المداراة والمداهنة

  كثيرًا ما يكون بين الحقِّ والباطل شعرة، لا تبينُ إلا لذوي البصائر، لا سيما إذا كبُر القدر المشترك بين المفاهيم المتقاربة فعندها يعظم الغلطُ والالتباس، ومن ثم الزللُ والارتكاس.

    من تلك المفاهيم المتقاربة المداراة والمداهنة، فكلاهما فيه إظهار اللين مع المخالف والتلطف به عند ملاقاته في القول والفعل. والتشابه الكبير بينهما في هذا الجانب هو الذي جعل الأمر يلتبس على بعض الناس فيداهن أهل الباطل وهو يظن أنه يداريهم.

  إنَّ المداراة من أخلاق المؤمنين المحمودة، وهي تدور بين الندب والرخصة، بينما المداهنة من أخلاق المنافقين وضعفاء الإيمان، وهي مذمومة من كل وجه، والفرق بين هذه المراتب إنما يكون في الغرض والباعث.

    فالدفعُ بالتي هي أحسن مع المخالف المُسيء من المداراة المحمودة، إذ تجعله وليًا حميما، وما يُلقَّاها إلا الذين صبروا. 

ودرءُ من تخشى ضرره أو أذيته فتكرمه اتقاءَ شرِّه، من المداراة الجائزة شرعًا، وهي التقيَّة التي أذن الله بها مع الأشرار، شريطةَ ألا يكون ذلك على حساب ثوابت الدين.

واللين مع المبطلين وأهل المعاصي، والتلطف بهم تأليفًا لقلوبهم وطمعًا في هدايتهم وتوبتهم مُلحقٌ بما تقدَّم على الشرط ذاته.

  أما مجاملةُ أهل الباطل والسكوت عن منكراتهم وفسادهم وإفسادهم بيعًا للدين بالدنيا، والباقي بالفاني، واسترضاءً للمخلوق بسخط الخالق، وإيثارًا للسلامة، وحرصًا على المنصب والجاه، والتنازلُ عن الثوابت سعيًا في هوى الأعداء، والمسارعة فيهم خشية أن تدور الدوائر، فكلُّ ذلك من المداهنة المحرمة الآثمة، وهو ليس من المداراة المشروعة في شيءٍ وإن تأوَّل له المتأولون، وسوَّغ له المسوغون.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين