التحية

قالوا: ما التحية؟

قلت: هي دعوة خفيفة مختصرة بالحياة أو البقاء أو السلامة أو كلمة خير عند التلاقي.

قالوا: مالك قيدتها بالاختصار؟ 

قلت: الإنسان يخرج من بيته لحاجته ويلقى في طريقه إليها أشخاصا آخرين فيحييهم ويحيونه مارا بهم ومارين به، من دون أن توقفهم التحية أو تؤخرهم عن وجهتهم التي يقصدونها، ولو كانت التحية كلمات طويلات لاحتاجوا إلى الوقوف لأدائها وانتظار سماع ردها، وللحقهم بذلك حرج وضرر كبير، والتحيات الخفيفة المختصرة هي المتبعة لدى جميع الشعوب والأمم وفي عامة الثقافات والحضارات.

قالوا: ما أفضل كلمات التحية في الإسلام؟

قلت: هي أربع منصوص عليها في آيات كثيرة متعاضدة عليها الأحاديث والآثار، وهي: 1- سلام، 2- وسلاما، 3- وسلام عليكم، 4- والسلام عليكم، ويسن للمسلم أن يبدأ بإحدى هذه الكلمات حين يلقى أخاه، ويجب على الآخر الرد حقا عليه.

قالوا: ما لك ملحا على هذا الكلمات الخفيفة المختصرة؟ 

قلت: لأنها كلمات جامعة وافية بالغرض في بلاغة من دون تقصير ولا تثقيل، وهي التي أمر الله بها عباده وعلَّمهم إياها، وهي التي خاطب الله بها عباده، وأثبتها في كتابه على ألسنة الملائكة والأنبياء وأهل الجنة، وجرى عليها الصحابة والتابعون وسائر الصالحين بعدهم، وقد يباح تكثير الكلمات أو يستحب.

قالوا: ذكّرنا بالسلام الذي أمر الله عباده به وعلَّمهم إياه تعليما. 

قلت: قال تعالى: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم" (سورة الأنعام 6)، و"فاصفح عنهم وقل سلام" (سورة الزخرف 89)، وأخرج الشيخان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث خلق آدم عليه السلام: "فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال: فذهب، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، قال: فزادوه: ورحمة الله".

قالوا: لماذا زاد الملائكة: "ورحمة الله"؟ قلت: سأعود إلى بيانها، وغرضي هنا تقرير أن التحية التي علَّمها الله آدم عليه السلام هي "السلام عليكم".

قالوا: أخبرنا بسلام الله على عباده. 

قلت: قال تعالى في ذكر يحيى عليه السلام: "وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" (سورة مريم 15)، و"وسلام على عباده الذين اصطفى" (سورة النمل 59)، و"سلام على نوح في العالمين" (سورة الصافات 79)، و"سلام على إبراهيم" (سورة الصافات 109)، و"سلام على موسى وهارون" (سورة الصافات 120)، و"سلام على إلياسين" (سورة الصافات 130)، و"وسلام على المرسلين" (سورة الصافات 181)، و"سلام قولا من رب رحيم" (سور يس 58).

قالوا: أخبرنا بسلام الملائكة.

قلت: "ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالشرى قالوا سلاما" (سورة هود 69)، و"إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما" (سورة الحجر 52)، و"إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما" (سورة الذاريات 25)، و"الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم" (سورة النحل الآية 32)، و"والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم" (سورة الرعد 23-24)، "وقال لهم خزنتها سلام عليكم" (سورة الزمر الآية 73).

قالوا: أخبرنا بسلام أهل الجنة.

قلت: قال تعالى: "وتحيتهم فيها سلام" (سورة يونس 10)، و"تحيتهم فيها سلام" (سورة إبراهيم 23)، و"تحيتهم يوم يلقونه سلام" (سورة الأحزاب 44)، وسلام رجال الأعراف: "ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم" (سورة الأعراف 46)، و"يلقَّون فيها تحية وسلاما" (سورة الفرقان 75)، و"فسلام لك من أصحاب اليمين" (سورة الواقعة 91)، و"لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما" (سورة مريم 62)، و"إلا قيلا سلاما سلاما" (سورة الواقعة 26).

قالوا: أخبرنا بسلام الأنبياء عليهم السلام وسائر الصالحين.

قلت: ذكر الله رد إبراهيم عليه السلام على الملائكة "قال سلام" (سورة هود 69، وسورة الذاريات 25)، وقال عيسى عليه السلام: "والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا" (سورة مريم 33)، وقال تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم" (سورة القصص 55)، وأخرج الشيخان عن ابن عباس في حديث موسى والخضر عليهما السلام "فسلم موسى فقال الخضر وأنى بأرضك السلام".

قالوا: ألم يقل الله تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" (سورة النساء 86)؟ 

قلت: بلى، قال: بأحسن منها، ولم يقل: بأكثر منها. ومعناه: الكيف والقوة، لا الكم والتكثير، فلما جاءت الملائكة إبراهيم عليه السلام قالوا: سلاما، فقال إبراهيم: سلام، والرفع أقوى من النصب، قالوا: قد يكون للتكثير فضل؟ قلت: نعم، وسيأتي بيانه.

قالوا: وهنا من الناس من يصر على "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" عند التحية، 

قلت: أصحاب فضول وتطويل، يعرِّضون عباد الله للحرج والمشقة صارفين إياهم عن أشغالهم وحوائجهم، أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن عبد الله بن السندي، قال: جاء رجل إلى الثوري فقال: السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته، كيف أنت؟ وكيف حالك؟ فقال سفيان: عافانا الله وإياك، لسنا أصحاب تطويل.

قالوا فما الذي عنيت بقولك "وقد يباح تكثير الكلمات أو يستحب"؟ 

قلت: المسلمون إذا تلاقوا في الطريق أو إذا كانوا مقبلين على شؤونهم من العبادة والعلم والتجارة ندب الاقتصار على إحدى الكلمات الأربع التي ذكرتها، ولكن إذا زاروا الناس في منازلهم وهم مقبلون عليهم أبيح لهم التكثير المناسب غير الممل، كا فعل الملائكة حين ذهب آدم إليهم، فاقتصر آدم على الكلمة التي علَّمه الله إياها وتأدب مع الملائكة فلم يزدهم عليها، وأفضل الملائكة عليه إذ زارهم، فزادوه بكلمة أخرى متجنبين التطويل.

ويستحب التطويل في مجالس الذكر على مقتضى الحال، فإذا انتهيتم إلى مجلس من مجالس الذكر فزيدوا في الكلمات لأنها لا تؤدي إلى إحراج، فإنهم في الذكر وراغبون في الإكثار من الذكر، والسلام ذكر، وهذا الذي اتبعه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مجالس الذكر وأوقات فراغهم، وهو المراد في الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما من طريق جعفر بن سليمان عن عوف عن أبي رجاء عن عمران بن حصين، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثون. ووردت زيادة أخرى في بعض الأحاديث، منها ما أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما من طريق نافع بن يزيد قال أخبرني أبو مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، زاد: ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال أربعون قال هكذا تكون الفضائل.

قالوا: فما تقول في تبادل التحيات في مجموعات الواتساب وسائر وسائل الإعلام الاجتماعية، أتستحب كتابة السلام فيها؟ 

قلت: لا، هي ليست بمثابة اللقاء والزيارة، وإنما هي رسائل عامة، كما أني إذا كتبتُ مقالا أو كتابا لم يستحب أن أبدأه بالسلام، وإن كنتُ قد كتبت ذلك المقال أو الكتاب موجَّها إلى إخواني المسلمين.

قالوا: قد يخاطب الرجل في الواتساب أخا له أو صديقا معينا، أو إخوانا وأصدقاء معينين، 

قلت: إذا نوى ذلك استحب له السلام من دون تطويل وإملال، كالرسائل التي يتبادل بها الناس ويستحب فيها السلام. قالوا: فهل يجب على الآخرين رد السلام عليه؟ قلت: يجب الرد على ذلك المعين، وإذا كان السلام موجها إلى جمع، استغني برد الواحد منهم. قالوا: وهل تجب كتابة الرد؟ قلت: اعلموا أن السلام إذا ألقي إليك شفويا وجب عليك رده مشافهة، وإذا وجه إليك كتابة، كنت مخيرا بين أمرين، إما أن ترد نطقا أو كتابة، ويقبُح على البادئ بالسلام أن يلح عليك بالكتابة، لأن في ذلك إحراجا، فقد تكون أنت في شغل غير نشيط للكتابة.

قالوا: لخص لنا ما قلت. 

قلت: يسن لكم حين التلاقي أن تسلموا على إخوانكم وتوجزوا بادئين بالسلام أو رادين له، ويباح لكم التطويل المناسب وقد يستحب إذا تلاقيتم في مجالس الفراغ أو الذكر، ومن البدع المحدثة كتابة السلام على مجموعات الوسائل الاجتماعية، إلا إذا وجهتم رسالة خاصة إلى شخص أو أشخاص معينين، فحينئد يسن لكم السلام المختصر، ولكن لا تلحوا على إخوانكم أن يردوا عليكم كتابة. واعلموا أن مراعاة أوقات الجلساء واحترامهم من سنن الهدى، وإياكم إياكم أن تؤذوا إخوانكم المؤمنين، وجعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، آمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين