ذنوب لا يكفرها الصوم ولا القيام في رمضان

قال الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾

(الزور) هو الباطل. و(قول الزور): هو الكذب على الغير.

وقد قسم القاضي ابن العربي المالكي الكذبَ على أربعة أقسام:

- أحدها: وهو أشدها: الكذب على الله تعالى: قال الله تعالى: ﴿فمن أظلم ممن كذب على الله﴾.

- والثاني: الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: وهو هو، أو نحوه. [أي: هو مثل الكذب على الله تعالى].

- الثالث: الكذب على الناس، وهي شهادة الزور في إثبات ما ليس بثابت على أحد، أو إسقاط ما هو ثابت. [وللأسف هذا نراه في واقعنا كثيرا جتى صار كأنه هو الأصل والعياذ بالله].

- الرابع: الكذب للناس، قال ومن أشده الكذب في المعاملات، وهو أحد أركان الفساد الثلاثة فيها، وهي: الكذب والعيب والغش.

شهادة الزور من الكبائر:

وشهادة الزور من الكبائر، ففي حديث الصحيحين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام أنه قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)، قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: (الإشراك بالله عز وجل، وعقوق الوالدين)، قال: وكان متكئا فجلس فقال: (ألا وقول الزور)، أو (وشهادة الزور).. يكررها ثلاثا صلى الله عليه وسلم.

لذلك جاء في حديث الصحابي الجليل خُرَيْمِ بن فاتك، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى صلاة الصبح يوما، فلما انصرف قام قائما، فقال: (عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله، ثلاث مرات). ثم قرأ: ﴿فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به﴾.

والحركة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الاتكاء من جلوس، يفيد الاهتمام الكبير بأمر شهادة الزور، وأرجع الحافظ ابن حجر هذا الاهتمام إلى « كون قول الزور، وشهادة الزور أسهل وقوعًا على الناس، والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع. وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة، كالعدواة والحسد وغيرهما. فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه».

من هنا شدد العلماء في أمر شهادة الزور، حتى نقل ابن القاسم عن الإمام مالك أنه قال: لا تقبل شهادته أبدًا وإن تاب وحسنت توبته، اتباعًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

شهادة الزور لا يكفرها الصوم ولا قيام ليلة القدر:

 فإذا علمنا أن شهادة الزور من الكبائر، علمنا أنها مما لا يدخل فيما يغتفر بقيام رمضان وصيامه، فحديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه:

«والتكفير بصيامه قد ورد مشروطا بالتحفظ مما ينبغي أن يتحفظ منه، ففي المسند وصحيح ابن حبان، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان فعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ذلك ما قبله)».

قال رحمه الله تعالى: «والجمهور على أن ذلك إنما يكفر الصغائر، ويدل عليه ما خرَّجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)».

ثم بيَّن أن في تأويله قولين: «أحدهما: أن تكفير هذه الأعمال مشروط باجتناب الكبائر فمن لم يجتنب الكبائر لم تكفر له الأعمال كبيرة ولا صغيرة. والثاني: أن المراد أن هذه الفرائض تكفر الصغائر خاصة بكل حال وسواء اجتنبت الكبائر أو لم تجتنب وأنها لا تكفر الكبائر بحال».انتهى.

وعلى كلا التأويلين الزور لا يكفر لا بالصوم ولا بقيام ليلة القدر، لأنه من الكبائر التي تعلقت بها حقوق الآخرين، وهذه تحتاج إلى توبة نصوح يتحلل بها شاهد الزور ممن افترى عليه ..

فكم من صائم في أيامنا ليس له من صومه إلا الجوع والعطش والعياذ بالله تعالى.

فيا من احترفتم الكذب على الناس والافتراء عليهم، حاذروا على أنفسكم من غضب الله تعالى ومقته وعذابه، وارحموا أنفسكم فيما بقي من رمضان من غضب الله تعالى عليكم بالتوبة النصوح قبل أن يأتي يوم ﴿لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم﴾.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين