وفاة الشاعرالاسلامي الأديب المفسر الحسناوي - انتقال محمد الحسناوي إلى رحمة الله
وفاة الشاعر الكبير الأديب المفسر الأستاذ: محمد الحسناوي رحمه الله تعالى
 
تنعى رابطة علماء سورية إلى الأمة الإسلامية وفاة الأستاذ المربي الداعية،المفسر المتذوق لبلاغة القرآن وإعجازه، الأستاذ محمد الحسناوي الذي توفي في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، صباح هذااليوم 14/صفر1428هـ الموافق4/آذار2007م، في تمام الساعة العاشرة صباحاً.
عن عمر يناهز السبعين عاماً ،وقد أنهى حياته الحافلة بالدعوة، والجهاد،بالانكباب على كتاب الله عز وجل في عدة دراسات، كان آخرها دراسة بلاغية لأربعة سورمن القرآن الكريم، وهي: الإسراء، الكهف، مريم،و طه.
ولد الأستاذ الحسناوي في مدينة جسر الشغور عام 1938م، وهي مدينة تقع على نهرالعاصي في منتصف الطريق بين حلب واللاذقية، تخرج في كلية الآداب بجامعة دمشق عام 1961م. ونال شهادة الماجستير في موضوع الفاصلة في القرآن عام 1972م، وعمل مديراًلتحرير مجلة حضارة الإسلام لمدة عام 1961. كما عمل مدرساً للغة العربية في محافظةحلب ثمانية عشر عامأً من عام 1962ـ1980م. إلى أن اضطر إلى مغادرة القطر السوريبملابسات تتعلق بأوضاع البلاد العامة.
كتب في عدد من المجلات الأدبية والإسلامية المعروفة، وفي دراسته للفاصلة في القرآنوهي ـ كلمة آخر الآية كقافية الشعر وسجعة النثر اكتشف آثاراً مهمة للموسيقىالقرآنية
شارك في عدد من المؤتمرات الأدبية، ونال عدداً من الجوائز في أدب الأطفال والقصةالإسلامية.
من دواوين شعره المنشورة: عودة الغائب، في غيابة الجب، ملحمة النور.
وفي الدراسات الأدبية: في الأدب والأدب الإسلامي، وفي الأدب والحضارة، صفحات فيالفكر والأدب.
وفي التاريخ: ذكرياتي عن السباعي.
وقد أرسلت إليه كتابي "المعين على تدبر الكتاب المبين" فكتب كلمة حوله ،لعلها آخرما كتبه، نقتطف منهاما يلي:
  
تفسير(المعين على تدبر الكتاب المبين )
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من اهتدى بهداه إلى يوم الدين .
وبعد ...
فقد رغب إليَّ من لا تُردُّ رغبته ، الأخ الشيخ مجد مكي ، أن أكتب له مقدمة لتفسيره     ( المعين على تدبر الكتاب المبين) ، لظنه الحسن بي . وأسأل الله تعالى أن يجعلني عند حسن ظنه ، لأن بضاعتي محدودة بعلوم اللغة العربية وبشيء يسير من علوم القرآن الكريم .
لقد سرّني أيما سرور أن يسدّ أحد الكتاب المعاصرين ثغرة في تأليف كتاب تفسير ، يجمع بين السهولة والإيجاز والدقة في الفهم والتعبير ، ويلائم أهل هذا العصر في الوقت نفسه .
من يطالع (المقدمة ) التي حررها المؤلف يجد ما يطمئنه ، ما وضع المؤلف نفسه من صوى ومعالم ، عمل على تحقيقها في هذا التفسير : من استشعار عظمة هذا العمل وخطورته ، والإفادة من جهود الجهابذة السابقين المعتمدين ، والعناية بالجانب ( التدبري ) من نص القرآن ، ضمن (أرع عشرة قاعدة ) ألزم نفسه الأخذ بها . إحداها : ( ملاحظة العمق القرآني ) ، والقرآن الكريم (حمَال أوجه ) , و ( كتاب لا تنقضي عجائبه ) وفيه من (معنى المعنى ) أو ( اللوازم الفكرية ، والكنايات البعيدة ) و(ظاهرة التضمين) ما بلغ حدّ الإعجاز ، لذلك يتفاوت الناس ، بما فيهم العلماء الأفذاذ ، في مقدار فهمه وتذوق حلاوته ، كما يتفاوتون في القدرة على التعبير عما فهموه وأحسوا به من كلمات هذا الكتاب المحكم وآياته وسوره .
كنت أقول في نفسي ، وما زلت ، لقد حصل لي من علوم العربية والأدب والقرآن مثل ما حصل للمرحوم سيد قطب فلمادا يقصر فهمي عن فهمه له ، كما يقصر تعبيري عن تعبيره ؟ هل هي ( الذائقة الفنية ) التي تمتع بها ؟ أم ماذا ؟ فيجيب سيد قطب عن إدراك النصوص القرآنية : ( إنما تُدرك أولاً وقبل كل شيء بالحياة في جوها التاريخي الحركي ، وفي واقعيتها الإيجابية ، وتعاملها مع الواقع الحيّ ... إنما هي استعداد النفس برصيد المشاعر والمدركات والتجارب تشابه المشاعر والمدركات والتجارب التي صاحبت نزوله ، وصاحبت حياة الجماعة وهي تتلقاه في خضم المعترك ... معترك الجهاد ، جهاد النفس وجهاد الناس .... جوّ مكة .... جوّ المدينة .... جوّ (بدر ) و( الخندق ) و( الحديبية ) .... في هذا الجو الذي تنزلت فيه آيات القرآن حية نابضة واقعية ..... كان للكلمات وللعبارات دلالاتها وإيحاءاتها ... وفي مثل هذا الجو الذي يصاحب محاولة استئناف الحياة الإسلامية من جديد ، يفتح القرآن كنوزه للقلوب ، ويمنح أسراره ، ويُشيع عطره ، ويكون فيه هدى ونور ) ( انظر خصائص التصور الإسلامي – ص7و8 ) وأين نحن من ذاك ؟
لما عرضت جهد أخي الشيخ مجد على هذا المعيار وجدته قد أفلح في تحقيق الكثير مما ألزم نفسه به ، لكنه ، بالقياس إلى معيار سيد قطب ـ كما أجد نفسي ـ بحاجة إلى مزيد من الجهد والصقل والعيش في ( جو القرآن ) .
إن صاحب تفسير ( المعين ) ، الذي أدمن الدراسة في كتب التراث ،ولا سيما كتب   الفقه ، من متون وشروح وشروح الشروح والمختصرات ، انطبع أسلوبه بأسلوب كتابها ، والمعلوم أن أسلوب العلماء أولئك، وشعر العلماء دون الأساليب الرفيعة حين تفتقد الماء   والرونق ، نستثني منهم أسلوب الإمام الشافعي،والغزالي، وابن خلدون، وابن تيمية، وابن القيم، وابن الجوزي، وأمثالهم .
        وبالمناسبة أوصي نفسي والمعنيين بدراسة القرآن الكريم وتفسيره بالتفطن إلى ( معادلة ) دقيقة تجمع بين وحدة الآية أو استقلالها من جهة ، وبين علاقتها بما قبلها أو بعدها من الآيات من جهة ثانية ، علاقة استكمال أو تكامل أو تقابل أو تعليق أو ختام .
 فتفسير الآية يحتاج أولاً إلى إدراك العلاقة الواشجة بين أجزائها ، ولا سيما علاقة كلمة الفاصلة التي هي ركن مهم فيها ، وقد كشف العلماء عن أربعة أنواع من هذه العلاقة : ( التمكين – الإيغال التصدير – التوشيح ) . ومثل ذلك علاقة التعليق أو التعقيب في آخر الآية . نضرب على ذلك مثلاً من سورة الروم ، حيث يتردد تعقيب في ختام الآيات ( 21- 24 ) بصيغة واحدة مع تباين في كلمات الفاصلة :
          ( ... إن ّ في ذلكَ لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون ) ( 21) .
          ( ... =    =   =   =   للعالميــــــــن ) ( 22) .
          ( ... =    =   =   = لقومٍ يسمعون ) ( 23) .
         ( ...   =    =   = = لقوم ٍ يعقلون ) ( 24 ) .
   هذا التباين في كلمات الفاصلة ( يتفكرون – للعالمين - - يسمعون – يعقلون ) ذو صلة بمضمون الآية أو بالقرينة التي تشغل الشطر الأول من الآية ، ويشغل التعليق الشطر الثاني منها .؟ فالله تعالى خلق الأزواج والأنفس ، وجعل المودة والرحمة بينهم مما يدعو إلى تفكر المتفكرين ، لما في ذلك من آيات عميقة لا يدركها إلا أصحاب العقول والألباب ، أما تنوع الألسن واللغات وسمات الوجوه والأقوام والجماعات ( البيض – السمر – الحُمر – الصُفر – السود ) فيستدعي علم العالمين . ومن كرم الله وفضله الدالّ على قدرته : معجزة إنزال الماء من السماء ، من خلال البرق والرعد المخيف المطمع في وقت واحد ، الباعث للحياة في الأرض الموات ، يروي البشر والشجر والدواب ، وفي ذلك ما فيه من علامات وإشارات لأصحاب العقول الراجحة للاهتداء إليه سبحانه وإلى عظيم قدرته وخلقه . وأخيراً إن نظام النوم في الليل للراحة واليقظة في النهار للعمل في طلب الرزق .. يدعو أصحاب العقول للتأمل والتفطن إلى الأسرار والنعم التي تترتب على هذا النظام .
      وهكذا جمعت التعليقات الأربعة بين التناظر في الصيغة والتباين في الدلالة ، مع ارتباط كل منها بآيتها ارتباطاً وثيقاً . وهذه بعض ملامح الجمال والإعجاز .
      مما نوصي به المعنيين: الاهتمام بأسلوب الالتفات في القرآن الذي هو التحويل في التعبير الكلامي من اتجاه إلى آخر من جهات أو طرق الكلام الثلاث : (التكلم والخطاب والغيبة ) مع أن الظاهر في متابعة الكلام يقتضي الاستمرار على ملازمة التعبير وفق الطريقة المختارة أولاً دون التحول عنها . وهو فن من فنون القول يلقب بشجاعة العربية ، وأحد نواحي الإعجاز في حيويته وروعة تنقله وفي تأثيره في الإعراض والإقبال أو المفاجأة أو الاستحضار ، كما هو أحد الأساليب التي تندرج تحت مسمى الخروج عن الظاهر ، لغرض فنيّ أو ديني أو للأمرين معا ، وما أكثر ذلك وما أروعه!!
      أما جوانب التوفيق في هذا السفر الجليل فكثيرة ، نمثل لها بالوحدات التي يستنبطها المؤلف من سياق الآيات ، بإبرازها متسلسلة رقمياً ، مما (يعين) على تدبرها ، ثم العمل بها بعد التدبر . ففي سورة (الإسراء ) يستنبط ثلاث وظائف كبرى للقرآن الكريم :
     ( الوظيفة الأولى : يدل ويرشد إلى الطريقة التي هي الأقرب إلى الاعتدال الكامل في كل سلوك بشريّ .
      و الوظيفة الثانية : يبشر القرآن المؤمنين إيماناً صحيحاً صادقاً ، الذين يعملون الصالحات ، بأن لهم أجراً كبيراً ينالونه في الجنة .
       والوظيفة الثالثة : ينذر الذين لا يؤمنون بالآخرة بأننا هيئنا لهم عذاباً مؤلماً في النار )
        كما يستنبط ثلاث عشرة وصية تكليفية ، بقضاء مبرم ، موجهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل فرد من أمته ، أولها ( لا تعبدوا إلا الله ) ، وآخرها (اجتناب مشية البطر والتكبر والخيلاء في الأرض ) . ومثل ذلك استنباطه عدد الخوارق الستة ، التي طالب بها مشركو قريش لينقادوا للإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي من باب التعنت والتعجيز .
         أهنيء أخي الشيخ مجد مكي على إنجازه هذا السفر النافع ، وعلى رحابة صدره في تقبل النقد والسعي الدائب للصقل والتجويد ، وأسال المولى تعالى أن يتقبل عمله ، وأن يجزيه خير ما يجزي به العاملين في خدمة كتابه العظيم ، إنه نعم السميع ونعم المجيب . والحمد لله ربّ العالمين 
                                                       وكتبه : محمد الحسناوي
 
 
استمر الاستاذ الحسناوي على عطائه رغم معاناته من الفشل الكلوي الذي نزل به منذثلاث سنوات، وكان آخر لقاء معه في زيارته لمكة المكرمة في شهر رمضان الفائت 1427هـ. ونقدم العزاء بوفاته لأسرته ولجميع إخوانه، ونسأل الله عز وجل أن يعوض المسلمين خيراً، وصلىالله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين