مدخَل لتقارب الرؤى حول الإعلام والإعلام الإسلاميِّ (6)

مؤشرات لآلية التقارب على إعلام إسلامي

لا تنشأ آليات العمل عبر الحديث عنها، بل عبر إيجادها، ابتداءً من خطوات الاقتناع بضرورتها فالتفاهم عليها والتخطيط لتنفيذ ما يتم التفاهم عليه، حتى الشروع العملي في ذلك. ولذا يقتصر اختتام الحديث عن ماهية الإعلام الإسلامي، على أفكار في مجموعتين، يرجى أن تجد الطريق للمتابعة والتصحيح والاستكمال.

مجموعة مقترحات لتحسين أداء ما يوجد حاليًا:

مهمة تحسين الأداء قابلة للتنفيذ من جانب من يقتنع بها، اعتمادًا على شبكات الأنشطة الدعوية والمراكز التأهيلية والتدريبية، ومحورها الترويج لرفع مستوى أداء ما يوجد من وسائل إعلامية توصف بالإسلامية:

أولا: تعزيز الالتزام بمواصفات إعلامية محورية، وإن كان تطبيقها المعاصر ضعيفًا، مثل التمييز بين المادة الخبرية والرأي، ودقة الصياغة، ومصداقية الطرح، والتحقق والتوثيق.. إلى آخره، وهذه قيم إعلامية تتوافق مع القيم الإسلامية. 

ثانيا: تعزيز الالتزام بقيم معروفة في مفردات منظومة القيم الإسلامية، كالصدق، والكلمة السديدة، والجهر بالحق، وتغليب المصلحة العامة.. إلى آخره، وهذه تتوافق مع ما يذكر من قيم في المواثيق الإعلامية عمومًا.

ثالثا: إضافة توجيهات وإرشادات إسلامية المضمون في العطاءات الإعلامية، مما يُستخرج من قواعد أصولية تشريعية، مثل: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. 

رابعا: دعوة مماثلة على صعيد ما يُستخرج من المقاصد الإسلامية الكبرى، مثل: لا ضرر ولا ضرار.

مجموعة أفكار مبدئية لإنشاء آلية تنفيذية: 

في ختام تعريفه بكتاب "الإعلام الإسلامي" للدكتور عبد الرزاق الدليمي، أستاذ الصحافة والإعلام وعميد كلية الإعلام في بغداد سابقًا وأستاذ الدعاية والإعلام في جامعة البتراء في الأردن حاليًا.. يقول وليد الزبيدي تعقيبًا على ما يبيّنه الكتاب بصدد رفع مستوى الإعلام الإسلامي على أرض الواقع: "إن مهمة الإعلام الإسلامي يجب أن تخرج من دائرة التنظير إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع الإعلامي في العالم الإسلامي، وإذا اقتصرت مهمة الباحث والأكاديمي على التحذير من خطر مجال مهم في حياة الأمة، وهو الإعلام الذي يعيد صياغة ثقافة وقيم وأخلاقيات مجتمعات بأسرها - تسعى جهات ودول لتخريبها، ضمن حرب معلنة أحيانًا وملموسة أحيانًا أخرى - فإن من مهمة القائمين على الأمر الأخذ بما يقوله المفكرون والأكاديميون، لأن تحذيراتهم لم تأت من فراغ ولا بطر، وإنما من لوعة وألم وخوف على الأمة لكثرة أعدائها واتساع رقعة تأثير أدواتها الإعلامية" (1).

والمطلوب على صعيد إيجاد آلية تنفيذية لهدف تقارب الرؤى حول مفهوم الإعلام الإسلامي:

أولًا: اتخاذ خطوات تمهيدية لاعتماد عدد كاف من المتخصصين المعتبرين في العلوم الإنسانية ولا سيما علم الإعلام، نظريًا وممارسته تطبيقيًا، لصياغة محددات منهجية تخصصية قابلة للاعتماد عليها عند التمييز بين إعلام وإعلام تبعًا لما تقتضيه تعابير التوصيف: معتقد، رؤية، تصور، منهج، وما يشابهها. هذا مع ملاحظة أن تقبل المحددات واعتمادها يتحقق بقدر ما تكون الصياغة موضوعية وعلمية مقنعة، ويكون واضعوها من المتخصصين، معروفين وموثوقين علميًا، وتكون الجهات الأولى التي تتبناها وتعمل لتعميمها من الجهات المعتبرة المعروفة أيضًا.

ثانيًا: الترويج لنتائج الخطوة الأولى، بالعمل على تعميم الانطلاق من المحددات المذكورة لتوصيف الإعلام عمومًا، أي تأكيد القاعدة العامة أن توصيف إعلام بالشيوعي مرتبط بمعايير مستمدة من المرآة الذاتية للشيوعية، وتوصيف إعلام بالرأسمالي على غرار ذلك، وهكذا أيضًا مع توصيف إعلام ديمقراطي أو ديكتاتوري، مع بذل جهود موازية لتعميم الدعوة إلى الالتزام بتجنب العشوائية في نشر التوصيفات، وعدم استخدامها بأسلوب تبادل الاتهامات.

ثالثًا: المحددات المطروحة من معايير العلوم الإنسانية قابلة -إذا وضعت صياغات منهجية لها- أن تكون مستندًا لعلماء متخصصين بمقاصد الشريعة وقواعدها الأصولية، لاستنباط مواصفات معيارية مشتركة قدر الإمكان ووضع صياغات منضبطة ترشح لتكون مرجعًا في توصيف مادة إعلامية أو وسيلة إعلامية أو إنجازات إعلامية بأنها إعلام إسلامي.

خاتمة في سطور

النتيجة المرجوة اعتماد آلية منهجية في وضع المحددات والمعايير، وحرص المسؤولين عن عطاءات إعلامية إسلامية أن يعتمدوا هذا التوصيف وفق معيار إعلامي منهجيًا، وإسلامي تقويمًا، وهو ما يسري على ارتباط نسبة أي أمر آخر من الأمور إلى الإسلام كما أنزله الله، فذاك في نهاية المطاف هو معيار الارتباط بتحقيق مقاصد الإسلام، في كل مكان وزمان، بآليات متبدلة متطورة ضمن إطار ثوابت من الوحي.

والخلاصة:

إن هدف الوصول إلى تقارب الرؤى حول مواصفات مميزة لإعلام إسلامي، هدف مشروط بمحددات أولية تنبثق عمّا تعنيه كلمة الإعلام عمومًا، مع مراعاة تطور مضمونها وتطور وسائل الإعلام.. ثم الرجوع بتلك المحددات إلى مقاصد الشريعة انطلاقًا من الإسلام كما أنزله الله.. وجميع ذلك مع اعتبار كلمة "إعلام إسلامي" توصيفًا فحسب وليس مصطلحًا محكمًا.

والله من وراء القصد.

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

الحلقة الخامسة هنا

======-

(1) وليد الزبيدي، "الإعلام الإسلامي" تعريف بكتاب، شبكة الجزيرة، ١٩/ ٣/ ٢٠١٣م.

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/books/2013/3/19/الإعلام-الإسلامي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين