المهدي غير المنتظر!

كان للمهدي الأسطورة حضوره في رمضان، وكان عنوانا لضلالات كثيفة تحت جنح المهدي المنتظر!

في بداية رمضان جسّد مسلسل العاصوف حكاية المهدي جهيمان العتيبي وعصابته التي استباحت الحرم في مطلع القرن الهجري..

وفي أوسطه أعلن حفيد مهدي السودان الصادق المهدي انحيازه للمجلس العسكري في خطوة كان يعتب على نسيبه الترابي حين فعلها قبله بثلاثة عقود وأعلن ندمه بعدها!

والحقيقة أن كسب الصادق الاجتماعي يعود لتمسح بتراث جده الأكبر محمد أحمد الذي ادعى قبل قرن بأنه المهدي المنتظر، وحارب الحكم العثماني والمصري آنذاك لتكريس سلطانه على أتباعه المتصوفة الذين يتسمّون بالأنصار! ولهذه الإطلاقات والاستخدامات الرائجة بين أتباع حزب الأمة السوداني جذورها الدينية من مجتمع الرسالة النبوي نسخ ولصق! مثل الخليفة الأول والخليفة الثاني والخليفة الثالث، والخضر والتكليف النبوي، وكلها إشارات لها وقع خاص في العوام!

مع المهدي أيضا كان المشهد المسرّب لاثنين من علوج الجيش العراقي بحسب تعبير الصحاف، يتحرشون جنسيا بطفل، وفي طرف الصورة محاولة اغتصاب لأمه، يوثقونهما صوتا وصورة والفاجران يرددان أثناء فجورهما وضلالهما نتنهم الطائفي أن لبيك يا مهدي! ترى أي هداية تكون في تحرّش واغتصاب؟! ألهذا الحدّ تضلّ الطائفية وتطيش بهم؟!

وآخر مشاهد المهدي غير المنتظر في رمضان كانت يوم أمس من معتوه في ساحة الحرم، يعلن مهديته الضالّة كما أعلنها أسلافه، وحوله بضع نسوة منقّبات يصرخن: احموا المهدي، احموا المهدي! قلت ممازحا لمن شاركني الصورة: كان الناس منذ قرون ينتظرون المهدي ليحميهم بإذن الله، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فإذا هو اليوم بحاجة لمن يحميه! "جيتك يا عبد المعين لتعين، لقيتك يا عبد المعين تعان!"

حكاية الأمة مع المهدي مثل حكاية الزيت التي لها بداية وليس لها نهاية!

وكلّما ادلهمّ ليل الظلم تمسّك بعض المنسحبين عن حراك التغيير الحقيقي، بأوهام تزيّن لهم قعودهم، وتدغدغ عواطفهم بمنامات ترقص في خيالاتهم، تبعدهم عن كوابيس واقعهم المرير، وما يتطلبه من جهد وجهاد واجتهاد!

أذكر قبل خمسة عشر سنة، وكنت أصفو مع نفسي في ليلة معتدلة في صحن المسجد الحرام إذ قطعني عن ذلك معتمر ليبي جلس إليّ يبشرني بقرب الفرج خلال يومين، وأنه تكلّف من بلاده عناء السفر لأنه طاف به طائف من ربه وهو نائم يخبره بوصول المهدي للكعبة خلال يومين، وكان يرجوني أن أنتظره معه لننال معا شرف صحبته ونصرته!

لست في وارد الخوص في أحاديث المهدي، ولا مقصود كلامي التشكيك فيها، فكم من باطل يتعلق ببعض حقّ، ويتمسّح به ويتاجر!

والحقيقة أنني أفهم من أخبار الآحاد التي وردت بخصوص المهدي فهما يتّسق مع المبشرات والحوافز الإيجابية النبوية لهذه الأمة كي تعمل بجدّ، لا لتنتظر وتقعد!

ملك صالح، يخرج من صلب هذه الأمة، ويجاهد بها ويجتهد، حتى يحدث بها أثرا وتغييرا يغيّر حالها حين تغيّر من نفسها، ويعلي فيها قيم العدل، وأي شيء أرقى مقاما من إمام عادل...

لم أقرأ في الخبر أي إشارات خوارقية، خلا مدد الله الذي لا ينضب لكل أوليائه على تعاقب الأزمان..

من اعتقد بهذا في سياقه ولم يقعد منتظرا مهديه اهتدى...

ومن لم ير ذلك عقيدة لأن العقائد في ميزانه لا تبنى على ظني عذرته..

أما من جعل المهدي عنوانا لحماقاته، ونكس قيم الإسلام الحضاري الفاعل المؤثر، ليحوّله إلى إسلام سكوني خامد خرافي، وسوّق لضلاله باسم المهدي فقد ضلّ ضلالا مبينا.

اللهم اهدنا فيمن هديت..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين