المسائل التي خالف فيها صلى الله عليه وسلم أمر الجاهلية في الحج

 

في حجة الوداع:أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ

في فتح مكة: ألا إنَّ كلَّ مَأْثُرةٍ كانت في الجاهليةِ تُذكَرُ وتُدعى من دمٍ أو مالٍ تحتَ قدَمَيَّ

وهذه هي المسائل التي خالف فيها المشركين على وجه التفصيل:

*-التلبية:

أبطل صلى الله عليه وسلم التلبية الشركية التي كانت شعار أهل الجاهلية؛ وأبدلها بتلبية التوحيد الخالص لله تعالى؛ وأهلَّ صلى الله عليه وسلم بالتوحيد: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ.

فخالف أهل الشرك في تلبيتهم، كما روى ابن عباس رضي الله عنهم:

عن ابن عباس رضي الله عنهما: كانَ المُشْرِكُونَ يقولونَ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ، قالَ: فيَقولُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَيْلَكُمْ، قدْ قَدْ(1) فيَقولونَ: إلّا شَرِيكًا هو لَكَ، تَمْلِكُهُ وَما مَلَكَ يقولونَ هذا وَهُمْ يَطُوفُونَ بالبَيْتِ. (2)

*- أن لايحج بعد العام مشرك، وأن لايطوف بالبيت عريان:

عن أبي هريرة رضي الله عنه: بعثني أبو بكرٍ في تلك الحجةِ في مؤذنينَ بعثهم يومَ النحرِ يؤذنون بمنًى: ألا لا يحجُّ بعدَ العامِ مشركٌ ولا يطوفُ بالبيتِ عريانٌ، ثم أردف رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعليِّ بنِ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه فأمره أن يُؤذِّنَ ببراءةَ، فأذَّن عليٌّ معَنا يومَ النحرِ في أهلِ منًى ألّا يَحُجَّ بعدَ العامِ مشركٌ ولا يطوفَ بالبيتِ عريانٌ. 

وفي لفظ آخر: وأذِّنْ في الناسِ يومَ النحرِ إذا اجتمعوا بمنًى أنه لا يحجُّ بعدَ العامِ مشركٌ ولا يطوفُ بالبيتِ عريانٌ، ومَن كان له عندَ رسولِ اللهِ عهدٌ فهو له إلى مُدَّتِه، فخرج على ناقةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى أدركَ أبا بكرٍ، فقال له أبو بكرٍ حينَ رآه: أميرٌ أم مأمورٌ؟ فقال: بل مأمورٌ، ثم مضى. (3)

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه: كانَتِ العَرَبُ تَطُوفُ بالبَيْتِ عُراةً، إلّا الحُمْسَ، والْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَما وَلَدَتْ، كانُوا يَطُوفُونَ عُراةً، إلّا أَنْ تُعْطِيَهُمُ الحُمْسُ ثِيابًا، فيُعْطِي الرِّجالُ الرِّجالَ، والنِّساءُ النِّساءَ....الحديث. (4)

والحمس قريش وما ولدت، سموا بذلك لما شددوا على أنفسهم، وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لحما، ولا يضربون وبرا ولا شعرا، وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم، وكان الناس غيرهم يطوفون بالبيت عراة إلا أن يعطيهم أحد من قريش ثيابا، فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك

*- أبطل الاقتران في الطواف:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ - أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ-، فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: قُدْهُ بِيَدِهِ.(5)

فأبطل أمرا كانت العرب تفعله في الجاهلية ويسمونه الاقتران. وكان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل. .

*-أبطل تحريم أداء العمرة في أشهر الحج:

وفي العمرة كان المشركون يحرمون العمرة في أشهر الحج، والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع مرات كلهن في ذي القعدة وهو من أشهر الحج.

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: كانُوا يَرَوْنَ أنَّ العُمْرَةَ في أشْهُرِ الحَجِّ مِن أفْجَرِ الفُجُورِ في الأرْضِ، ويَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا، ويقولونَ: إذا بَرا الدَّبَرْ، وعَفا الأثَرْ، وانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحابُهُ صَبِيحَةَ رابِعَةٍ مُهِلِّينَ بالحَجِّ فأمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوها عُمْرَةً، فَتَعاظَمَ ذلكَ عِنْدَهُمْ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ الحِلِّ؟ قالَ: حِلٌّ كُلُّهُ. (6)

بل في حجته عليه الصلاة والسلام أمر الناس أن يحولوا نسكهم إلى عمرة، ثم يحرمون بالحج بعد ذلك، وكانوا يعتبرون هذا من أفجر الفجور؛ كما تقدم قبل قليل في رواية ابن عباس. فاستعطموا ذلك، ثم كيف يحلون ويتمتعون بما يتمتع به المحل، بل كيف يَرُوحُ أحَدُنا إلى مِنًى، وذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا ؟

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحابُهُ صُبْحَ رابِعَةٍ مِن ذِي الحِجَّةِ مُهِلِّينَ بالحَجِّ، لا يَخْلِطُهُمْ شيءٌ، فَلَمّا قَدِمْنا أمَرَنا، فَجَعَلْناها عُمْرَةً وأَنْ نَحِلَّ إلى نِسائِنا، فَفَشَتْ في ذلكَ القالَةُ قالَ عَطاءٌ: فَقالَ جابِرٌ: فَيَرُوحُ أحَدُنا إلى مِنًى، وذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا، فَقالَ جابِرٌ بكَفِّهِ، فَبَلَغَ ذلكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقامَ خَطِيبًا، فَقالَ: بَلَغَنِي أنَّ أقْوامًا يقولونَ كَذا وكَذا، واللَّهِ لَأَنا أبَرُّ وأَتْقى لِلَّهِ منهمْ، ولو أنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِن أمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ ما أهْدَيْتُ، ولَوْلا أنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ فَقامَ سُراقَةُ بنُ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هي لَنا أوْ لِلْأَبَدِ؟ فَقالَ: لا، بَلْ لِلْأَبَدِ قالَ: وجاءَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ فَقالَ أحَدُهُما: يقولُ لَبَّيْكَ بما أهَلَّ به رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وقالَ: وقالَ الآخَرُ: لَبَّيْكَ بحَجَّةِ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُقِيمَ على إحْرامِهِ، وأَشْرَكَهُ في الهَدْيِ. (7)

*- كانوا يُـحَـرِّمُونَ العمرة في ذي الحجة

حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما يقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أعمر عائشة رضي الله عنها إلا ليقطع أمر الشرك:

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الحَجِّ ؟ فَقَالَ لَهَا : اذْهَبِي ، وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ ، فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ.(8) 

وفي هذا مخالفة لأمر الجاهلية، فكانوا يحرمون العمرة في ذي الحجة، حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما يقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم ماأعمر عائشة رضي الله عنه إلا ليقطع أمر الشرك، فقال: والله ما أعمر رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عائشةررضي الله عنها في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك. (9)

عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ : وَاللَّهِ مَا أُعْمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْتَطِعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَمِنْ دَانَ دِينَهُمْ ، كَانُوا يَقُولُونَ : إِذَا عَفَا الْوَبَرُ وَبَرَأَ الدَّبَرُ ، وَدَخَلَ صَفَرُ ، فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ ، وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ ، فَمَا أُعْمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ إِلَّا لِيَنْقُضَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ. (10)

*-خالف قريشاً فوقف بعرفات:

عندما وصل صلى الله عليه وسلم مزدلفة، ظنت قريش أنه سيقف عندها، ولايغادرها كما كانوا يفعلون في الجاهلية، إذ كانت العرب تقف بعرفات، وقريش وأهل الحرم يقفون بالمزدلفة، ويقولون: لانغادر الحرم، وسبب فعلهم هذا: أن الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم، ويقولون: نحن أهل الله لا نخرج من الحرم، وكان سائر الناس يقف بعرفة، فخالف صلى الله عليه وسلم فعل الجاهلية: 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ ، وَكَانَ سَائِرُ العَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ }(11).(12)

ولتمسكهم بالوقوف في مزدلفة بلغ العجب ببعض أهل مكة مبلغه حين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة:

عن جبير بن مطعم(13):أضلَلْتُ بعيرًا لي فذهَبْتُ أطلُبُه بعرفةَ فرأَيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعرفةَ واقفًا مع النّاسِ فقُلْتُ: واللهِ إنَّ هذا لِمَن الحُمْسِ فما شأنُه واقفًا ها هنا. (14)

*-وخالفهم عليه الصلاة والسلام في النفرة من عرفة، فكانوا ينفرون قبل الغروب.

*- وخالفهم في الدفع من مزدلفة 

وفي الدفع من مزدلفة؛

إذ كانوا ينفرون من عرفة قبل الغروب،

ويدفعون من مزدلفة بعد الشروق.

فنفر النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بعد الغروب، ودفع من مزدلفة قبيل الشروق؛ كما روى المسور ابن مخرمة رضي الله عنه فقال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب الشمس حين تكون الشمس على رؤوس الجبال مثلَ عمائم الرجال على رؤوسها، فهدينا مخالف لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها فهدينا مخالف لهديهم) (15)

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه صَلّى بجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وقَفَ فَقالَ: إنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا لا يُفِيضُونَ حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ويقولونَ: أشْرِقْ ثَبِيرُ، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خالَفَهُمْ ثُمَّ أفاضَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.(16).

*-ومن مخالفته أمر الجاهلية أنه كان ينزل في الأماكن التي حاربوا فيها الله ورسوله فيقيم فيها، وينزل فيها، ويعلن فيها التوحيد.

لما وصل مكة، وأدى نسك العمرة، قبل عرفات، سار - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المهاجرين والأنصار، وترك موطن أهله وراءه، موطن بني هاشم، ودورهم ورباعهم، متأولا قول الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا وجاهَدُوا بأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ في سَبيلِ اللَّهِ، والذينَ آوَوْا ونَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}(17).

*-نزل في المكان الذي كانت قريش تعذب فيه المسلمين المستضعفين، في بطحاء مكة، ولله درك يابلال كيف تلبي وأنت في هذا المكان.

ماأحلى صوتك وأنت تردد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك. فكأنما تسمع صدى صوتك الذي حفظته الجبال والبطاح والرمال: أحد أحد.

*- نزل قريباً من المكان الذي تجمعت فيه قوى البغي في خيف بني كنانة، في المحصب، وهو الأبطح، وخيف بني كنانة، ولذا عندما سأله أسامة رضي الله عنه أين تنزل يارسول الله قال: نَحْنُ نازِلُونَ غَدًا بخَيْفِ بَنِي كِنانَةَ المُحَصَّبِ، حَيْثُ قاسَمَتْ قُرَيْشٌ على الكُفْرِ، وذلكَ أنَّ بَنِي كِنانَةَ حالَفَتْ قُرَيْشًا على بَنِي هاشِمٍ، أنْ لا يُبايِعُوهُمْ، ولا يُؤْوُوهُمْ. (18)

وفيه _أي في خيف بني كنانة تقاسموا على الكفر- اتفقوا هناك على الحصار، والتجويع، وحرب الله ورسوله، ومكروا، وأعدوا، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فجاءتهم الأمة بكاملها؛ آنئذ، سيد البشر، ومعه خير جيل عرفته الدنيا، وهم يرددون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك.

وقد نزل به صلى الله عليه وسلم قبل عرفات، وبعدها.

*- ومن ذلك وقوفه على الصفا، وتكراره الدعاء بالتوحيد، وإعلان هزيمة أهل الشرك:

إذ أنه عندما جمع قريشا إبان صدعه بدعوته، وصعد الصفا، وقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال: أبو لهب:تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟! وبعد سنوات من هذه الحادثة يصعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا في حجته حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير،لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده). (19)

*- في خطبة حجة الوداع:

أعلنها صلى الله عليه وسلم واضحة صريحة: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ:

في حديث جابر رضي الله عنه: فخطب صلى الله عليه وسلم الناس، فقال: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ. (20)

*وكان قد قال مثل ذلك في خطبة الفتح:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خطَبَ يومَ الفتحِ بمكةَ، فكبَّرَ ثلاثًا، ثم قال: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه، صدَقَ وعدَه، ونصَرَ عبدَه، وهزَمَ الأحزابَ وحدَه، ألا إنَّ كلَّ مَأْثُرةٍ كانت في الجاهليةِ تُذكَرُ وتُدعى من دمٍ أو مالٍ تحتَ قدَمَيَّ، إلّا ما كان من سِقايةِ الحاجِّ وسِدانةِ البيتِ.(21)

*-فأعاد الحج على أصوله التي أذن بها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام؛ 

عمرو بن عبد الله بن صفوان عن يزيد بن شيبان قال:أتانا ابنُ مِربَعٍ الأنصاريُّ ونحنُ بعَرَفةَ في مَكانٍ يباعِدُه عمرٌو عنِ الإمامِ فقالَ أما إنِّي رسولُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إليكم يقولُ لَكم قِفوا على مشاعِرِكُم فإنَّكم على إرثٍ من إرثِ أبيكُم إبراهيمَ. (22)

=======-

( ) كانَ المُشركونَ يَقولونَ في الطَّوافِ حولَ الكَعبةِ: «لبَّيكَ لا شَريكَ لكَ»، فيَبدَؤونَ التَّلبيةَ بالتَّوحيدِ، ولأنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم يَعلَم ما كانوا يَزيدونَه بعدَ ذلكَ، فكانَ إذا لَبُّوا بالتَّوحيدِ قال لَهم: وَيلَكم، أي: لَكمُ الوَيلُ والهَلاكُ بِما تَزيدونَ في التَّلبيةِ، «قدْ قدْ»، رُوِيَ بإِسكانِ الدّالِ وكَسرِها معَ التَّنوينِ، أيِ: اكتَفوا بقَولكُم بالتَّوحيدِ واقتَصروا عليهِ وَلا تَزيدُوا ما بَعدَها مِن قَولِكم:«إلّا شَريكًا هوَ لكَ. تَملِكُه وَما مَلكَ».

وقَولُهم: «إلّا شريكًا هوَ لكَ تَملِكُه وَما مَلكَ»، يَحتمِلُ مَعنيَيْنِ: الأَوَّلُ: أنتَ تَملِكُه وهوَ لا يَملكُ، والثّاني: أنتَ تَملِكُه وَما في مُلكِه. النووي شرح مسلم

(2) مسلم ١١٨٥.

(3) أخرجه البخاري (٤٦٥٥، ومسلم (١٣٤٧) باختلاف يسير

(4) مسلم ١٢١٩.

(5) البخاري، في الحج، باب الكلام في الطواف .

(6) البخاري، ١٥٦٤، مسلم، ١٢٤٠.

(7) البخاري، ٢٥٠٥. 

(8) البخاري، باب إرداف المرأة خلف أخيها.

(9) أبو داود ١٩٨٧. وسيرد تخريجه بعد قليل مفصلا.

(10) ابن حبان، واللفظ له، 3836، ورواه البخاري مختصرا، باب أيام الجاهلية، 3655، ومسلم، 2265. وأبو داود 1987.

(11) البقرة:199.

(12) مسلم ١٢١٩.

(13) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي. شيخ قريش في زمانه، أبو محمد ، ويقال : أبو عدي القرشي النوفلي ، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم، من الطلقاء الذين حسن إسلامهم. سير أعلام النبلاء.

(14) صحيح ابن حبان ٣٨٤٩

(15) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين

(16) البخاري ١٦٨٤

(17) الأنفال: 72.

(18) تقدم تخريجه.

(19) مسلم.

(20) تقدم تخريجه وهو حديث طويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم 

(21) سنن أبي داود ٤٥٤٩

(22) سنن أبي داود (١٩١٩)

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين