المناشدات العشر السادسة إلى إمامنا في العشاء والتراويح

فيما يتعلق بالتدبر والخشوع

١- لا تقلق كثيرا إن سهوت، فقد أمّ نبينا صلى الله عليه وسلم وسها وسئل: ( أقصرت الصلاة أم نسيت ) كما في صحيح مسلم.

وحذار من الاضطراب لأنه يوحي أن السهو أمر غريب، والواقع أننا جميعا نسهو ونفوت واجبا من واجبات الصلاة سهوا، أو نؤخر ركنا وما إلى ذلك، وسجودنا للسهو يجبر ذلك. 

٢- الموقف المفاجئ غير التقليدي يثبت في الذهن، والفعل غير المألوف يثير التساؤل ويحفز الحضور ويبحث المشاهد عن تأويل لهذا المشهد.

فعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : 

صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً ، 

قَالَ : آمِينَ ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى ، 

فقَالَ : آمِينَ ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً ، 

فقَالَ : آمِينَ ثُمَّ ، قَالَ : 

أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، 

مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، 

قُلْتُ : آمِينَ ، قَالَ : وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا ، 

فَدَخَلَ النَّارَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْتُ : آمِينَ ، 

فقَالَ : وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، 

فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ كما في ابن حبان.

تخيل معي رغبة الصحابة الكرام في تأويل كلمة (آمين) حين سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم في غير الزمان الذي يعرفون.

حاول أن تترقب مثل هذا ليخرج المصلون عن المألوف، وينشدون لتلقي الجديد، بصورة مشوقة ممتعة.

٣- هناك مساجد مغمورة، فيها مصلون ليسوا من الطبقة المرموقة، ولكن التنزلات والرحمات والفيوضات فيه، ربما تفوق كثيرا من المساجد المزخرفة المزينة الفاخرة، ذلك لأن المساجد فيمن يعمرها بالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن.

ولَرُبّ دعوة مصلّ من الصادقين المخلصين، ودمعات خاشع من المتضرعين، تستنزل الأنوارَ والبركات لتعم على جميع المصلين.

فارعَ - يا إمامنا - كل المصلين، لأن صلاتهم هي عمران المسجد، وخشوعهم يعم على الجميع.

٤- كرر لنا الآية التي تستوقفك من حيث المعنى، وتدعونا لمزيد من التدبر والتركيز، فإن العودة إلى قراءة الآية أو الجزء منها، يوقظ الشارد، وينبه الغافل، ويقوي الحاضر، إذ يجوز ترديد الآية للتدبر فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح الآية هي إن تعذبهم فإنهم عبادك رواه النسائي وابن ماجه..

٥- وأنت في شهر النصر والفتوحات، سارع للقراءة من سورة الأنفال التي تتحدث عن غزوة بدر، وأردف قراءتك التي في العشاء والقيام، للقراءة من السورة ذاتها في صلاة الفجر أيضا، وعرج على بعض آيات من سورة آل عمران التي نزلت في غزوة أحد وذكرت يوم بدر، ( ولقد نصركم الله ببدر ) ولا سيما في ذكرى تلك الغزوة المباركة، فهي غزوة فيها نصر، وكلنا يحب النصر ( وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ).

٦- شنف مسامعنا - أي إمامنا - بآيات الجنة والوعد للمؤمنين، ثم بآيات النار والوعيد للكافرين، وأكثر لنا من الآيات التي فيها مشاهد يوم الحساب والنشور، فقد رقت قلوبنا من أول رمضان، ولم يبق لدموع التوبة إلا أن تسمعنا من تلك الآيات، وحذار من أن تفوت علينا رمضان قبل أن تنهمر دموع التوبة والندم والخشوع بين يدي العلي العظيم.

٧- كلمات تستثير العاطفة وتنزل الدمعة، وتحرك القلوب الخائفة: جدكم الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تتورم قدماه.. كلمة - جدكم - قبلتكم في صلاتكم هذه هي الكعبة المشرفة، التي يتوجه إليها كل مسلمي العالم.. عسى الله أن يكرمنا بعمرة في رمضان وأن نقوم مثل هذا القيام هناك..

من منا غير مشتاق للصلاة هناك!!

هل تدرون أن أحدنا إن أراد أن يكلم الله دعاه؟

من منا ليس له حاجة عند الله؟

ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ كلامه، نعم

إنه القرآن الكريم كلام الله..

لاحظ معي - أيها الإمام الكريم - أنك تذكر أمورا مسلّما بها، ومن المتفق عليها في عقيدتنا، غير أنك تعرضها بصورة رقيقة، تستحثّ فيها الهمم، وتحرك فيها القلوب، وتستثير فيها العواطف، فلاتجد حواجز أمامك، ولاسيما وأنت في شهر الصيام، وفي أثناء القيام، والأعناق إلى الخيرات مشرئبة، والألسنة إلى ربها لاهجة، والقلوب إلى الله منكسرة.

٨- وأنت في صلاتك ابحث من وحي الصلاة عن الآيات التي هي كنز قرآني، تقف عندها وترددها وتعلق عليها في الوقفة الرمضانية، وتثبتها ليدندن بها المصلون وتبقى في خلَدهم، لتكون دستورا لهم.

٩- حبذا لو تسجل صوتك في القراءة وكلمة الهدى، ثم تعيد الاستماع لها لتنتقدها، وستجد فائدة كبيرة من الانتباه إلى مالم تنتبه إليه من قبل، ولربما تجد عندك كمًّا كبيرا من الأمور التي يجب تحسينها، ونقاط القوة التي ينبغي تعزيزها. 

١٠- جميل أن تخبر المصلين أنك ستقوم بهم في الصلاة بسورة كذا وكذا، لأن اطلاع المصلين على اسم السورة التي ستتلوها تستجمع فكرهم، ويبقى تفكيرهم من خلال اسم السورة حول المحاور الرئيسة في السورة التي تلتف حول اسمها، فالسورة كالسّور لمجموع الآيات التي يربطها عقد واحد نستوحيه من خلال اسم السورة ومطلعها، والمواضيع الأساسية التي تحدثت عنها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين