ونحن في أواخره...هل تغير شهر رمضان أم نحن تغيرنا؟!

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:

فضائل رمضان:

رمضان شهر الرحمة والغفران؛ لذلك فإن المؤمنين في هذا الشهر مدعوون ليكونوا ضيوف الرحمن يطهروا أنفسهم وقلوبهم ويحرروها من حب الدنيا والتعلق بها؛ ليكونوا لائقين لهذه الضيافة الكريمة...

رمضان شهر القرآن: قال تعالى: [شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان]

والصوم فضله كبير وثوابه عظيم، ففي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قال اللَّه عز وجل: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).

وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم:

• خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

• وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا

• ويزين الله عز وجل جنته كل يوم ثم يقول: يوشك عبادي الصائمون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك

• ويصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصوا إلى ما كان يخلصون إليه في غيره

• ويغفر لهم في آخر ليلة. قيل يا رسول الله: أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله.

ماذا يعني شهر رمضان المبارك؟ 

يرتبط رمضان في العديد من الدول الإسلامية بالعديد من الشعائر الدينية، مثل صلاة التراويح والاعتكاف في العشر الأخير من رمضان، وقيام ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في الليالي الوترية) فيحتمل أن تكون ليلة السابع والعشرين أو التاسع والعشرين، وقيام هذه الليلة سبب لمغفرة الذنوب، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

ورمضان تضاعف فيه الأعمال: روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) وفي رواية: (تعدل حجة معي) أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هل تغير رمضان أم نحن تغيرنا؟ 

بالتأكيد إن الزمان لم يتغير، وإن نفحات رمضان هي هي، ولكن نحن الذين تغيرنا، فالغاية من الصيام هي تحصيل التقوى كما ورد في الآية [لعلكم تتقون] ولكن همم الناس في تحصيل معاني التقوى مختلفة ومراتبهم في ذلك متفاوتة، فمنهم من جعله موسماً للازدياد من الطاعة والقربات، ومنهم من جعله موسماً لارتياد الأسواق ومتابعة المسلسلات...!

والقنوات الفضائية قد نذرت نفسها طوال العام لهذا الشهر، وأصبح رمضان وللأسف موسماً مهماً لعرض المسلسلات وبرامج المسابقات والجوائز...

وكذلك أصبحت الأسواق تتفنن في إغراء الناس بما لذ وطاب من المآكل والمشارب، وبهذا أفرغ هذا الشهر من مضمونه ألا وهو التقرب إلى الله بالطاعات والعبادات.

إن رمضان هذا العام هو ذاته رمضان في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يتغير، ولكن نحن الذين تغيرنا... 

رمضان فرصة للتغيير:

لنغير من واقعنا ومن بعض عاداتنا في هذا الشهر، قال تعالى: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...] فهل نبدأ رحلة التغيير في حياتنا نحو الأفضل، أم يمر علينا رمضان كما مر في الأعوام السابقة...

إن اليوم الذي يمضي لا يرجع، ورمضان إذا مضى لا يعود، وما من أحد إلا سيندم على ما فات، إن كان فعل خيراً سيندم إن لم يكن قد استزاد، وإن فعل شراً سيندم لـمَ لـمْ يتب، قال تعالى: [حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت...]

لنحاول أن نجعل رمضان في هذا العام مختلفاً، وليكن همنا الأكبر فيه زيادة التقوى لنشعر أبناءنا بعظمة هذا الشهر وفضله، ولنلمس فيه معاني الصيام الحقيقية...

هل نشأ أطفالنا اليوم النشأة الرمضانية السليمة؟

إن أطفالنا هم ثروتنا القادمة وهم الذين سيحملوا راية العلم والإيمان في المستقبل إن شاء الله، وإن التحديات التي تواجهنا في تربية أطفالنا تحديات كبيرة في ظل هذه الهجمة الشرسة من وسائل الإعلام المرئية وغير المرئية كالأنترنت وغيره؛ لذلك ينبغي علينا قبل منعهم من متابعة البرامج في التلفاز وغيره أن نؤمن لهم البديل الإسلامي من البرامج الهادفة والمفيدة.

وإن تنشئة الولد التنشئة السليمة تبدأ منذ الصغر بتعويده على الصيام في سن السابعة وضربه عليه في سن العاشرة، واصطحاب الطفل المميز إلى المسجد في صلاة التراويح حتى يتعرض لنفحات رمضان الإيمانية.

هل نعيش اليوم فوضى فكرية وإيمانية؟

إن الفوضى الفكرية والأمية الإيمانية والخواء الروحي هي الأمراض التي قصمت ظهر الأمة فوقعت في براثن التخبط والخداع والانحراف، ولذلك يقول الإمام الغزالي رحمه الله: (الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء).

ونتيجة لهذه الفوضى تبلدت القلوب والمشاعر، وأصبح القلب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، قال تعالى: [كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون]

نحن الآن بحاجة إلى صحوة إيمانية وروحية في هذا الشهر الكريم؛ لتكون نقطة الانطلاق في هذا الشهر بداية لانطلاقة جديدة في بداية العام، اسأل الله سبحانه أن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم من النار، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين