الجوائح في الإسلام (24) طاعون مصر

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) صدق الله العظيم.

فشا الطاعون في مصر سنة (822هـ/1419م) فبدأ بالقاهرة ثم امتد إلى الشرقية فالغربية ليعم مصر كلها فيما بعد ليصل إلى ذروة التفشي في ربيع الأول. وكان يكثر في الأطفال. وعم الوباء بلاد الفرنجة. وتبع ذلك وقوع زلزلة في التاسع عشر من ربيع الأول بمدينة أرزكان. 

وهلك بسببها خلق كثير. وتهدمت مباني كثيرة في القسطنطينية، وهدمت قيسارية بناها ابن عثمان في برصا وما حولها، وهلك بسبب ذلك ناس لا يحصون.

وفي يوم الخميس الثامن من شهر ربيع الآخر فشا الطاعون وكثر موت الفجأة حتى ذعر الناس. وبلغ عدد من يرد إلى الديوان من موتى الأطفال خاصة في صفر إلى سلخ ربيع الآخر نحو أربعة آلاف طفل، ومن جميع الناس سوى الأطفال قدر بأربعة آلاف نفس، وأكثر ما انتهى إلى ثمانمائة في الديوان، ويقال جاوزوا الألف والمئين. 

طاعون مصر

في شعبان من سنة (823هـ/1420م) تحرك الطاعون في الفسطاط دون القاهرة، وبالإسكندرية وبالصعيد، ثم تحرك بالقاهرة قليلاً، ليرتفع فيما بعد وكان الصيف قليل الحر.

طاعون حلب

في سنة (825هـ/1422م) غلت الأسعار في مدينة حلب، ثم أعقب هذا الغلاء تفشي الطاعون في المدينة، فمات بشر لا يحصى، ويقال إنه مات في هذا الطاعون أكثر من سبعين ألفاً، وخلت حلب من الناس تقريباً.

طاعون الشام

وقع طاعون في الشام سنة (826هـ/1422م)، حتى قيل أنه كان من مات في هذا الطاعون في أيام يسيرة يزيد على خمسين ألفاً، ووقع الطاعون بدمياط أيضاً، فمات عدد كثير من الرقيق والأطفال.

وباء مكة

في أوائل سنة (827هـ/1423م) وقع بمكة وباء عظيم، بحيث كان يموت في كل يوم أربعون نفساً. وحصر من مات في ربيع الأول ألفاً وسبعمائة نفس. ويقال إن إمام المقام لم يصل معه في تلك الأيام إلا اثنين، وبقية الأئمة توقفوا لعدم وجود من يصلي معهم.

الغلاء والطاعون في بلاد الشام

في سنة (833هـ/1429م) كانت الأقوات قد ارتفعت أسعارها بحلب ودمشق، وحل الطاعون زيادة في المصيبة في مدينة دمشق وحمص.

الطاعون الكبير يحل في أرض مصر

تفشى الطاعون بشكل فظيع في بلاد مصر كافة سنة (833هـ/1429م) واشتهر الطاعون في الوجه البحري، فيقال أنه مات بالمحلة خمسة آلاف نفس، وبالبحرارية تسعة آلاف، ومات في الإسكندرية في كل يوم مئة وخمسون، إلى غير ذلك، وقد سبق وفشا الطاعون في قبرص وغيرها من بلاد الروم، حتى بلغ عدد من يموت في اليوم زيادة على الألف على ما قيل. 

فلما استهل شهر ربيع الآخر كان عدد من يموت في القاهرة نحو اثنتي عشرة نفس وفي آخره قاربوا الخمسين. وفي أول يوم من جمادى الأولى بلغوا المئة. ثم كثر الموت أضعاف ما كان، فقد بلغ في اليوم ثلاثمائة بالقاهرة خاصة، سوى من لا يرد الديوان. 

ووجد في النيل والبرك كثير من الأسماك والتماسيح موتى طافية على سطح الماء، وكذا وجد في البرية عدد من الظباء والذئاب. ثم بلغ الموت في سلخ جمادى الأولى ألفاً وثمانمائة، وفي رابع جمادى الأولى بلغ مجموع الموتى في القاهرة في اليوم ألف ومئتي نفس، ووقع الموت في مماليك السلطان حتى زاد في اليوم على خمسين نفساً منهم، وانتهى عدد من صلي عليه في اليوم خمسمائة وخمسين نفساً. وضبطت جميع المصليات في يوم فبلغت ألفي نفس ومئتين وستاً وأربعين نفساً، ووقع الموت في السودان بالقرافة إلى أن مات منهم نحو ثلاثة آلاف، وعز وجود حمالين للموتى، وكذلك الغسالين ومن يحفر القبور، حتى عملوا الحفائر الكبيرة، وكانوا يلقون فيها الأموات، وسرق كثير من الأكفان، ونبشت الكلاب كثيراً من القبور وأكلت أطراف الأموات، ووصل في الكثرة حتى شاهدت النفوس من مصلى المؤمني إلى باب القرافة كأنها الرخم البيض تحوم على القتلى، وأما الشوارع فكانت فيها كالقطارات يتلو بعضها بعضاً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين