أين القرآن في حياتك أيّها الإنسان؟!

عناصر المادة

1- نزول القرآن في رمضان 2- حال السّلف مع القرآن وتأثّرهم به 3- هو شرفنا وعزّنا ولكنّا عنه معرضون 4- كتاب الله عز وجل خير علاجٍ

مقدمة:

القرآنُ الكريم كلامُ اللهِ المعجزِ، مادَّةُ الإسلامِ وأساسُ الحياةِ والنِّظام، فهو دستورُ الخالقِ لإصلاحِ الخلقِ، وقانونُ السّماءِ لهداية الأرضِ، حكمَ اللهُ فيهِ كلَّ تشريعٍ، وأودعَ فيه كلّ سعادةٍ، إنّه يعمرُ القلوبَ يقيناً، ويملأ النّفوسَ اطمئناناً، يصونُ الأرضَ ومن عليها من الغشِّ والحقدِ والشّرِّ والظّلمِ، وسيظلُّ نورُ القرآنِ ساطعٌ بإذنِ اللهِ حتّى يبلغِ الكتابُ أجلهُ، فقد قال الله عز وجل: {إنا نحن نزلنا}.

وَإِنَّ كِتَـــابَ اللهِ أَوْثَـــــقُ شَــافِــــعٍ=وَأَغْنَـــى غَنَــاءٍ وَاهِبــاً مُتَفَضِّــلَا

وَخَيْـــرُ جَلِيــسٍ لاَ يُمَـــلُّ حَدِيثُــــهُ=وَتَــرْدَادُهُ يَـــزْدَادُ فِيـــهِ تَجَمُّــــلاً

وَحَيْـثُ الْفَتى يَرْتَاعُ فِي ظُلُمَاتِــــهِ=مِــنَ اْلقَبـرِ يَلْقَاهُ سَــناً مُتَهَـــلِّلاً

هُنَالِكَ يَهْنِيــــهِ مَقِيــــلاً وَرَوْضَــــةً=وَمِنْ أَجْلِهِ فِي ذِرْوَةِ الْعِـزِّ يُجْتُلَى

يُنَاشِـــدُ في إرْضَائِـــــهِ لحبِيِبِـــــهِ=وَأَجْــدِرْ بِـهِ سُــؤْلاً إلَيْهِ مُوَصَّـــلَا

أُولُو الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ وَالتُّقَى=حُلاَهُمُ بِهَا جَاءَ الْقُرَانُ مُفَصَّــــلَا

عَلَيْكَ بِهَا مَا عِشْتَ فِيهَا مُنَافِسـاً=وَبِعْ نَفْسَكَ الدُّنْيَا بِأَنْفَاسِهَا الْعُـلَا

1- نزول القرآن في رمضان

ممّا لا يخفى عليكم أنَّ شهر رمضان هو شهر القرآن، هذا الكتاب العظيم الّذي لا يسأم السّامع من سماع آياته، ولا تملّ الألسن من تلاوتهِ، ولا يستطيع العلماء أن يحيطوا بمعانيهِ، بل وتقف المخلوقات كلّها عاجزةً عن أن تأتي بمثله، فقد قال الله تعالى: {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا} [البقرة:23]. 

فلقد أكرمكم الله تعالى بهذه الأيّام العظيمة، أيّام شهر رمضان المبارك، هذه الأيّام الّتي اختصّها الله تعالى بجملةٍ من الميّزات والبركات والنّفحات، وإنّ من أعظم هذه الخصائص: أنّ الله تعالى أنزل كلّ كتبه السّماويّة فيه، فقد أخرج الإمام أحمد بسندٍ صحيحٍ من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ). [ 1 ]

ولذا فإنّ الحبيب صلى الله عليه وسلم كان له مع شهر القرآن حالاً غير باقي الشّهورِ والأيّامِ، فكان يتدارس القرآن مع جبريل عليه السّلام كلّ سنةٍ في شهر رمضان، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ". [ 2 ]

وكما اجتمع الصّوم والقرآن في شهر رمضان، فإنّهما يجتمعان يوم القيامة لطلب الشّفاعة للعبد الصّائم القائم، فيشفع له الصّيام لصيامه، ويشفع له القرآن لقيامه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ). [ 3 ]

2- حال السّلف مع القرآن وتأثّرهم به

لقد فهم السّلف الصّالح كتاب الله تعالى فقدروه حقّ قدره، وعظّموه ووقّروه، واتّبعوا هديه واتّخذوه دليلاً ومرشداً، فكان نوراً أضاء لهم طريقهم، وشعاراً رفرف فوق حياتهم، حتّى بلغوا ذروة النّجاح، وجلسوا في مكان الصّدارة رائدين، وانقادت لهم ملوك الأرض وشعوبها، وتحطّمت على أيديهم عروشُ البغي والطّغيان؛ الّتي أقامتها أكاسرة الفرس وقياصرة الرّوم.

لقد كان النّاس قبل نزول القرآن في جهالةٍ جهلاء، وضلالةٍ عمياء، وظلماتٍ بعضها فوق بعض، يعبدون الأصنام والأهواء، وينقادون للباطل، فجاء القرآن فمحق كلّ باطلٍ، وحطّم كلّ صنمٍ، وأرشد النّاس إلى ما يصلحهم في دينهم ودنياهم، وتمّم مكارم الأخلاق.

وتعالوا لنسلّط الأضواء على بعض النّماذج من الصّحابة ومن بعدهم، لنرى كيف كانت بيوتهم عامرةً بالقرآن، وخاصّةً في شهر رمضان.

فهذا الإمام مالك بن أنسٍ رحمه الله، الّذي لا تنقطع دروسه المتنوّعة في مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ما بين قراءة الحديث، والعلم الشّرعيّ، فكان يوقفها في رمضان.

قال ابن عبد الحكم: "كان مالك إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف". [ 4 ]

وكان سفيان الثّوريّ إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن. [ 5 ]

وكان للشّافعيّ في رمضان ستّون ختمةً يقرؤها في غير الصّلاة، وعن أبي حنيفة نحوه. [ 6 ]

وأمّا عن تأثّرهم بكلام الله جلّ وعلا فحدّث عن ذلك ولا حرج، فلقد كانوا يتأثّرون بسماع كلام الملك جل جلاله تأثّراً عجيباً، فقد قال عبد الله بن عروة بن الزّبير: قلت لجدّتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ فقالت: "تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ وَتَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ كَمَا نَعَتَهُمُ اللهُ". [ 7 ]

ولقد روى عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، قال: سمعت عبد الله بن حنظلة يوماً، وهو على فراشه، وعدته من علّته، فتلا رجلٌ عنده هذه الآية: {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}، فبكى، حتّى ظننت أنّه نفسه ستخرج، وقال: "صاروا بين أطباق النّار"، ثمّ قام على رجليه، فقال قائلٌ: يا أبا عبد الرحمن اقعد، قال: "منعني القعود ذكر جهنم، ولا أدري لعلّي أحدهم". [ 8 ]

وهذا بكر بن أبي عيّاش يروي لنا فيقول: "صلّيت خلف فضيل بن عياض صلاة المغرب وإلى جانبي عليٌّ ابنه، فقرأ الفضيل {ألهاكم التكاثر} فلمّا بلغ {لترون الجحيم} سقط مغشيّاً عليه، وبقي الفضيل لا يقدر يجاوز الآية، ثمّ صلّى بنا صلاة خائف، قال: ثمّ راقبتُ عليّاً فما أفاق إلّا في نصف الليل". [ 9 ]

ورضي الله عن فاروق الأمّة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كيف كانت أحواله مع كتاب الله، عن جعفر بن زيد العَبديّ قال: خَرَج عمرُ يَعُسُّ المدينةَ ذاتَ ليلةً، فمَرَّ بدار رجلٍ من المسلمين، فوافَقَه قائمًا يصلِّي، فوَقَف، فسَمِعَ قراءتَه يقرأ: {وَالطُّورِ} حتى بَلَغ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ}، فقال: "قَسَمٌ وربِّ الكعبة حقٌّ"، فنَزَل عن حماره، واستَنَدَ إلى حائط، فلَبِثَ مليًّا، ثمّ رجع إلى منزله، فلَبِثَ شهرًا يَعودُهُ النّاسُ، لا يَدرون ما مَرَضُهُ رضي الله عنه. [ 10 ]

فهذا غيض من فيض من أحوال الصّحابة ومن بعدهم مع كتاب الله تعالى وتأثّرهم به.

3- هو شرفنا وعزّنا ولكنّا عنه معرضون

لم يُتوَّجِ الإنسانُ في الأرض بتاجٍ من قبل الله عز وجل أجلَّ ولا أعظمَ من هذا الخطاب، الّذي أهّل الله بني آدم له، ولم يكن لذلك من قبل أهلاً، وحسبكم ما تقرؤونه في كتاب الله عز وجل من الآيات الّتي توضّح عظم هذه المنّة، وتوضّح أهمّيّة هذه الصّلة الّتي انعقدت بين الإنسان وربّه، من خلال هذا الخطاب الّذي تنزّل إليه من علياء ربوبيّته، ومن ثمَّ فقد أمر الله تعالى الإنسان أن يكون على مستوى هذا الشَّرف، وأمره بأن يرقى إلى مستوى هذه النِّعمة العظيمة فيكون شاكراً لها، وأولّ معاني الشّكر لهذه النِّعمة أن يتعرَّف الإنسان على كتاب الله تعالى، فيتلوه ثمّ يتدبّره ثمّ يعمل به، ولذا خاطب الله تعالى رسوله محمّداً صلى الله عليه وسلم بما خاطب به عباده أجمع فقال: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف: 27].

ولكن كيف كان موقف الإنسان تجاه هذا الشّرف الّذي توّج الله به الإنسان؟ هل كان شكوراً لهذه النّعمة الّتي نبّهنا إليها كتاب الله تعالى؟ يجيب ربّنا سبحانه فيقول: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص: 67-68].

إنّ هذا الكلام الّذي يقوله الله عز وجل، وهو يحمل في طيّه العتب الشّديد والرّقيق، فيما يبدو أنّه ينحطّ أوّل ما ينحطّ علينا نحن المسلمين في هذا العصر، على الرّغم من هذا التَّنويه الذي أشرنا إلى بعضٍ منه في كتاب الله عز وجل في بيان أهميّة الإقبال عليه، وعلى الرّغم من تنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعوته المتكرّرة إلى الاحتفاء بخطاب الله جل وعلا لنا وحديثه عن الأجر العظيم الّذي يدّخره الله لمن يتلوه، ننظر إلى جُلَّ المسلمين في هذا العصر فإذا هم عن هذا الكتاب معرضون، وما أكثر الأحاديث الّتي تحثنُّا على تلاوة كتاب الله، سواءً فرادى أو مجتمعين، منها:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ). [ 11 ]

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ). [ 12 ]

على الرّغم من هذا كلّه، فإنّنا ننظر إلى واقع المسلمين اليوم فنجدهم معرضين عن كتاب الله، إعراض استخفافٍ واستهانةٍ، أو إعراض نسيانٍ، اللهمّ إلا فئةً قليلةً تلتفت إلى كتاب الله وتُعنى به بشكلٍ ما، ويستأنسون به بين الحين والآخر، وأما السّواد الأعظم في هذا العصر من المسلمين فإنّهم عنه معرضون، في الوقت الّذي يرون فيه أنّهم يسيرون على طريق الهداية والرّشد، وفي الوقت الّذي يتحدّثون فيه عن مشكلاتٍ اجتماعيةٍ ونفسيّةٍ مختلفةٍ، ويزفرون ويتأفّفون بحثاً عن علاجاتٍ لها.

4- كتاب الله عز وجل خير علاجٍ

إنّ كتاب الله خير علاجٍ، تلاوةً وتدبّراً وتطبيقاً وتنفيذاً لمضامينه وأحكامه، على هذه المستويات الثّلاثة تلاوةً وتدبرّاً وعملاً، ومع ذلك فإنّ النّاس معرضون عن هذا الدّواء النّاجع، بل ربّما يلتمس العلاج في نظريّةٍ فلسفيّةٍ تتعب الألباب، وتزجّهم في حيرةٍ من الأمر، هذا حال البعض منّا، والبعض الآخر صلته بالقرآن ضعيفةٌ تقتصر على آياتٍ يسمعها في جلسة عزاءٍ حضرها، أو مناسبةٍ ما افتتحت بتلاوةِ بعض آيات القرآن العظيم، فتسبّب هذا الإعراض بظلمةٍ في قلوبهم وعقولهم وحياتهم، لأنّهم أعرضوا عن مصدر النّور الّذي أرسله الله لنا، حيث قال سبحانه: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة: 15]. 

فالقرآن الكريم شفاءٌ للصّدور، وفيه للأعمى تبصرةٌ ونور، فقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: {وننزل من القرآن} قال: "إِنَّهُ: {شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: يُذْهِبُ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ أَمْرَاضٍ، مِنْ شَكٍّ وَنِفَاقٍ، وَشِرْكٍ وَزَيْغٍ وَمَيْلٍ، فَالْقُرْآنُ يَشْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ أَيْضًا رَحْمَةٌ يَحْصُلُ فِيهَا الْإِيمَانُ وَالْحِكْمَةُ وَطَلَبُ الْخَيْرِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ شِفَاءً فِي حَقِّهِ وَرَحْمَةً. وَأَمَّا الْكَافِرُ الظَّالِمُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، فَلَا يَزِيدُهُ سَمَاعُهُ الْقُرْآنَ إِلَّا بُعْدًا وَتَكْذِيبًا وَكُفْرًا". [ 13 ]

فيا عباد الله: القرآن شفاءٌ عامٌّ كما ذكرت الآية، ولكنّه شفاءٌ ودواءٌ للمؤمنين المتدبّرين لمعاني آيات الله، المهتدين بهدىً منه سبحانه، ومن جهةٍ أخرى فإنّ القرآن شفاءٌ للبدن أيضاً، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتداوى من أمراضه بالقرآن في كثيرٍ من أحيانه، عن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ". [ 14 ]

فالقرآن هو الشّفاء التّام من جميع الأدواء القلبيّة والبدنيّة، ولكن ما كلُّ أحدٍ يُؤهَّلُ ولا يُوفَقُ للاستشفاءِ به، وإذا أحسنَ العليلُ التّداوي به، ووضعه على دائه بصدقٍ وإيمانٍ وقبولٍ تامٍ، واعتقادٍ جازمٍ واستيفاءٍ لشروطه لم يقاومه الدّاء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام ربِّ الأرض والسَّماء؟! الّذي لو نزل على الجبال لصدّعها، فما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إلّا وفي القرآن سبيل الدَّلالة على دوائه، بل إنَّ القرآن شفاءٌ من العلل الاجتماعيّة الّتي تزعزع بناء الجماعات، وتذهب بسلامتها وأمنها وطمأنينتها.

وأخيراً: فلنعلم أنَّ كلّ ما يمرُّ بنا من أزماتٍ، وما يعترضنا من مشكلاتٍ، وما يصيبنا من ابتلاءاتٍ، فإنَّ الحلَّ الأمثل والمخرج منه التمسِّك بكتاب الله تعالى.

وهو مفتاح نصرنا وعزِّنا، فلنحرص عليه، ولنجعل من أنفسنا خدماً له، ولنجعل صلتنا بالله تعالى عن طريق نجواه لنا وخطابه إيَّانا، ينصرنا الله تعالى ويثبِّت أقدامنا.

1 - مسند الإمام أحمد: 16984

2 - صحيح البخاريّ: 3220

3 - مسند الإمام أحمد: 6626

4 - لطائف المعارف: 171

5 - لطائف المعارف: 171

6 - لطائف المعارف: 171

7 - شعب الإيمان: 1900

8 - التّخويف من النّار والتّعريف بحال دار البوار: 32

9 - لطائف المعارف: 171

10 - مسند الفاروق لابن كثير: 2/586

11 - سنن التّرمذيّ: 2910

12 - سنن أبي داوود: 1455

13 - تفسير ابن كثير: 5/112

14 - صحيح البخاريّ: 4439

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين