فقه السيرة (46)إجلاء يهود بني النضير  وغزوة ذات الرقاع وما بعدهما. 

 

أصاب يهود المدينة، الخوف والرعب، طيلة الفترة التي تفصل بين مقتل كعب بن الأشرف، وبين معركة أحد التي جرت في شوال عام 3هـ، ولكن الهزيمة التي حلت بالمسلمين في تلك المعركة، أحيت في نفوس المشركين والمنافقين الأمل من جديد، بتحقيق مطامعهم وأغراضهم، وأزالت من قلوب اليهود الهلع على المصير، ومما ساهم في تبديد هذا الهلع عندهم مقتل أصحاب الرجيع، وبئر معونة وبذلك لم يدم خوف اليهود طويلاً وعادوا إلى أساليب الدس والمكر والخداع، وشرعوا في حشد حصونهم بالسلاح والعتاد للانقضاض على المسلمين ودولتهم ، ثم صمموا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم والغدر به. 

أ- تاريخ الغزوة .

يرى المحققون من المؤرخين أن غزوة بني النضير كانت بعد أحد في ربيع الأول من السنة الرابعة من الهجرة، وقد رد ابن القيم على من زعم أن غزوة بني النضير بعد بدر بستة أشهر بقوله: وزعم محمد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وَهْم منه، أو غلط عليه، بل الذي لا شك فيه: أنها بعد أُحُدٍ والذي كانت بعد بدر بستة أشهر، هي غزوة بني قينقاع، وقريظة بعد الخندق، وخيبر بعد الحديبية. 

ب- أسباب الغزوة . 

هناك مجموعة من الأسباب حملت النبي صلى الله عليه وسلم على غزوة بني النضير وإجلائهم من أهمها: 

1- نَقْض بني النضير عهودهم التي تحتم عليهم ألا يؤووا عدوًا للمسلمين، ولم يكتفوا بهذا النقض، بل أرشدوا الأعداء إلى مواطن الضعف في المدينة. 

وقد حصل ذلك في غزوة السويق حيث نذر أبو سفيان بن حرب حين رجع إلى مكة بعد غزوة بدر، نذر ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو المدينة، فلما خرج في مائتي راكب قاصدًا المدينة قام سيد بني النضير سلام بن مشكم بالوقوف معه وضيافته وأبطن له خبر الناس، ولم تكن مخابرات المدينة غافلة عن ذلك. 

2- محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه عن طريق قباء إلى ديار بني النضير يستعينهم في دية القتيلين العامرين اللذين ذهبا ضحية جهل عمرو بن أمية الضمري بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما؛ وذلك تنفيذاً للعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني النضير حول أداء الديات، وإقرارًا لما كان يقوم بين بني النضير وبين بني عامر من عقود وأحلاف. 

استقبل بنو النضير النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من البشاشة والكياسة، ثم خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون في قتله والغدر به، ويبدو أنهم اتفقوا على إلقاء صخرة عليه صلى الله عليه وسلم، من فوق جدار كان يجلس بالقرب منه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان برعاية الله وحفظه أدرك مقاصد بني النضير، إذ جاءه الخبر من السماء بما عزموا عليه من شر، فنهض وانطلق بسرعة إلى المدينة، ثم تبعه أصحابه بعد قليل. 

لم تكن مؤامرة بني النضير، التي أفشلها الله سبحانه وتعالى تستهدف شخص النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كانت تستهدف كذلك دولة المدينة والدعوة الإسلامية برمتها؛ لذا صمم محمد صلى الله عليه وسلم على محاربة بني النضير، الذين نقضوا العهد والمواثيق معه وأمر أصحابه بالتهيؤ لقتالهم والسير إليهم. 

هذه الأسباب وغيرها أدت إلى غزوة بني النضير، وقد ذكَّر القرآن الكريم المؤمنين بهذه النعمة الجليلة وكيف نجى الله نبيه صلى الله عليه وسلم من مكر يهود بني النضير قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [المائدة: 11]. 

وقد أورد المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات منها: 

أخرج الطبري عن أبي زياد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ليستعينهم في عقل أصحابه ومعه أبو بكر وعمر وعلي فقال: «أعينوني في عقل أصابني» فقالوا: نعم يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينتظرون وجاء رأس القوم، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال فقال لأصحابه: لا ترون أقرب منه الآن، اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه، ولا ترون شرًّا أبدًا. فجاءوا إلى رحى لهم عظيمة ليطرحوها عليه، فأمسك الله عنها أيديهم حتى جاء جبريل عليه السلام فأقامه من ثم, فأنزل الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ما أرادوا به.

وذكر محمد بن إسحاق ومجاهد وعكرمة أنها نزلت في شأن بني النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين، ووكلوا عمرو بن جحاش بذلك أن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار، واجتمعوا عنده أن يلقي الرحى من فوقه، فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تماروا عليه، فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه فأنزل الله في ذلك هذه الآية. 

ج- إنذار بني النضير بالجلاء .

أرسل صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إليهم، وقال له: «اذهب إلى يهود بني النضير، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلادي؛ لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم مما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشرًا، فمن رُئي بعد منكم ضربت عنقه» ، ولم يجدوا جوابًا يردون به سوى أن قالوا لمحمد بن مسلمة: يا محمد، ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس فقال محمد: تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود، فقالوا: نتحمل فمكثوا أياما يعدون العدة للرحيل.

وفي تلك المدة أرسل إليهم عبد الله بن أبي ابن سلول من يقول لهم: اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم ولا تخرجوا فإن معي من العرب وممن انضوى إلى قومي ألفين، فأقيموا فهم يدخلون معكم حصونكم، ويموتون عن آخرهم قبل أن يصلوا إليكم.

فعادت لليهود بعض ثقتهم وتشجع كبيرهم (حيي بن أخطب) وأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم جدي بن أخطب يقول له: إنا لن نريم -أي لن نبرح- دارنا فاصنع ما بدا لك، فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبَّر المسلمون معه، وقال: «حاربت يهود». 

د- ضرب الحصار وإجلاؤهم.

وانقضت الأيام العشرة ولم يخرجوا من ديارهم، فتحركت جيوش المسلمين صوبهم، وضربت عليهم الحصار لمدة خمس عشرة ليلة. 

وأمر صلى الله عليه وسلم بحرق نخيلهم، وقضى بذلك على أسباب تعلقهم بأموالهم وزروعهم وضعفت حماستهم للقتال، وجزعوا وتصايحوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من يفعله، فما بال قطع النخيل وتخريبها؟ وألقى الله في قلوبهم الرعب، وأدرك بنو النضير أن لا مفر من جلائهم، ودب اليأس في قلوبهم وخاصة بعد أن أخلف ابن أبي وعده بنصرهم، وعجز إخوانهم أن يسوقوا إليهم خيرًا أو يدفعوا عنهم شرًا فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسون منه أن يؤمنهم حتى يخرجوا من ديارهم.

فوافقهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال لهم: «اخرجوا منها، ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة - وهي الدروع والسلاح- فرضوا بذلك». ونقض اليهود سقف بيوتهم وعمدها وجدرانها لكي لا ينتفع منها المسلمون. 

وحملوا معهم كميات كبيرة من الذهب والفضة حتى أن سلام بن أبي الحقيق وحده حمل جلد ثور مملوءًا ذهبًا وفضة، وكان يقول: هذا الذي أعددناه لرفع الأرض وخفضها، وإن كنا تركنا نخلاً ففي خيبر النخل.

وحملوا أمتعتهم على ستمائة بعير، وخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن من خلفهم حتى لا يشمت بهم المسلمون فقصد بعضهم خيبر وسار آخرون إلى أذرعات الشام. 

وقد تولى عملية إخراجهم من المدينة محمد بن مسلمة، بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

وكان من أشرافهم الذين ساروا إلى خيبر: سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فلما نزلوها دان لهم أهلها. 

آيات القرآن تتحدث عن الغزوة

تحدث القرآن الكريم عن غزوة بني النضير في سورة كاملة وهي سورة الحشر، وقد سمى حبر الأمة عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- سورة الحشر بسورة بني النضير، ففي البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما سورة الحشر، قال: سورة بني النضير. 

وقد بينت هذه السورة ملابسات هذه الغزوة، وفصلت القول فيها، وبينت أحكام الفيء ، ومن هم المستحقون له؟ وأوضحت موقف المنافقين من اليهود، كما كشفت عن حقائق نفسيات اليهود، وضربت الأمثال لعلاقة المنافقين باليهود، وفي أثناء الحديث عن الغزوة وجه سبحانه خطابه إلى المؤمنين وأمرهم بتقواه وحذرهم من معصيته، ثم تحدث سبحانه عن القرآن الكريم، وأسمائه وصفاته، وهكذا كان المجتمع المسلم يتربى بالأحداث على التوحيد وتعظيم منهج الله، والاستعداد ليوم القيامة. وبالتأمل في السورة يمكننا استخراج بعض الدروس والعبر من أهمها: 

أ‌- الرعب جند من جند الله.

قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ  وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر: 2-4]. 

إن المتأمل في هذه الآيات الكريمة يتبين له أن الله هو الذي أخرج يهود بني النضير من ديارهم إلى الشام، حيث أول الحشر في حين أن كل الأسباب المادية معهم حتى اعتقدوا أنه لا أحد يستطيع أن يخرجهم من حصونهم لمتانتها وقوتها. 

لكن الله فاجأهم من حيث لم يحتسبوا ، جاءهم من قلوبهم التي لم يتوقعوا أنهم يهزمون بها فقذف فيها الرعب فإذا بهم يهدمون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وهذا الأسلوب القرآني الفريد يربي الأمة بالأحداث والوقائع وهو يختلف تماما عن طريقة أهل السير، ويمتاز بأنه يكشف الحقائق ويوضح الخفايا، ويربط الأحداث بفاعلها الحقيقي وهو رب العالمين، ومن ذلك أنها بينت أن الذي أخرج بني النضير هو الله جل جلاله: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )

واستمرت الآية الكريمة تبين أن يهود بني النضير حسبوا كل شيء وأحاطوا بجميع الأسباب الأرضية، لكن جاءتهم الهزيمة من مكان اطمأنوا إليه وهو أنفسهم فإذا الرعب يأتي من داخلهم، فإذا بهم ينهارون في أسرع لحظة، لذلك يجب على كل إنسان عاقل أن يعتبر بهذه الغزوة، وأن يعرف أن الله هو المتصرف في الأمور، وأنه لا تقف أمام قدرته العظيمة لا الأسباب ولا المسببات، فهو القادر على كل شيء، فعلى الناس أن يؤمنوا به تعالى ويصلحوا أمرهم، فإذا اتبعوا أمر الله أصلح الله لهم كل شيء، وأخرج أعداءهم من حيث لم يحتسبوا. 

إن هذه الغزوة درسٌ للأمة في جميع عصورها تذكرهم أن طريق النصر قريب وهو الرجوع إلى الله والاعتماد عليه والتسليم لشريعته، وتقديره حق قدره، فإذا عرف ذلك المؤمنون نصرهم الله ولو كان عدوهم قويًا وكثيرًا, فإن الله لا يعجزه شيء، وأقرب شاهد واقعي لذلك هو إجلاء بني النضير, وهي عبرة فليُعتبر بها، والسعيد من اعتبر بغيره. 

ثم أوضح سبحانه أنه لو لم يعاقبهم بالجلاء لعذبهم في الدنيا بالقتل، أما في الآخرة فلهم عذاب النار. 

تخريب ممتلكات العدو.

في هذه الغزوة استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب النفسية لتحطيم معنويات العدو، ولجأ إلى أسلوبٍ جديدٍ وهو قطع نخيلهم وهو أعز ما يملكون، وكان لذلك أعظم الأثر في هزيمتهم النفسية واستسلامهم للرسول ونزولهم عند أمره، وقد استخدم نفس الأسلوب مع ثقيف حيث إنه لما طال حصار الطائف، واشتدت مقاومة أهلها وقتلوا مجموعة من المسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بساتين العنب والنخل في ضواحي الطائف للضغط على ثقيف، ثم أوقف هذا العمل بعدما أحدث أثره في معنوياتهم وأضعف روح المقاومة عندهم، وبعد أن ناشدته ثقيف بالله والرحم أن يترك هذا العمل، كما ووجه النبي صلى الله عليه وسلم نداءً لعبيد الطائف أن من ينزل من الحصن ويخرج إلى المسلمين فهو حر، فخرج ثلاثة وعشرون من العبيد فأسلموا، فأعتقهم ولم يُعِدهُم إلى ثقيف بعد إسلامهم.

وهذا من الحرب النفسية وهي قليلة التكاليف عظيمة الأثر، فحريٌ بالمسلمين أن يعوها ويعرفوا مصالحها ووسائلها المتنوعة والمتبدلة بتبدل الأزمان.

على أن هذا القطع والتخريب ليس على إطلاقه، بل تتحكم به المصلحة وفقه الموازنات، إذ إن هذه الممتلكات ستؤول إلى المسلمين فلا مسوغ لإتلافها عليهم ما لم يجلب الإتلاف مصلحةً أكبر من الإتلاف، كإخافة العدو وإخزائه.

والذي ننتهي إليه بالنسبة لما يكون في الحرب من هدم وتحريق وتخريب أنه يستفاد من مصادر الشريعة وأعمال النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه: 

1. أن الأصل هو عدم قطع الشجر وعدم تخريب البناء؛ لأن الهدف من الحرب ليس إيذاء الرعية، ولكن دفع أذى الراعي الظالم وبذلك وردت الآثار.

2. أنه إذا تبين أن قطع الشجر وهدم البناء توجبه ضرورةٌ حربيةٌ لا مناص منها، كأن يستتر العدو به ويتخذه وسيلة لإيذاء جيش المؤمنين، فإنه لا مناص من قطع الأشجار وهدم البناء، على أنه ضرورةٌ من ضرورات القتال، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا وفي حصن ثقيف.

3. أن كلام الفقهاء الذين أجازوا الهدم والقلع يجب أن يخرج على أساس هذه الضرورات، لا على أساس إيذاء العدو والإفساد المجرد، فالعدو ليس الشعب، إنما العدو هم الذين يحملون السلاح ليقاتلوا".

فالإفساد والتخريب ليس مقصوداً لذاته لأنه مفسدةٌ، والشرع لا يأمر بالفساد، وإنما أجيز باعتباره وسيلةً لمصالح كبرى تعود على المسلمين تتمثل في النكاية بعدوهم وانكساره واستسلامه لهم، وهذا كما قلنا خاضعٌ لموازناتٍ دقيقةٍ تحدد مقدار الإفساد ومقدار المصالح المرجوة.

تطوير السياسة المالية للدولة الإسلامية.

بيَّن سبحانه وتعالى حكم الأموال التي أخذها المسلمون من بني النضير بعد أن تم إجلاؤهم, فقال تعالى: ( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [الحشر: 6]. 

وبيَّن سبحانه وتعالى أن الأموال التي عادت إلى المسلمين من بني النضير قد تفضل بها عليهم بدون قتال شديد؛ وذلك لأن المسلمين مشوا إلى أعدائهم ولم يركبوا خيلاً ولا إبلاً وافتتحها صلى الله عليه وسلم صلحًا، وأجلاهم، وأخذ أموالهم ووضعها حيث أمره الله، فقد كانت أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله. 

ثم بيَّن المولى عز وجل أحكام الفيء في قرى الكفار عامة ، فقال تعالى: ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) [الحشر: 8]. 

فكانت هذه الغنيمة خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا تصرف فيه -أي الفيء- كما يشاء فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآيات. 

ولما غنم صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير، دعا ثابت بن قيس فقال: «ادع لي قومك»، قال ثابت: الخزرج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «الأنصار كلها» فدعا له الأوس والخزرج. 

فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم في منازلهم وأموالهم، وأثرتهم على أنفسهم ثم قال: «إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله عليَّ من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم». 

فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: يا رسول الله، بل نقسم بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا وقالت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول الله. 

وقسم ما أفاء الله، وأعطى المهاجرين ولم يعط أحدًا من الأنصار شيئًا، غير أبي دجانة، وسهل بن حنيف لحاجتهما، ومع أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن الفيء كان خاصًّا له إلا أنه جمع الأنصار وسألهم عن قسمة الأموال لتطييب نفوسه، وهذا من الهدي النبوي الكريم في سياسة الأمور. وكانت الغاية من هذا التوزيع تخفيف العبء عن الأنصار، وهكذا انتقل المهاجرون إلى دور بني النضير، وأعيدت دور الأنصار إلى أصحابها، واستغنى بعض المهاجرين مما يمكن أن يقال فيه: إن الأزمة قد بدأت بالانفراج. 

إن قسمة أموال بني النضير أوجدت تطورًا كبيرًا في السياسة المالية للدولة الإسلامية فقد كانت الغنائم الحربية قبل هذه الغزوة تقسم بين المحاربين بعد أن تأخذ الدولة الإسلامية خمسها لتصرف في مصارف معينة حددها القرآن الكريم، وبعد غزوة بني النضير، أصبحت هناك سياسة مالية جديدة فيما يتعلق بالغنائم، وخلاصتها: أن الغنائم الحربية أصبحت حسب السياسة الجديدة على نوعين: 

1- غنائم استولى عليها المجاهدون بحد سيوفهم، وهذه الغنائم تقسم بين المجاهدين بعد أن تأخذ الدولة خمسها لتصرفه في مصارفه الخاصة. 

2- غنائم يوقعها الله بأيدي المجاهدين دون قتال، وهذا النوع يختص رئيس الدولة الإسلامية بالتصرف فيه حسب ما يرى المصلحة في ذلك، يعالج به الأوضاع الاقتصادية في البلاد؛ فينقذ الفقراء من فقرهم، أو يشتري به سلاحًا، أو يبني به مدينة أو يصلح به طرقا أو... وهذا يعني أنه قد أصبح لرئيس الدولة الإسلامية ميزانية خاصة يتصرف فيها تصرفًا سريعًا حسب مقتضيات المصلحة، وقد ذكر سبحانه وتعالى في الآيتين اللتين أوضحتا سياسته عليه الصلاة والسلام في تقسيم فيء بني النضير إذ اختص به أناسًا دون آخرين العلة في ذلك في قوله تعالى: ( مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر: 7]. أي لكي لا يكون تداول المال محصورًا فيما بين طبقة الأغنياء منكم فقط والتعليل لهذه الغاية يؤذن بأن سياسة الشريعة الإسلامية في شؤون المال، قائمة في جملتها على تحقيق هذا المبدأ، وأن كل ما تفيض به كتب الشريعة الإسلامية من الأحكام المتعلقة بمختلف شؤون الاقتصاد والمال يبغي من ورائه إقامة مجتمع عادل تتقارب فيه طبقات الناس وفئاتهم ويقضى فيه على أسباب الثغرات التي قد تظهر فيما بينها، والتي قد تؤثر على سير العدالة وتطبيقها. 

ولو طبقت أحكام الشريعة الإسلامية وأنظمتها الخاصة بشؤون المال من إحياء لشريعة الزكاة ومنع للربا وقضاء على مختلف مظاهر الاحتكارات لعاش الناس كلهم في بحبوحة من العيش قد يتفاوتون في الرزق، ولكنهم جميعًا مكتفون وليس فيهم كَلٌّ على آخر، وإن كانوا جميعًا يتعاونون.

وبعد بيان العلة في توزيع أموال الفيء عقب سبحانه بأمر المسلمين بأن يأخذوا ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ينتهوا عما نهاهم عنه، وأن هذا من لوازم الإيمان، وأمرهم بالتقوى، فإن عقابه شديد وأليم للعصاة. قال تعالى: ( مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر: 7]. أي: ما أمركم به الرسول صلى الله عليه وسلم فافعلوه، وما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بكل خير وصلاح، وينهى عن كل شر وفساد. وقوله: ( وَاتَّقُوا اللهَ ) خافوا ربكم بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. وقوله: ( إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) أي فإن عقابه أليم وعذابه شديد لمن عصاه وخالف ما أمره به، قال المفسرون: والآية وإن نزلت في أموال الفيء إلا أنها عامة في كل ما أمر الله به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه من واجب, أو مندوب، أو مستحب, أو محرم، فيدخل فيها الفيء وغيره وقد جاءت آيات كثيرة تربي الأمة على وجوب الانقياد لحكم الله تعالى، ولحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك في كل الأمور, قال تعالى: ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [النساء: 65]. 

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم, واختلافهم على أنبيائهم»

فضل المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان

1- فضل المهاجرين: بينت الآيات الكريمة في سورة الحشر فضل المهاجرين على غيرهم، فهم لهم الدرجة الأولى، فقد اشتملت الآيات على أوصافهم الجميلة, وشهد الله لهم بالصدق, قال تعالى: ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) [الحشر: 8]. 

2- فضل الأنصار: فقد وضحت الآيات فضل الأنصار، وقد وصفهم الله بهذه الصفات, قال تعالى: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الحشر: 9]. 

3- فضل التابعين لهم بإحسان: وهم المتتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة، الداعون في السر والعلانية لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان قال تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) [الحشر: 10]. وهكذا تحدثت السورة الكريمة عن صور مشرقة للمهاجرين، والأنصار والتابعين لهم بإحسان. 

موقف المنافقين في المدينة.

بينت الآيات الكريمة حالة المنافقين، ووضحت موقفهم وتحالفهم مع إخوانهم من اليهود، وكشفت أيضا موقفهم من المسلمين، وموقف اليهود ونفسياتهم قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) [الحشر: 11]. 

يخبرنا المولى عز وجل عن المنافقين كعبد الله بن أبي وأضرابه حين بعثوا إلى يهود بني النضير يعدونهم بمناصرتهم، وقوله: ( لإِخْوَانِهِمُ ) أي الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر, وهم يهود بني النضير، وجعلهم إخوانًا له لكون الكفر قد جمعهم، وإن اختلف نوع كفرهم، فهم إخوان في الكفر. 

تحريم الخمر

حرمت الخمر ليالي حصار بني النضير في ربيع الأول من السنة الرابعة من الهجرة، وقد خضع تحريم الخمر لسنة التدرج، وكان ذلك التحريم على مراحل معروفة في تاريخ التشريع الإسلامي, حتى نزلت الآيات الحاسمة في النهي عنها من سورة المائدة، وفي ختامها ( فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ ) [المائدة: 91] قال المؤمنون في قوة وتصميم: قد انتهينا يا رب وفي قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) [البقرة: 219]. 

يقول سيد قطب رحمه الله: وهذا النص الذي بين أيدينا كان أول خطوة من خطوات التحريم, فالأشياء والأعمال قد لا تكون شرًّا خالصًا فالخير يلتبس بالشر، والشر يلتبس بالخير في هذه الأرض، ولكن مدار الحل والحرمة هو غلبة الخير أو غلبة الشر، فإذا كان الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع، فتلك علة تحريم ومنع وإن لم يصرح هنا بالتحريم والمنع. 

هنا يبدو لنا طرف من منهج التربية الإسلامية القرآنية الربانية الحكيمة وهو المنهج الذي يمكن استقراؤه في الكثير من شرائعه وفرائضه وتوجيهاته، ونحن نشير إلى قاعدة من قواعد هذا المنهج بمناسبة الحديث عن الخمر والميسر، عندما يتعلق الأمر أو النهي بقاعدة من قواعد التصور الإيماني أي بمسألة اعتقادية، فإن الإسلام يقضي فيها قضاء حاسمًا منذ اللحظة الأولى. ولكن عندما يتعلق الأمر أو النهي بعبادة وتقليد، أو بوضع اجتماعي معقد، فإن الإسلام يتريث به ويأخذ المسألة باليسر والتدرج، ويهيئ الظروف الواقعة التي تيسر التنفيذ والطاعة, فعندما كانت المسألة مسألة التوحيد أو الشرك أمضى أمره منذ اللحظة الأولى في ضربة حازمة جازمة لا تردد فيها ولا تلفت، ولا مجاملة فيها ولا مساومة، ولا لقاء في منتصف الطريق؛ لأن المسألة هنا مسألة أساسية للتصور، لا يصلح بدونها إيمان ولا يقام إسلام. 

فأما الخمر والميسر، فقد كان الأمر أمر عادة وألفة، والعادة تحتاج إلى علاج، فبدأ بتحريك الوجدان الديني المنطقي التشريعي في نفوس المسلمين، بأن الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع, وفي هذا إيحاء بأن تركهما هو الأولى ثم جاءت الخطوة الثانية بآية سورة النساء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيِكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) [النساء: 43]. والصلاة في خمسة أوقات، معظمها متقارب، لا يكفي ما بينها للسكر والإفاقة، وفي هذا تضييق لفرص المزاولة العملية لعادة الشرب، وكسر لعادة الإدمان التي تتعلق بمواعيد التعاطي، إذ المعروف أن المدمن يشعر بالحاجة إلى ما أدمن عليه من مسكر أو مخدر في الموعد الذي اعتاد تناوله، فإذا تجاوز هذا الوقت وتكرر هذا التجاوز فترة حد العادة، أمكن التغلب عليها، حتى إذا تمت هاتان الخطوتان جاء النهي الجازم الأخير لتحريم الخمر والميسر. ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ ) [المائدة: 91].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين