الشذوذ الجنسي بين الدين والعلم

خلال السنوات القليلة الماضية خرجت إلى العلن بعض المواضيع التي كانت في الماضي من المحظورات التي يدور الحديث عنها في السر، في الغرف المغلقة، منها الحديث عن "الشذوذ الجنسي" أو ما اشتهر في أيامنا باسم المثلية الجنسية (Homosexuality) أي ممارسة الجنس بين شخصين من نفس الجنس ( فعل قوم لوط، والسحاق) وهي الممارسات التي نصت كل الديانات السماوية على تحريمها، لمخالفتها الفطرة، ولما ينتج عنها من أمراض عضوية خبيثة كالإيدز (AIDS) والأمراض النفسية والاجتماعية التي كثيراً ما تنتهي بصاحبها إلى الانتحار!

وقد بلغ من الترويج للمثلية في عصرنا أن دولاً عديدة أباحتها رسمياً، بل سمحت كذلك بالزواج بين المثليين، وصار انتقاد المثليين عملاً غير قانوني يعرض صاحبه للمحاكمة والعقاب، في خطوة فاضحة تذكرنا بموقف قوم لوط الذين قالوا : (أخرِجُوا آلَ لوطٍ مِن قَريَتِكُم إنهُم أناسٌ يَتَطَهرون) سورة النمل 56 ، ففي أيامنا صار الشذوذ عند البعض هو الطهر، وصار الإيمان رجس، وإرهاب، وتطرف !؟

• لكن كيف حصل هذا في عصرنا .. عصر العلم والتنوير والوصول إلى القمر؟

• لقد كانت هناك 3 محطات تاريخية مهمة في تغير الموقف من الشذوذ الجنسي أبرزها :

@ المحطة الأولى : ترتبط بالكنيسة، فبالرغم من أن قصة قوم لوط وردت في 24 نص من نصوص "الكتاب المقدس" إلا أنها خلت من أية إشارة إلى ما نزل بقوم لوط من دمار ! ويبدو أن هذا التحريف الذي طرأ على القصة في الكتاب المقدس قد أثر تأثيراً لاحقاً في موقف رجال الكنيسة من المثلية، فأخرجوها من دائرة المحرمات، وهكذا وجدنا بابا الفاتيكان "فرانسيس" يتهرب من وصم المثلية بالشذوذ في خطاب شهير له في عام 2013 قال فيه : "من أنا لأدين المثليين؟!" وهو نفس السبب الذي جعل البابا الأسبق "بندكت السادس عشر" يدعو إلى "العناية بالمثليين وعدم تهميشهم، أو ازدرائهم" رافضاً إصدار إدانة في حقهم .

وجاءت الخطوة التالية من الكنيسة في عام 1955 حين سمحت بنشر كتابات تستبعد المثلية صراحة من قائمة "المحرمات" فظهر كتاب "المثلية الجنسية والتقليد المسيحي الغربي" من تأليف <دي. إس. بايلي> الذي أبرز فيه سكوت الكتاب المقدس عن أفعال قوم لوط، وأن القوم قد دمرهم الرب بسبب سوء الضيافة، لا بسبب السقوط الجنسي !

@ المحطة الثانية : تعود إلى العام 1973 الذي عقد فيه مؤتمر حاشد لأطباء النفس في مدينة "سان فرانسيسكو" الأمريكية، وخرج المؤتمر- لأول مرة في تاريخ علم النفس – بتوصية تقول : "إن المثلية الجنسية ليست مرضاً، وينبغي شطبها من قائمة الأمراض، لأن المثلية ممارسة طبيعية لا تعني أي مرض أو اضطراب نفسي" (؟!)

@ المحطة الثالثة : ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية من خلال بعض البحوث الطبية التي زعمت اكتشاف مورثة الشذوذ (Gay Gene) فيمن يمارسون المثلية، ما يعني أن المثليين – حسب هذا الزعم – ليسوا مخيرين بممارسة الشذوذ، بل هم مجبرون بسبب هذا التكوين الوراثي المفروض عليهم من الرب ! إلا أن أوساط علمية عديدة لم تعترف بهذا الاكتشاف، ولا بارتباط هذا السلوك الشاذ بالمورثة المزعومة .

إما وسائل الإعلام الداعرة فقد التقطت الخبر وبدأت تتاجر به، وتنشر البشرى بهذا الاكتشاف الذي يبرئ الشاذين، ويمنحهم "صك غفران" يطالبون به المشرعين القانونيين بوضع التشريعات التي تحمي حقوقهم، وتعيد لهم الحرية التي ظلت تنتهك من قبل الأديان على مدى قرون طويلة !! 

وكانت فرحة الشاذين والملحدين بهذا الإعلان لا تقدر، فوجدنا مثلاً الملحد المصري "شريف جابر عبد العظيم" ينطلق في تبشير أضرابه من الشاذين أن المثلية الجنسية سلوك طبيعي لا ينبغي الخوف منه ولا معارضته، وإنما يجب دعمه والتصالح معه . ووجدنا الملحد "كلنتون ريتشارد دوكنز" أستاذ علم الأحياء التطوري في كلية أوكسفورد الجديدة يرى في هذا الكشف المزعوم برهاناً جديداً على تهافت الأديان التي تفرض القتل على أشخاص (طاهرين !؟) .

• فماذا كانت نتيجة هذه المحطات التي بشرت بطهارة الشاذين ؟

• كانت النتيجة أن ازداد التوجه في الغرب خاصة، والعالم عامة، نحو تبني "المثلية الجنسية" ففي عام 2015 قضت المحكمة الأميركية العليا بالسماح بزواج المثليين في عموم الولايات المتحدة بعد أن كان السماح مقتصراً على 36 ولاية فقط من أصل 50 ولاية، وبهذا التحقت الولايات المتحدة بالدول التي تسمح بالزواج المثلي، كالدنمارك وهولندا وبلجيكا وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرهم .

• فما هي حقيقة الادّعاءات العلمية حول الشذوذ الجنسي؟!

• وهل المثلية الجنسية سلوك طبيعي ناشئ حقاً عن مورثة تطوّرت عبر السنين؟!

تبين المراجع العلمية المعتبرة أن الكثير من علماء الوراثة نفوا أية علاقة للوراثة بالمثلية، من ذلك ما أثبته الكاتبان العلميّان الأخوان "نيل وايتهيد" و "بريار وايتهيد" في كتابهما (جيناتي جعلتني أفعلها!) اللذان قالا في مقدّمة الكتاب : "إن الغرب كان موضوعاً لحملة من التضليل والخداع في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة، جعلت مؤسساته العامة من المشرّعين إلى القضاة ومن الكنائس إلى التخصّصات الصحيّة يؤمنون بشكل واسع أن المثلية الجنسية موروثة عضوياً ولا يمكن الخلاص منها"، فالمسألة كانت تضليلاً إعلامياً فاضحاً كما يرى هذان العالمان، وقد وافقهما بهذا الرأي الباحث الإعلامي "مارك دايس" الذي كتب يقول : "إن الإعلام اللبرالي أجرى عملية غسيل مخ من خلال بروباغاندا المثليين الجنسيين حتى يقنع الأمريكان بارتفاع نسب الشذوذ الجنسي" ! 

ومما يظهر الدور الخبيث للإعلام في الترويج للمثلية أن عالِم الوراثة الأمريكي الشهير <دين هامر> نشر بحثاً حول أكذوبة الربط بين علم الجينات والمثلية الجنسية، فتلقَّت الصحف الأمريكية الخبر ونشرته تحت عنوان مثير، هو : (باحث يكتشف جين الشذوذ الجنسي) إلّا أن الباحث نفسه سارع إلى نفي الأمر، وصرّح قائلاً : "لم نكتشف الجين المسؤول عن التوجّه الجنسي، بل نعتقد أنه ليس موجودًا أصلاً" .

كما صدرت دراسات وبحوث أخرى كثيرة، منها بحث واسع أجراه فريقٌ من الباحثين بجامعة "نورث ويستيرن" الأمريكية في عام 2014 وقد شمل البحث فحص الحمض النووي لـ 400 ذكر من المثليين الجنسيين، ولم يتمكّن الباحثون من العثور على جين مسؤول عن التوجه الجنسي عند هؤلاء المثليين .

وتجدر ملاحظة أن الدراسات المتعلّقة بالشذوذ الجنسي ليست مثل بقية الدراسات المتعلقة بالأمراض العضوية؛ فالبحث عن أسباب الشذوذ الجنسي هو بحث إشكالي يمكن توظيفه بسهولة في أغراض عديدة بسبب تعلقه بالدين والأخلاق والعادات والثقافة عامة .

وقد نشر البروفيسور"دوغلاس أبوت" أستاذ الدراسات العائلية في جامعة نبراسكا مقالة مهمة جداً قال فيها : "كثير من الناس يعتقدون أن الجينات تتسبب في سلوك نفسي مركّب، لكن الأمر ليس كذلك، ففي أغلب الحالات، ينتج السلوك من تأثير جيني نتيجة تفاعله مع العوامل البيئية" ما يعني أن البيئة هي السبب الحقيقي في الشذوذ، وليست الوراثة، فالبيئة الحاضنة للشذوذ هي التي تجعل الشخص يمارس الشذوذ، كما ذكر القرآن الكريم عن البيئة الفاسدة التي انغمس فيها قوم لوط : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) سورة العنكبوت 28 و29 .

حقائق فاضحة حول انتشار الشذوذ الجنسي :

من الحقائق المثيرة للاهتمام أن نسبة الشذوذ الجنسي سجلت ارتفاعاً كبيراً في أوساط الكنائس الغربية، بل سجّل بعضها معدلات قياسية، ومن ذلك ما صرح به الأسقف الأمريكي <مالكولم بويد> الذي قال إنه "قابل شاذين في المعاهد الدينية الكنسية أكثر ممّا قابل في حياته في هوليوود" !

وفي عام 2000، نشرت "صحيفة تايمز" البريطانية تقريراً يفيد بأن الوفيات الناتجة عن مرض الإيدز (AIDS) وسط رجال الدين المسيحيين الأمريكان تتجاوز 10 مرّات نسب الوفيات بنفس المرض في بقية المجتمع !

ونشرت تقارير أخرى عديدة تشير إلى ارتفاع كبير في معدلات المثلية الجنسية في كليّات اللاهوت الأمريكية، تصل أحياناً إلى 30% من المجتمع الجامعي هناك . 

وفي هذا دليل آخر على أن الشذوذ يرتبط بالعوامل الاجتماعية، لا بالوراثة ، بدليل انتشاره في هذه البيئات الفاسدة !

*****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين