أمنيات الشباب

هذه كلمات كتبت وألقيت مرتجلة قبل سنوات عندما كنت أخطب في جامع الرضا بجدة، وفيها تذكير بموضوعات يمكن أن يستفيد منها الخطيب والداعية، وقد تكرم الأخ الحبيب طارق بصفها ، وشجع على نشرها في الموقع . وأرجو أن تكون فيها فائدة.

كثيرٌ من الشباب يعيش مع أمانيه وأحلامه، وهذه الأماني والآمال تلازمه كلما رأى عرضاً يفتقده: فهو إن مرَّ أمام قصر تمنى لو أن له مثل هذا القصر، وإن رأى ثرياً تمنى لو كان ذا رأس مال وهكذا.

وللأمنية عمق بعيد الأغوار في النفس، فالأمنية صورة النفس الخفية التي لا اطلاع عليها لبشر، وبالأمنية ينكشف بعض ذلك الستار المسدول عليها.

وهي تدل على توجه وغاية المتمني، وإلى أيِّ اتجاه يسير، وإلى أي غاية يقصد ويرمي، والغاية والقصد هي التي تحدِّد السلوك والعمل.

كما أن لها عاقبتها: كما جاء في الحديث الصحيح: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي ربه فيه، ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل.

وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء.

وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهو بأخبث المنازل.

وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، وذنبهما سواء.

ماذا صنعت الأمنية للأول ؟ لقد رفعته على الرغم من فقره.

وماذا صنعت الأمنية للآخر؟ هوت به إلى حضيض العابثين بالأموال المبذرين لها؟ على الرغم من أنه لا يملك شيئاً.

بل إن للأمنية عاقبةً أعظم من هذا! أليس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: من سأل الله الشهادة بصدق أنزله الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.

فهو بالأمنية يرتفع إلى درجة الشهداء، وإن مات على فراشه.

وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تكون أماني الشباب محصورة بين قوسي الدنيا، فإن الإنسان مهما أوتي منها فلن ينتهي إلى حد، ولو أن لابن آدم وادياً من ذهب لأحب أن يكون له ثانياً، ولو كان له قصر لتمنى ثانياً... وكلما تحققت له أمنية تاقت النفس إلى أخرى، ويموت وفي نفسه أمنيات لم تتحقق.

هل رأيتم غنياً توقف عند حدٍّ معين في أماني غناه؟ وهل رأيتم حاكماً وقف عند حدٍّ معيَّن في تمني سعة سلطته؟

إنَّ قصر الأمل هنا مطلوب: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، أو مستظل بظل شجرة، ثم ذهب وتركها، وانظر إلى من هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك.

وهذا على النقيض من أماني الآخرة:

فالشهادة في سبيل الله من أعلى الأماني، وهي أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده، وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الذي هو أعلى الجنة).

هذا هو الطموح الحقيقي الذي يرعاه الإسلام وينميه في أعماق القلوب، الطموح نحو تحقيق الثمرة الخالدة الغالية.

وقد يقول قائل: إن في هذا المنهج الذي تدعو إليه قتلاً للطموح، وإيقافاً لدولاب الحياة القائم على الأمل.

والجواب: إن أماني الدنيا قد طغت، وأصبحت الوسيلة غاية، ونسينا الغاية، إننا إذا جعلنا الآخرة غايتنا وأمنيتنا الكبيرة، ستأتي سائر الأماني مطوعة للأمنية المنشودة الكبرى.

إن الفرق كبير جداً بين صنفين من الشباب في الاهتمامات المستقبلية:

1 ـ فرق بين مَن غاية طموحه أن يتملك سيارة فارهة، يجوس بها خلال الديار، ويزعج الناس بصوت إطاراتها، يحمل معه فيها صديقاً... فرق بين ذلك الشاب، والشاب الذي يتعدى طموحه إلى أن يطمح في تحقيق نصر وعزة للإسلام، والمسلمين، أو يطمح إلى أن يكون عالماً يشار إليه بالبنان، أو داعية، أو مجاهداً يخضب الأرض بدمه.

2 ـ فرق كبير بين مَن غايتُه ومناه أن يمتلك بيتاً واسعاً، ويقترن بزوجة حسناء، ومن يهفو إلى أن يكون من المتقين الذي هم: [إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ] {القمر:55}.

3 ـ فرق كبير من يبيت أرقاً، لأنَّ صديقه الذي امتلأ قلبه بحبه، قد تركه إلى غيره، أو لأن فريقه الذي يشجعه قد مني بخسارة كبيرة في مباراة رياضية، وبين من يسهر الليل يتقلب على فراشه، أسفاًَ وحزناً لواقع الأمة الإسلامية التي أصبحت تئن تحت مطارق الضربات ليلاً ونهاراً.

4 ـ فرق كبير بين من يُعِدُّ العدة ويحصي الأيام والليالي منتظر الإجازات ليسافر إلى أماكن الفساد والرذيلة إلى (بانكوك) أو (كازبلانكا) أو (باريس) ليبيت في أحضان المومسات، ويتعاطى المخدرات، ويعود إلى بلده وقد فقد الدين والحياء والخلق، فرق كبير بين هذا الشاب، وشابٍ آخر يعد العدة، ويترقب الفرصة ليسافر ليحيي شعيرة من شعائر الله عزَّ وجل، بالجهاد في سبيل الله في الأرض التي ترفع فيها أعلام الجهاد في سبيل الله تعالى.

5 ـ فرق كبير بين من ينعم برضا أمِّه وأبيه، فإذا أراد الخروج من البيت قالت له أمه: يا ولدي حفظ الله في حلك وترحالك، فيقبل يدها ورأسها ويدعو لها، ويخرج وملء قلبه الرضا والسرور، فرق بينه وبين إنسان آخر، يدخل على والديه فلا يلتفت إليهما ولا يتلفتان إليه، هما يدعوان الله تعالى عليه بكرة وعشياً أن يهلكه حتى يرتاحا من شره.

هذا حال شباب الأمة: صنفان وفريقان، لا يستويان، منهم الصالحون ومنهم الطالحون، فمن أيِّ الفريقين تريد أن تكون؟.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

نشرت 2010 وأعيد تنسيقها ونشرها 20/7/2020

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين