مختارات من تفسير

قوله تعالى: {ربِ العَالمِين}

السؤال الأول: ما معنى الرَّبِّ في اللغة ؟ 

الجواب:

الرَّبُّ هو المالك والسيد والمربي والمنعم والقيّم، فإذن رب العالمين هو ربهم ومالكهم وسيدهم ومربيهم والمنعم عليهم وقَيِّمُهم، لذا فهو أولى بالحمد من غيره، وذكر{ربِ العَالمِين} هي أنسب ما يمكن وضعه بعد {الحَمْدُ للهِ}.

رب العالمين يقتضي كل صفات الله تعالى ويشمل كل أسماء الله الحسنى.

السؤال الثاني: ما دلالة كلمة {العَالَمِينَ}؟

الجواب:

العالمين: جمع عَالَم , والعالم هو كل موجود سوى الله تعالى , والعالم يجمع على العوالم وعلى العالمين, لكن اختيار العالمين على العوالم أمر بلاغيٌّ، ويعني ذلك أنّ العالمين خاص للمكلفين وأولي العقل (أي: لا تشمل غير العقلاء) بدليل قوله تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1] ومن المؤكد أنه ليس نذيراً للبهائم والجماد. وبهذا استدلوا على أنّ المقصود بالعالمين أولو العقل وأولو العلم أو المكلفون. 

و{العَالَمِينَ}جمع عالم بكل أصنافه لكن يغلُب العقلاء على غيرهم فيقال لهم: (العالمين) ولا يقال لعالم الحشرات أو الجماد أو البهائم : {العَالَمِينَ} وعليه فلا تستعمل كلمة العالمين إلا إذا اجتمع العقلاء مع غيرهم وغلبوا عليهم.

أمّا العوالم قد يطلق على أصناف من الموجودات ليس منهم البشر أو العقلاء أو المكلفون: تقال للحيوانات والحشرات والجمادات.

السؤال الثالث: لماذا لم تجمع عالم على عوالم ؟ وما الفرق بين عوالم وعالمين و علاّم؟

الجواب:

1ـ القاعدة اللغوية :

صيغة الجمع ( فواعل ) هي جمع تكسير، وهي إمّا أنْ تكون :

آ ـ جمعاً لمؤنث بصيغة فاعلة , نحو : كافرة وكوافر ـ ساجدة وسواجد ـ نازلة ونوازل.

ب ـ أو جمعاً لغير العاقل بصيغة فاعل، نحو : قارض وقوارض ـ زاحف وزواحف ـ ناقص ونواقص.

2ـ (عالمين) :

ومفردها (عالم) ولم تجمع على عوالم في القرآن الكريم حسب القاعدة اللغوية أعلاه , والسبب في ذلك أنّ المقصود بها في السياقات القرآنية هو العاقلون ، فأحياناً المقصود منها هو عالم الناس , وأحياناً عالم الإنس والجن (الثقلان)، وأحياناً عالم الملائكة والشياطين ، وأحياناً يتسع معناها فتشمل المخلوقات كافة, العاقلين وغير العاقلين لذلك ينبغي أنْ تجمع كلمة (عالم) على (عالمين) إشارةً إلى العاقلين من الإنس والجن والملائكة والشياطين لتمييزها عن العوالم غير العاقلة.

قال الفرّاء وأبو عبيدة : العالم عبارةٌ عما يعقل من (الإنس والجن والملائكة والشياطين) ولا يقال للبهائم : عالم .

3ـ علاّم :

وردت في القرآن الكريم أربع مرات في آيات ( المائدة 109و 116 ، التوبة 78، سبأ 48) وهي مبالغة من عالم , وقد تكون علاّمة بزيادة تاء التأنيث للمبالغة لكن لا تستعمل مع الله تعالى , ولم يقل القرآن : علاّمة ، لأنّ علم الله لا يترقى بلاغة ولا كمية . والله أعلم.

السؤال الرابع: ما سبب اختيار كلمة {رَبِّ} و {العَالَمِينَ} في الآية؟

الجواب:

1ـ اختيار كلمة العالمين له سببه في سورة الفاتحة، فــ (العالمين) تشمل جيلاً واحداً، أو قسماً من جيل , وقد تشمل كل المكلفين, وفي الآية : {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِينَ} [الحجر:70] في قصة سيدنا لوط جاءت هنا بمعنى: قسم من الرجال.

واختيار العالمين أيضاً لأنّ السورة كلها في المكلفين , وفيها طلب الهداية وإظهار العبودية لله وتقسيم الخلق، وكله خاص بأولي العقل والعلم , لذا كان من المناسب اختيار العالمين على غيرها من المفردات أو الكلمات، وقد ورد في آخر الفاتحة ذكر المغضوب عليهم وهم اليهود، و(العالمين) رد على اليهود الذين ادعوا أن الله تعالى هو رب اليهود فقط، فجاءت {رَبِّ العَالَمِينَ} لتشمل كل العالمين لا بعضهم.

2ـ أمّا اختيار كلمة{رَبِّ} فلأنها تناسب ما بعدها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] لأنّ من معاني الرب (المربي)، وهي أشهر معانيه وأولى مهام الرب الهداية , لذا اقترنت الهداية كثيراً بلفظ الرب , كما اقترنت العبادة بلفظ الله تعالى كما في الآيات :{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى(49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50) }. [طه].

{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:122] {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى(1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(3) }. [الأعلى]. {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الأنعام:161] { وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف:24] ، {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] ، {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصَّفات:99] ، {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص:22] لذا ناسب لفظ رب مع اهدنا الصراط المستقيم وفيها طلب الهداية.

السؤال الخامس: أين وردت {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} كاملة في القرآن الكريم ؟

الجواب:

1ـ وردت {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}كاملة في القرآن الكريم في ستة مواضع هي : الفاتحة 2، الأنعام 45 ، يونس 10، الصافات 182، الزمر 75 ، غافر 65 .

{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} في بداية الفاتحة بعد البسملة معناه بداية عمل.

وفي نهاية سورة الصافات بعد الحديث عن الكون وما يضم إلى قيام الساعة انتهاء الحياة {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ(180) وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ(181) وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ(181) } [الصَّافات] النهاية.

كذلك في نهاية سورة الزمر {وَتَرَى المَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [الزُّمر:75] والأنعام {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44) فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ(45) } [الأنعام] في نهاية الحياة، وفي نهاية السور التي تشير إلى نهاية الحياة، أونهاية مواقف معينة تأتي {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}وفي الأنعام نهاية عمل وانتهى أمرهم.

و{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} فيها كلام عن الناس، لاحظ الآية الأولى {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [يونس:10] هذا في يوم القيامة في الجنة، وقوله تعالى في سورة غافر {هُوَ الحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [غافر:65] هنا في آخر الدعاء , وهنا يحتمل أوله وآخره {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } كأنما الحمد في الأولى والآخرة.

والفائدة التي نقولها أنّ كلمة {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} جاءت في أول الفاتحة تحميداً وتمجيداً لله سبحانه وتعالى وبها يختم العمل والدعاء وتأتي في سور أخرى في الآخرة أي: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} في البدء وفي الختام.

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين