدها والحدِّ منها، ولكن إذا أسيء استخدام هذه الحرية، وتعسَّف الناس في استعمال حقوقهم، لتحقيق المصالح الذاتية لهم، فخرجت بذلك تصرفاتهم ومعاملاتهم عن السنن المشروعة فأضرَّت بالناس، أو استغلَّت حاجتهم، فأرهقتهم وأثقلت عليهم حياتهم، فإن الشريعة تبيح للسلطان حينئذٍ أن تتدَّخل في هذه الحالة، لحمل الناس على الجادة المستقيمة في تصرفاتهم ومعاملاتهم، وإلزامهم بالعودة إلى الطريق المشروع الذي لا يضرُّ بأحد، أو يستغلُّ حاجة أحد، وذلك لأن الشريعة التي قامت على رعاية المصالح وحرية التعامل لا تسمح لمصلحة فرد أو طائفة أن تطغى - في ضوء هذه الحرية - على مصلحة الجماعة فتعطِّلها، أو تنقص منها، أو تقلِّل من شأنها، وذلك تغليباً لمصلحة الجماعة على مصلحة الفرد وترجيحاً للمصلحة العامَّة على المصلحة الخاصَّة. ومن الأمثلة الحيَّة على ذلك موقف الشريعة من تسعير السلع والبضائع على التجَّار، فإن التجَّار إذا تغالوا في البيع فباعوا بأزيدَ من القيمة الحقيقية لهذه السلع، وتواطؤوا على ذلك، أو احتكروا السلع والبضائع وحبسوها عن الناس، ليحملوهم على الشراء بالسعر الذي يريدونه، فإن الشريعة توجب على وليِّ الأمر أن يتدخل للحدِّ من حرية هؤلاء التجَّار، فيقوم بالتسعير العدل الذي لا وكس فيه ولا شطط على أحد من الناس، وذلك رفعا للضرر عن جمهور الأمة. 

وللعلماء في حكم التسعير عدة آراء منها:

1- القول بالمنع مطلقاً، وإلى هذا ذهب بعض الشافعية والحنابلة ورواية عن الإمام مالك.

2- القول بجواز التسعير عند إغلاء التجَّار الأسعار، وإليه ذهب الحنفية ورواية أخرى عن مالك، وفيما يلي بيان هذه الآراء بشيء من التفصيل وأدلة أصحاب كل مذهب ومناقشتها.

الرأي الأول: عدم جواز التسعير مطلقاً، وقد اعتمد أصحاب هذا الرأي على أدلةٍ، بعضها من الكتاب والسنة.

أولا: دليلهم من الكتاب:

قول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا] النساء: ٢٩

ووجه الدلالة من هذه الآية أنها تفيد إطلاق الحرية للبائع، والتسعير حجرٌ عليه وإلزام له بصفة معينة في البيع؛ إذ قد لا يكون راضياً به فيكون كالأكل بالباطل الذي نهت الآية الكريمة عنه.

المناقشة: نوقش هذا الدليل بأن التسعير لا يخالف هذه الآية الكريمة؛ لأن التسعير ما هو إلا إلزام للتجَّار ببيع السلعة بسعر المثل الذي يراعى عند تحديده مصلحة البائع والمشتري، وعلى هذا فلا يكون فيه أكل لأموال الناس بالباطل، بل على العكس من ذلك نجد أن ترك الحرية المطلقة للتجار ليبيعوا بأزيد من القيمة الحقيقية للسلعة، مستغلين في ذلك حاجة الناس لها، هو بعينه أكل أموال الناس بالباطل. 

والتسعير العادل الذي أذنت فيه الشريعة ليس فيه أكل المشتري مال التاجر بغير حق؛ لأن السعر يراعى فيه القيمة الحقيقية للسلعة مع إضافة كسب معقول للتاجر. 

ويعدُّ إجبار التاجر على البيع في هذه الحالة إكراهاً بحق، ويكون من جنس إكراه المدين على بيع ماله لوفاء دينه. فإن قيل: وما وجه الحق في إجبار البائع على البيع بسعر محدد؟ قلنا: إن إرخاء الأسعار للمسلمين عامة ومنع الإجحاف بهم واستغلالهم من أهم الحقوق.

ثانيا: دليلهم من السنة:

1 - ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يا رسول الله لو سعرت؟ فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دمٍ ولا مالٍ " (1). 

2 - ما روي عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود قال:" جاء رجل فقال: يا رسول الله سعِّر. فقال: " بل أدعو الله ". ثم جاء رجل آخر فقال: يا رسول الله سعِّر. فقال: " بل الله يخفض ويرفع " (2). ووجه الدلالة من هذين الحديثين: أنهما يدلان على تحريم التسعير، ويتضح ذلك من وجهين: أولهما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم امتنع عن التسعير مع أن الصحابة طلبوا منه ذلك، وتكرر الطلب منهم ومع ذلك لم يسعر، فلو كان التسعير جائزاً لأجابهم إلى طلبهم، وعلى هذا يكون التسعير غير جائز. صلى الله عليه وآله وسلم 

ثانيهما: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علَّل امتناعه عن التسعير بأنه ظلم، والظلم حرام؛ وعلى هذا يكون التسعير حراماً.

المناقشة: نوقش هذان الدليلان بأنهما لا يدلان على تحريم التسعير مطلقاً؛ لأن امتناع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن التسعير محمول على حالة خاصَّة، وهي أن التجَّار في ذلك الوقت كانوا أهل تقوى وصلاح، وكانوا يبيعون بأسعار مناسبة، والغلاء في ذلك الوقت لم يكن يرجع إلى جشع التجار، وإنما كان ناتجاً عن قلة السلع المعروضة وكثرة الطلب عليها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عن التسعير صراحة فلم يقل: لا يجوز التسعير أو التسعير حرام أو نحواً من ذلك، ولكن كل ما جاء في الحديثين أنه لم يسعِّر لأنه لم تكن هناك حاجة إليه. 

وعلى هذا فليس في الحديثين ما يدلُّ على عدم جواز التسعير في حالة جشع التجَّار وتجاوزهم الحدَّ المعقول بالبيع بأكثر من قيمة المثل. 

وفي الردِّ على من استدل بهذين الحديثين قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" ومن منع التسعير مطلقاً محتجَّاً بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" إن الله هو المسعر القابض الباسط (3)".الحديث، فقد غلط فإن هذه قضية معينة وليست لفظاً عاماً، وليس فيها أن أحداً امتنع من بيعٍ يجب عليه أو عملٍ يجب عليه، أو طلب في ذلك أكثر من عوض المثل. ومعلوم أن الشيء إذا قلَّ رغب الناس في المزايدة فيه. فإذا كان صاحبه قد بذله كما جرت به العادة ولكن الناس تزايدوا فيه فهنا لا يسعر عليهم ..." (4). وردَّ الإمام ابن القيم رحمه الله على من استدل بهذين الحديثين في منع التسعير، بمثل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية.

الخلاصة: إن الرأي القائل بمنع التسعير رأيٌ مرجوحٌ، لأنه أمكن مناقشة ما استدل به أصحابه من أدلةٍ، وتفنيد ما أوردوه من حججٍ. 

وعليه يظهر أنه ليس في الإسلام ما يمنع من التسعير، طالما روعي فيه مصلحة جميع الأطراف من بائعين ومشترين" (5). ووجه الاستدلال من الحديث، أن الشارع لم يعط المالك الحق بأخذ زيادة على القيمة حيث أوجب إخراج الشيء من ملكه بعوض المثل لمصلحة تكميل العتق، فكيف إذا كانت حاجة الناس إلى تملك الطعام والشراب واللباس وغيره؟ فهذا الذي أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تقويم الجميع بقيمة المثل إنما هو التسعير في الحقيقة، وحاجة المسلمين إلى الطعام والشراب واللباس وغير ذلك من مصلحة عامَّة ليس الحق فيها لواحدٍ بعينه، وتقدير الثمن فيها بثمن المثل على من وجب عليه البيع، أولى من تقديره لتكميل الحرية الذي وجب على الشريك المعتق، فلو لم يقدر فيها الثمن لتضرر بطلب الشريك الآخر ما شاء؛ فإن عموم الناس بحاجة لشراء الطعام واللباس، فلو أعطي أرباب السلع الحرية في البيع بما يشاءون لكان ما يلحق الناس من الضرر أعظم وأفحش.

ثانيا: إن القول بالتسعير عند تجاوز التجَّار ثمن المثل في البيع يحقق مصلحة الأمة بإرخاء الأسعار للناس وحمايتهم من جشع التجَّار واستغلالهم.

ثالثا: إن القول بالتسعير فيه سدٌّ للذرائع، ومن الثابت أن سدَّ الذرائع من الأدلة المعتبرة في الفقه الإسلاميِّ، وأصل من أصوله المعتمدة. وسدُّ الذرائع هو المنع من بعض المباحات لإفضائها مفسدة، ومن المسلَّم به أن ما يؤدي إلى الحرام يكون حراماً، فترك الحرية للناس في البيع والشراء بأيِّ ثمن دون تسعيرٍ هو أمر مباح في الأصل، ولكنه قد يؤدي إلى الاستغلال والجشع والتحكُّم في ضروريات الناس، فيقضي هذا الأصل الشرعي بسدِّ هذا الباب بتقييد التعامل بأسعار محدَّدة.

فإن قيل: إن التسعير فيه تقييد لحرية التجَّار في البيع، وهذا ضرر بهم والضرر منهيٌّ عنه شرعاً. نقول: إن الضرر الحاصل من منع التسعير أعظم بكثير من الضرر الناتج من إجبار التجَّار على البيع بسعر، ولا شك أن الضرر الأكبر يدفع بالضرر الأصغر. وهكذا يتضح من كلام العلماء الذين أجازوا التسعير أنهم لم يجيزوه لذاته، بل لأنه إجراءٌ وقائيٌّ لصدِّ ظلم الظالمين واحتكار المحتكرين.

الخلاصة: إن القول بالتسعير وإلزام التجار بالبيع بثمن المثل عند تجاوزهم الأسعار - التي تحقق لهم ربحاً معقولاً - وظهور بوادر الجشع والاستغلال، لهو الرأي المختار الذي يجب العمل به والمصير إليه، وذلك لقوة أدلته وسلامتها من الردِّ، ولما فيه من تحقيق مصالح الأمة ودفع الضرر عن الناس.

الحالات التي يجب فيها التسعير: لا يتحتَّم التسعير في كل الأوقات والأحوال، وإنما يتعين الأخذ به في حالات معينة تتحقَّق فيها حكمة إيجابه وتحصل منها نتيجة تشريعه. وسبب تحديد هذه الحالات التي يجب الأخذ فيها بسياسة التسعير أن الضرورة تقدَّر بقدرها، والتسعير كقيدٍ يوضع على حرية التعامل إنما يأتي للضرورة ودفعاً للحرج، ومن ثم يجب أن يكون بقدر الضرورة التي تستوجبه.

وأهم الحالات التي يجب فيها التسعير عند القائلين به هي:

1 - عند حاجة الناس إلى السلعة.

2 - في حالة الاحتكار.

3 - في حالة حصر البيع في أناس مخصوصين.

4 - في حالة تواطؤ البائعين وتآمرهم على المشترين أو العكس.

الإستعانة بأهل الخبرة في التسعير: حتى يتمكن وليُّ الأمر من تحديد سعر مناسب لا يكون فيه ظلم لأحد الطرفين - البائع والمشتري - لا بدَّ أن يستعين في ذلك بأهل السوق من التجَّار، وبأهل الخبرة في هذا الشأن كرجال الاقتصاد. فليس لوليِّ الأمر أن يفرض على التجَّار سعراً لا يرضونه، كأن يأمرهم بالبيع بأقل مما اشتروا به أو بمثله، وكذلك ليس من حقه أن يعطي التجار أرباحاً هائلة على حساب المشترين، بل عليه أن يجمع التجار ويعرف مقدار ما يشترون به، ويستعين بأهل الخبرة في تقدير الربح المناسب للتجار والمشترين. وكلُّ سعر يحدَّد جزافاً بدون مناقشة أصحاب السلعة للوقوف على كيفية شرائها وتكاليف نقلها إلى غير ذلك، يؤدي إلى تنفير البائعين من التجارة وإشعارهم بالظلم، والإسلام دين عدل ومساواة لا يهضم حقَّ أحدٍ ولا يرضى بأن يُهضَم حقُّ أحدٍ.

مراقبة الأسعار: إن التسعير كضرورة تقتضيها المصلحة العامة، لا يحقِّق الهدف المنشود منه، وهو رعاية مصالح الناس ومنع الاستغلال والاحتكار، إلا إذا صاحبه مراقبة دقيقة من قِبَل وليِّ الأمر لمنع التجَّار من التلاعب بالأسعار. فمهمة وليِّ الأمر لا تقف عند تحديد الأسعار، بل تتعدَّاه إلى مراقبة الأسعار وتفقُّد الأسواق بصفةٍ دائمةٍ حتى يطمئن إلى أن البيع والشراء يتم وفقاً لما حدَّده لهم. والذي يمثل وليَّ الأمر في القيام بمهمة مراقبة الأسواق، إنما هو المحتسب المختصُّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا شك أن مخالفة التسعير والغلو في الأسعار من المنكرات التي يناط بالمحتسب إنكارها والنهي عنها والعقاب عليها. ورقابة الأسعار والإشراف على الأسواق من أهم واجبات المحتسب، فهو ينظر في مراعاة أحكام الشرع. ويشرف على نظام السوق، ويكشف على الموازين والمكاييل منعاً للغشِّ والتطفيف. 

ومما لا شك فيه أن النفوس البشرية مجبولةٌ على الطمع والجشع في كل زمان ومكان، فإذا تُرِك لها الزمام دون رقابة أو تفتيش لم تقِم وزناً للأنظمة والقوانين.

عقوبة مخالفة التسعير: لما كان وليُّ الأمر معنياً برعاية مصالح الناس والنظر فيما تستقيم به شؤون حياتهم من تحديد أسعار ومراقبة الأسواق، وكان عليه أيضاً تقرير عقوبةٍ رادعةٍ للمخالف الذي لا يمتثل للأوامر؛ وهي هنا عقوبةٌ تعزيريةٌ؛ وأنواع العقوبات التعزيرية كثيرة أهمها: الزجر والجلد والنفي والحبس والعزل والتشهير والعقوبة بالمال؛ فلوليِّ الأمر أن يختار من هذه العقوبات ما يراه ملائماً لردع مخالف التسعير؛ لأن الناس يتفاوتون فمنهم من يكفي لردعه الزجر والتوبيخ، ومنهم من لا يردعه إلا الحبس والجلد، كما أن اختلاف الزمان له تأثير في اختلاف العقوبة، فما كان رادعاً في الزمن الماضي قد لا يكفي لردع الناس في زمننا الحاضر.

وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه:" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا "(6). وكان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب بالدرة من رآه يأتي منكراً مما يستوجب التعزير. ولهذا قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" إن عقوبات التعزير تختلف مقاديرها وصفاتها بحسب كبر الذنوب وصغرها، وبحسب حال المذنب في قلته وكثرته ". وقال ابن القيم رحمه الله:" يتغير التعزير بحسب اقتضاء المصلحة زماناً أو مكاناً أو حالاً، ويختلف تقدير العقوبة فيه حسب خطر الجريمة وتأصلها في نفس المجرم ". والعبرة بصفة عامة في التعزير، بكل ما فيه من إيلام الإنسان من قول أو فعل. ومن رحمة الله تعالى بعباده أن وكِلَ تقدير عقوبة التعزير عموماً إلى الحاكم ليراعي ظروف مرتكب الجريمة وزمانه، لهذا تجد أن الشريعة الإسلامية فيها من السعة والعموم والشمول والمرونة ما يسمح بتطبيقها في كل زمان ومكان، ويكفي أنها شريعة من عند الله الرحمن الرحيم الذي يعلم السرَّ وأخفى.

الخاتمة: من خلال بحثنا لموضوع التسعير واستعراض آراء الفقهاء وما استندوا إليه من أدلة على النحو السابق يتضح لنا: أنه يتعين القول بالتسعير إذا توافر شرطان، أحدهما: ألا يكون سبب الغلاء هو كثرة الطلب وقلة المعروض من السلع، والثاني: أن تكون حاجة الناس للسلعة عامَّة. 

فكلما كانت مصالح الناس ومنفعتهم العامَّة في التسعير تعيَّن اتخاذه، وهذا أمر نسبيٌّ يختلف باختلاف الزمان والمكان، ويتسع تطبيقه ويضيق بحسب قوة الوازع الديني في النفوس، ومدى متانة الأخلاق في المجتمع. فإذا اندفعت حاجة الناس وقامت مصلحتهم بدون التسعير، فلا داعي له لما فيه من تقييد لحرية التعامل الذي هو من المبادئ الأساسية في الشريعة الإسلامية. 

أما إذا كانت حاجة الناس لا تندفع إلا بالتسعير ولا تتحقَّق مصلحتهم إلا به، كان واجباً على الحاكم أن يسعر عليهم تسعير عدل لا وكس فيه ولا شطط، والله وحده أعلم وأحكم.

=====

رواه الخمسة إلا النسائيُّ وصحَّحه الترمذيُّ.

2 سنن أبو داود البيوع (3450)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 337).

3 سنن الترمذي البيوع (1314)، سنن أبو داود البيوع (3451)، سنن ابن ماجه التجارات (2200)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 286)، سنن الدارمي البيوع (2545).

4 مجموع الفتاوى، (28/ 95). 

5 صحيح البخاري العتق (2522)، صحيح مسلم الأيمان (1501)، سنن الترمذي الأحكام (1346)، سنن النسائي البيوع (4699)، سنن أبو داود العتق (3940)، سنن ابن ماجه الأحكام (2528).

6 صحيح مسلم الإيمان (102)، سنن الترمذي البيوع (1315)، سنن ابن ماجه التجارات (2224)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 242).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين