المناشدات العشر الخامسة إلى إمامنا في العشاء والتراويح

فيما يتعلق بعلاقة الإمام مع المعتكفين وشباب المسجد:

١- نريد منك أن تنتشلنا من صلاة العشاء والتراويح، إلى كل الفرائض في رمضان وغيره، فنقطة الانطلاق هي في رمضان، ومن صلاة العشاء، ولكن ينبغي أن تتعدى لكل الفرائض والصلوات التي تؤدى في جماعة.

ومن أكبر الوسائل المشجعة على ذلك هي أن تساهم ليكون أداء الفرائض في المساجد ظاهرة اجتماعية عامة، وعادة إيجابية تشمل التجار والعمال، والشباب والرجال. 

٢- خلفك في الصلاة صبيان صغار، نحمّلك مسؤولية أن يحبوا المسجد وما تتلوه من قرآن، فهم فتية جاءت بهم فطرتهم إلى المسجد، وهم أمل الأمة ورجال المستقبل، وأنت معنا مسؤول عن حمايتهم، وحراسة دينهم، ولأن الغد لهم، فسنحترم حضورهم، ونوجه - بكل لطف - سلوكهم. 

٣- لنزرع في أذهان المصلين أنهم يأتون لتأدية فريضة العشاء في جماعة المسلمين في المسجد، وهي أحب إلى الله من النافلة، إذ ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل..) رواه مسلم. وهذه في رمضان وغيرها.

ونكون بذلك قد صححنا نية بعض العامة من قدومهم لأداء صلاة التراويح فحسب، ودعوناهم لأداء صلاة العشاء في جماعة المسجد بعد رمضان.

٤- ليكن عندك قراءة لروّاد المسجد، ولاسيما الشباب منهم والغلمان، فهؤلاء سيكونون إخوة في الله - عاجلا أو آجلا - من خلال اجتماعهم في المسجد، فصلاتهم فيه والتفافهم حول بعضهم البعض يشكل نواة خير يتواصون من خلالها بالحق ويتواصون بالصبر.

وهؤلاء الذين أعنيهم - وينبغي أن نعتني بهم - هم مزيج من خليط متجانس، بعضهم سيمارس في حياته الطب، وآخر الهندسة، وهذا في التعليم، وذاك في الزراعة وهكذا، ولكن الذي يجمعهم أنهم يأتمون في صلاتهم، مع إمامهم، وربما يتحلقون بين الفينة والأخرى على مائدة القرآن يتلون من آياته، ثم ينبثقون إلى أهليهم ومجتمعهم بالخير الذي جَنَوه من وئامهم والتئامهم، وتبقى أواصر الأخوة والمحبة فيما بينهم، ولو تفرقوا في المكان وتباعد عنهم الزمان.

٥- من كثر علمه قل اعتراضه، ومن سيؤم الناس ينبغي أن يكون شموليا غزير العلم، واسع الأفق، رحب الصدر، وبالتالي لا يتكلم فيما يضيق على الناس، ولا يحرج العامة في فهمه واستنباطه، ويكون ذلك بطلب المزيد من العلم، وفقه الواقع، وفقه الأولويات.

٦- أول من سيجيبك إلى حلقة تعلم القرآن الكريم هم روّاد المسجد، ومن يصطفّون معك في الصلوات، وهؤلاء هم الزمرة التي يعوّل عليها لخدمة الأمة إذ جاء في الحديث: ( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم.

٧- الإمام الناجح يستطيع أن يهيئ ظروف مسجده بحيث لو غاب عنه لعذر ما، فإن هناك من يؤم عنه، ويدار المسجد وكأنه حاضر معهم، ذلك لأن دوام الحال من المحال، ولابد للإمام أن يعتريه ما يمنعه من الصلاة في المسجد فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مرضه الأخير كان ينادي: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) رواه البخاري. 

٨- مَن أولئك الثلة الذين سيعتكفون هذا العام في العشر الأواخر من رمضان؟

غالبا ما نجد أن المعتكفين هم من فئة الشباب الذين لم يقس عودهم، ولم تتعلق قلوبهم بمتجر أومصنع.. ولم يحملوا عبء الزوجة والولد بعد.

ولكونهم من الشباب والغلمان فمكسب عظيم لهذه الأمة، وأثرهم يتعدى لمن يصلي في المسجد فيجدهم عاكفين فيه، بل بركة اعتكافهم تنعكس على الأهل والأقارب والأحباب، وتكون فرحة عيدهم بعد الاعتكاف أعظم من فرحة الكثير.

وفي الوقت نفسه فهؤلاء الشباب ينبغي تزويدهم ببرنامج علمي منضبط، لحسن اغتنام الوقت، وتحقيق المقصد، وتصحيح العبادة لتكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وموافقة لسنته. 

ومَن لهذا الحمل إلا الإمام الحكيم المخضرم، الذي اتسع علمه، وكثرت مطالعته، واستنار عقله.

أعانك الله - إمامنا الغالي - على احتواء هؤلاء أصحاب الفطرة السليمة، الذين عزموا النية على ملازمة المسجد طيلة العشر الأواخر الرمضانية، فعينك عليهم إذ عين المجتمع كله عليهم.

٩- الأجواء الرمضانية: أعمال في شهر رمضان خاصة تدخل في باب العادات لا العبادات، وهي ترسخ فكرة العمل الجماعي للمجتمع المسلم الصائم، وهي تمنح المتعة في هذا الشهر، وتكوّن الحنين عند أفراد هذا المجتمع لهذه الأجواء بعد رمضان.

الثلّة المعتكفة في المسجد، لابد من أن تعيش هذه الأجواء، وتنقل العادات المنزلية إلى الجمع الأخوي المعتكف في المسجد، وهذا فيه ترويح عن النفس، وشحذ للهمم لمواصلة مزيد من التحري لليلة القدر، ولأنواع العبادات في هذه العشر.

كن مرنا مع المباحات وما يدخل في دائرة العادات، واستفد منها لتنشيط همم هؤلاء المعتكفين، فشعارنا في آيات الصيام ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )

١٠- أنت صلة الوصل بين المعتكفين والعامة، إذ لايزال في أذهان العامة أن الاعتكاف أمر شاقّ، وإصْرٌ لا طاقة لأحدنا به، وأنت من تعكس صورة الاعتكاف الإيجابية، وتصور لهم لذة المعتكفين في التفرغ للدعاء والقيام، وأن الاعتكاف في العشر الأواخر مرة في العام، لايعني التقصير في الأمور الحياتية، والعلاقات الاجتماعية، بل هو تنظيم لها، ونقطة انطلاق لحياة مشرقة مفعمة بالخير والنور والبركة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين