حب الرياسة 

"ما من أحد أحبَّ الرياسة إلا حسَد وبغى، وتتبَّع عيوب الناس، وكره أن يُذكر أحد بخير"

قاله الفضيل بن عياض ونقله ابن عبدالبر

*ونقل ابن أبي يعلى عن الخلال قال: وبلغني أن أحمد قال: قال سفيان: حب الرياسة أعجب إلى الرجل من الذهب والفضة، ومن أحب الرياسة طلب عيوب الناس أو عاب الناس أو نحو هذا.

سفيان لعله الثوري فقد أخرج أبوبكر المرُّوذي في "أخبار الشيوخ وأخلاقهم" ص186 رسالته إلى عباد بن عباد وفيها:

"إياك وحُبَّ الرياسة، فإن الرجل تكون الرئاسةُ أعجبَ إليه من الذهب والفضة، وهو بابٌ غامضٌ لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة، فتفقَّد نفسك".

ولغموض حب الرياسة وكمونه في أغوار النفس مغلفاً ومموهاً بما يُحسِّنه كان سماسرة العلماء وصيارفتهم يعدونها من أخطر الشهوة الخفية

وممن سماها بذلك: أبوداود صاحب السنن، أخرجه الخطيب.

قال ابن تيمية: "فهي خفيةٌ؛ تخفى على الناس وكثيرا ما تخفى على صاحبها"

مجموع الفتاوى 16: 347

نبه ابن تيمية إلى عموم الشهوة الخفية لجنس ما يخفى على الإنسان من أحوال نفسه لا يخص حب الرياسة، قال: "بل كذلك حب المال والصورة فإن الإنسان قد يحب ذلك ولا يدري"

وكلامه هذا يبين وجه ما وقع من تفسير الشهوة الخفية في حديث شداد بن أوس بشهوة الدنيا والنساء،فإن ذلك مما قد يخفى على صاحبه.

والتفسير المذكور في حديث شداد حاصله: أن يعرض الصائم عن صومه لينال شهوة عرضت له، فتلك الشهوة كانت كامنة فيه أثناء صومه لم يشعر بها حتى عرض له ما يحركها فانقهر لها.

وكذا يفعل حب الرياسة الكامن في النفس بمن يتوهم أو يُتوهَّم فيه: الصوم عنها إذا استشعر قدرته عليها وسلامته من شرها.

وأخطر ما في الشهوة الخفية: خفاؤها فإنها بذلك تسري في الإنسان وتدب فيه خفية حتى تغلب عليه وتقهره وتسيِّره وتمهد له سبيل الشر وتهونه عليه.

وموضوع الرياسة: خضوع الغير وانقيادهم لمراد صاحبها حساً ومعنى، وهذا يستلزم البغي والظلم غالباً، ولذا ذكر ابن تيمية أن حب الرياسة هو أصلهما.

وأخطر ما يبلغه خفاء شهوات النفس وآفاتها على صاحبها: أن يزكيها ويجادل عنها بالباطل؛ بينه وبين الناس، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين ربه، حتى ربما اتصل تمادي خفائها عليه إلى الدار الآخرة فيجادل ربه عن نفسه يوم القيامة وهو خالقها وأعلم بها منه؛ يقول المرائي بغرور:"فيك يارب"، فيُجَرُّ إلى جهنم.

وقد ذكر الله تعالى هذه الحال الردية في مواضع من كتابه كقوله:"ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام"

وقوله: "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين