رسالة المنبر

المحاور:

- يتبنى الكثيرون مشروعات متنوعة الغايات في هذه الحياة، على ضوء اهتماماتهم وميولاتهم ومعتقداتهم التي يؤمنون بها.

- ثمة مشروعات مادية يسعى أصحابها من ورائها إلى تحقيق الشهرة والثراء والنفوذ، ومشروعات معنوية أو فكرية أو وجدانية، يسعى أصحابها من خلالها إلى الانتصار لأفكار آمنوا بها وترسيخها في الحياة، ولو كلفهم ذلك ضياع الشهرة وخسارة الثراء والنفوذ.

- تختلف المشروعات في حجمها وعمقها؛ بين مشروعات حضارية كبرى تضرب بجذورها الآفاق، تعبر الجغرافيا والتاريخ، وتترك بصمة وأثراً .. ومشروعات صغرى تحاكي تلك الأكشاك التجارية التي يطلب أصحابها من ورائها كفاف العيش. 

- حقق الأنبياء والمرسلون والمصلحون عبر التاريخ دور أصحاب المشروعات العقائدية الوجدانية الفكرية؛ ذلك أنهم آمنوا بما كلفهم الله تعالى به من رسالة، وحملوها لمن حولهم، وضحوا بالغالي والنفيس في سبيل ترسيخها في الحياة.

- أصحاب المشروع ليسوا أصحاب دكاكين خاصة مسجلة بأسمائهم يورثونها لأبنائهم .. تعيش بحياتهم وتموت بوفاتهم .. بل هي ممتدة تبدأ حين ينفخ رب العزة فيها الروح بعد أن يبني المؤسسون لها هياكلها .. ولا تنتهي إلا بقدر من الله حين يأذن بقيام غيرها على إثرها. 

- أصحاب المشروع لا يخافون من تبعات مشوارهم الطويل لأن عليهم البدايات وعلى الله تمام الخواتيم. 

- يوهم البعض أنفسهم بأنهم أصحاب مشروع ممتد وكبير، لكنك تكتشف من لحن قولهم وفلتات سلوكهم ضحالة ما يتبنون من مسارات أو مواقف دون وجود أي ناظم بينها، ولا أصلٍ ثابت أو فرع في السماء يشهد لها .. فترى بعينك أو تسمع بأذنك كيف أن آخر كلامهم ينقض أوله أو العكس.

- أصحاب المشروعات الكبرى تجمعهم صفات وتصدر عنهم أفعال وردود أفعال وممارسات؛ تميزهم عمن سواهم، ومن تلك الصفات والممارسات:

- عيونهم لا تخطئ الغايات والأهداف السامية التي آمنوا بها، وتعاهدوا على تحقيقها ولو بعد حين.

- أرجلهم وأيديهم تعمل دون توقف، وتمضي في خطى ثابتة .. مرة يسرعون ومرة يبطئون .. لكنهم لا يتوقفون.

- يتفاعلون مع الأحداث والأخبار العاجلة بشكل إيجابي، فلا يذهبون معها بعيداً عن مشروعهم وخطتهم المرحلية والاستراتيجية، ولا يهملون شأنها وكأنها لم تحصل.

- لا يسمحون لاختلاف الآراء أن يصنع خلافاً أو شرخاً فيما بينهم .. أو بينهم وبين من يتقاطعون معهم في الغايات النبيلة، وإن سلكوا طريقاً مختلفاً.

- يرقبون الفرص السانحة .. ويشتبكون اشتباكاً إيجابياً مع التحديات الجاثمة .. فلا تشغلهم معالجة التحديات عن متابعة الفرص، لأن ثمة فرص تحرق لنا المراحل وتقرب لنا المسافات، لكنها تحتاج إلى عيون مفتوحة لا إلى نفوس مأزومة.

- يتمسكون بالقيم النبيلة حتى في الظروف الصعبة، ولا يبررون الإساءة لمن أساء إليهم، وهذا نوع تهذيب لأنفسهم، وتأديب لمن يرعوي من خصومهم.

- مجالسهم مرغوبة، وتصريحاتهم مرتقبة، ورسالتهم حاضرة، فهم مع العلماء علماء، ومع البسطاء بسطاء.

- لا يَكلون ولا يملون ولا يُحبطون ولا يكتئبون ولا ييأسون؛ لأن عقولهم تستحضر الماضي القريب وكيف تحول الحرج إلى فرج، والعسر إلى يسر، بلمحة بصر "وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ" (القمر: 50) .. وقلوبهم متعلقة بقدرة القدير وحكمة الحكيم سبحانه "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (يس: 82).

- لا يجادلون ولا يناكفون ولا يشاكسون، لكنهم في الوقت ذاته يثبتون بالمنطق الجميل وبالعمل والقدوة والسعي الدؤوب صحة وسلامة ما به يؤمنون.

- لا تخدعهم المظاهر "فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ" (التوبة: ٥٥)، ولا تغرهم شدة الباطل ومكره وسيطرته "لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ" (آل عمران: 196).

- يدركون معاني وآفاق بشريتهم؛ فهم بشرٌ يجتهدون، فيخطئون ويصيبون، وهم أسرع الناس إنابة عند الخطأ والخطيئة، وأكثر الناس شكراً للخالق سبحانه ولمن تعاون معهم من الناس ودعمهم عند الإصابة.

- يجرون مراجعات مستمرة على برامجهم وهياكل عملهم وخطواتهم ومساراتهم .. ولديهم من المرونة الكافية لتغيير المتغيرات على ضوء المستجدات .. مثلما أن لديهم من الشجاعة الكافية لتثبيت الثوابت مهما عصفت بها الرياح العاتيات.

- يستشعرون الأخطار ويتوقعون الاستهداف .. ويمنعون الاستنزاف، لأن لديهم من خطط الطوارئ ما به يعوضون عن النقص في الرصيد بالربح الجديد.

- يستثمرون الطاقات ولا يهدرونها .. سواء أكانت طاقات الكبار والشباب أو الرجال والنساء أو النخب باعتبار أن "الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة" متفق عليه .. أو حتى طاقات الضعفاء باعتبار "إنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم" رواه أحمد وهو صحيح.

- يقومون بدور "أم الولد" في كل مؤسسة وبلد .. فتراهم يضحون بأنفسهم وخصوصياتهم لتسلم المؤسسة ويُحفظ البلد.

- يتحركون بروح الجماعة؛ فلا يعتدُّون بآرائهم الفردية مهما بلغوا من الفطنة والذكاء .."وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ" (الأنفال: 62) .. "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3).

- لا تغرهم الانتصارات الوهمية أو محدودة الفاعلية سواء أكانت انتصارات سياسية أو غيرها .. ويسعون لتحقيق ما هو أكبر منها .. ولا يتركون الحذر حتى في أفضل أوقاتهم ونشوة انتصاراتهم.

- لا يعتمدون مبدأ الدفاع عن مبادئهم ومكتسباتهم فحسب؛ بل يرون في الهجوم (على المعتدين) أحياناً خير وسيلة للدفاع .. وما قطعُ طريق تجارة قريش قبيل غزوة بدر إلا نوع هجوم أثبت هيبة تلك العصابة المهاجرة في وقت مبكر.

باختصار

أصحاب المشروع كبار .. 

والكبار قلوبهم كبيرة؛ تتسع لكل صالح، ولا تضيق بأي مصلح .. 

عقولهم كبيرة؛ تستوعب القائم والقادم، وترى الأمور من زوايا عديدة للوصول إلى أفكار وحلول وآفاق إبداعية متجددة فريدة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين