زينب بنت الكمال ... المحدثة العذراء

زينب بنت الكمال ... المحدثة العذراء
[646-740 ﻫ = 1248-1339م]

 

المرأة ركن ركين في نهضة الأمم؛ فهي ليست رقمًا هامشيًّا، ولكنها رقم أصيل في معادلة النهضة، والأمة الإسلامية كانت على وعي تام بدور المرأة، وتعلم أن جناحي النهضة هما الرجل والمرأة، فلا تنهض الأمة بجناح واحد.
وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً       رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا( )
ورغم ذلك اتهم الإسلام أن المرأة غبنت في ظلاله وفي كنفه؛ لذلك نادوا بتحرير المرأة بالمعنى الغربي الذي يعني التحلل من ربقة الدين والأخلاق.
ومحاولة منا لوضع الأمور في نصابها نحاول تسليط الضوء على شخصيات نسائية ملأن الدنيا بالعلم، ونشرن نوره في الآفاق، ولن نختار شخصيات من صدر الإسلام، ولكننا سنختارها من العصور المتأخرة حتى يتأكد لنا أن تلك الأمة أمة ولادة، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ"( ).
الاسم والميلاد
وشخصيتنا هي مسندة الشام المرأة الصالحة العذراء أم عبد الله "زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسية المعروفة ببنت الكمال، ولدت سنة 646ﻫ"( ).
تنشئتها
وهبها والدها للعلم فلم تتعد العامين حتى "أحضرت في سنة 48 على حبيبة بنت أبي عمر"( )، وهذا معناه أنه لم تكد تفهم بنت الكمال الكلام وتعبر عما تريد حتى أرسلها إلى تلك المربية.
شيوخها
لم تترك زينب بنت الكمال شيخًا ولا عالمًا من علماء عصرها في أي مصر من الأمصار إلا وأتته طالبة ما عنده من علم حتى حصلت من العلم ما فاقت به الرجال والنساء على السواء، فقد روت عن محمد بن عبد الهادي، وخطيب مردا، وسبط ابن الجوزي، وإبراهيم بن خليل، وأبي الفهم اليلداني، وأحمد بن عبد الدائم... إلخ.
وقد أجاز لها إبراهيم بن محمود بن الخير وقد تفردت بإجازته( )، وأبو نصر بن العليق، وعجيبة الباقدارية وتفردت زينب بنت الكمال بإجازتها( )، وابن السيدي، وابن المنى النهرواني وزينب بنت الكمال آخر من روى عنه بالإجازة( )، وغيرهم من بغداد، وعبد الخالق النشتبري من ماردين، ويوسف بن خليل من حلب وهي آخر من روى عنه إجازة( )، وعيسى بن سلامة من حران، وسبط السلفي من الإسكندرية، والزكي المنذري من القاهرة، والرشيد بن مسلم من الشام، وأبو علي البكري، ويوسف بن عبد الرحمن وزينب بنت الكمال هي آخر من حدث عنه بالإجازة( )، ومحمد بن أحمد بن عبد الله اليونيني البعلي وقد كان خاتمة أصحابه بالسماع وبالإجازة زينب بنت الكمال( )، وآخرون( ).
تلامذتها
لقد تخرج على يد شيختنا الكثير والكثير ممن لمع نجمهم وصاروا أعلامًا تحط عندهم رحال طلبة العلم، ويأتي على رأس طلابها الإمام الذهبي المحدث صاحب كتب السير والتواريخ والرجال، وقد قال في "سير أعلام النبلاء" عند تأريخه لسنة ثلاث وخمسين وستمائة: "وفيها مات المحدث الفقيه كمال الدين أحمد بن عبد الرحيم والد شيخنا"( )، يقصد زينب بنت الكمال.
وكذلك تاج الدين السبكى الفقيه الأصولي صاحب "طبقات الشافعية"( ).
وهناك الكثير ممن ذكرتهم كتب التراجم كان منهم: المؤرخون والحفاظ والأدباء... إلخ( ).
تفرغها للعلم
لقد ملأ حب العلم على عالمتنا الجليلة حياتها فانشغلت به عن ملذات الدنيا، حتى إنها لم تتزوج قط، فكأن ملذتها الكبرى كانت في طلب العلم حتى إذا استوى عودها فيه عملت على نشره طول حياتها، واستعاضت عن أنس الزوج بأنس مطالعة الكتب وتحديث الناس، وعن نعمة الأولاد بنعمة كثرة التلاميذ الذين رأت فيهم العوض عن الأولاد الذين يتراكضون في الرحم( ).
تفردها في العلم والرحلة إليها
"قال الذهبي: تفردت بقدر وقر بعير من الأجزاء بالإجازة وكانت دينة خيرة روت الكثير وتزاحم عليها الطلبة وقرأوا عليها الكتب الكبار وكانت لطيفة الأخلاق طويلة الروح ربما سمعوا عليها أكثر النهار وهي آخر من روى في الدنيا عن سبط السلفي وجماعة بالإجازة"( ).
وقد صارت الرحلة إليها حيث يأتيها الطلاب من كل الأصقاع طلبًا لما عندها من الرواية( ).
أخلاقها
لقد تميزت بنت الكمال بصفات جعلت إقبال الطلاب عليها زائدًا؛ حيث "كانت لطيفة الأخلاق طويلة الروح ربما سمعوا عليها أكثر النهار"( ).
هذا إلى جانب أنها "كانت قانعة متعففة كريمة النفس طيبة الخلق"( ).
وفاتها
ماتت مسندة الشام أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية المرأة الصالحة العذراء فى تاسع عشر جمادى الأولى سنة 740 عن أربع وتسعين سنة، ونزل الناس بموتها درجة في شيء كثير من الحديث حمل بعير( ).
ولقد صدق فيها قول المتنبي:
وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا       لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ
وَما التَأنيثُ لاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ       وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ
وَأَفجَعُ مَن فَقَدنا مَن وَجَدنا       قُبَيلَ الفَقدِ مَفقودَ المِثالِ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين