هل يجوز شرعا أن نسوق لذواتنا؟

كثر التداول في العقود الأخيرة لمصطلح ومفهوم ومهارة اسمها "تسويق الذات"، وهو مصطلح تنموي وباب من أبواب علوم التسويق الحديثة.

وقد أصبح المسلم في عالم الإعلام والإعلان والتسويق والعلاقات العامة الذي نعيشه اليوم _ في الحق والباطل _ تجاه هذا المصطلح مرتبكا مشوشا، ليفضي من خلاله إما إلى إسراف وعجب وغرور مهلك، أو إلى وسوسة إيمانية وورع في غير محله، فيكثر اللبس في تسويق المسلم لنفسه في الإفصاح عن امتلاك علم أو تخصص أو خبرة او ترشح في انتخاب، وغير ذلك مما قد يحتاج اليه من تسويق للذات.

الأصل في قدرات ومواهب المسلم أن تكون معروفة لمن حوله، لكونها بادية عليه في فكره وسلوكه وأدائه، فيشهد له الباقون دون تسويق أو ترويج أو استعراض، وأن يترفع عن ذكر مناقب نفسه وإنجازاتها، فانما عملها لله وليس للناس، والأصل في ذلك إخفائها وكتمانها.

لكن الحياة لا تمضي دائما على هذه الحال، فقد تكون أجمل الدرر مدفونة في أعماق التراب، وتكون الشمس محجوبة في عنان السماء عن الناظرين بسبب السحاب. 

نستطيع القول: إن الأحكام التكليفية الخمسة تسري على مسألة تسويق الذات، ويحدد ذلك أمور ثلاثة:

الحاجة، والكفاءة، والنية الصالحة.

_ فإذا كانت هناك حاجة لتسويق الذات في أمر مباح، كإتقان حرفة أو مهنة أو تخصص، وكان المسوق ذا كفاءة فيها، وذا نية حسنة لنيل رزق حلال، كان تسويق الذات هنا (مباحا) ومخيرا فيه، إن شاء فعله وإن شاء تركه.

_ وإذا كانت هناك حاجة، ووجدت منه الكفاءة والنية الحسنة في أمر يغلب على ظنه أنه سينفع فيه، ويعم خيره منه، فسيكون تسويق الذات هنا (مندوبا) ومطلوبا طلبا مؤكدا، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الأحزاب: من يأتينا بخبر القوم؟ " , فقال الزبير: أنا , ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من يأتينا بخبر القوم؟ " , فقال الزبير: أنا , ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من يأتينا بخبر القوم؟ " , فقال الزبير: أنا , فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " إن لكل نبي حواري وإن حواريي الزبير بن العوام ".

_ وإذا كانت هناك حاجة، ووجدت الكفاءة والنية الحسنة لفعل الخير في أمر لا يكفيه فيه غيره فيه، كان تسويق الذات هنا (واجبا) ومطلوبا طلبا لازما لأنه قد تعين عليه، كما قال يوسف الصديق للملك: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم"، وكطبيب يسوق خبرته في أمر لا يعرف الناس عنه بشأنها شيئا، ويقل أو ينعدم الماهرون فيها سواه.

_ وإذا وجدت الحاجة، لكن وجد الشك في الكفاءة أو النية الحسنة، كان تسويق الذات هنا (مكروها) ومنهيا عنه نهيا غير لازم، كما رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب الإمارة من أبي ذر رضي الله عنه لعدم كفاءته فيها، أو كان ثمة خوف على النفس من انجرار نحو عجب أو كبر أو غرور محتمل. 

_ وإذا وجدت الحاجة، وأيقن بعدم وجود كفاءة أو نية حسنة، كان تسويق الذات هنا (محرما) ومنهيا عنه نهيا لازما، كمن يسوق ذاته في أمر لا يتقنه ولا يعرفه، أو تكون له نية عجب وغرور وتعال على الآخرين، كمن يطلب الأمارة لجاه أو تسلط. 

وتحقيق مناط ذلك في الواقع عائد في كثير منه إلى فقه المسلم بوجود الحاجة وحقيقة كفاءته ونيته، فإن تعذر فقد تعين عليه عندها سؤال أهل الذكر والعلم والفقه ليتم التأكد من وجود الحاجة والكفاءة وعلامات النية الصالحة. 

والله تعالى أعلم.

رزقنا الله وإياكم الإخلاص والفقه في الدين...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين