الجوائح في الإسلام (12)غلاء مصر

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) صدق الله العظيم.

وخراب البلاد، وشتات أهلها، وانتشارهم بالمدينة، حتى ملأت الأسواق والأزقة رجالاً ونساءً وأطفالاً، يبكون ويصيحون ليلاً ونهاراً من الجوع، ويموت من الناس في كل يوم جملة كثيرة من الجوع.

وفيه أيضا هبط النيل قبل الصليب بعشرة أيام، وكان ناقصاً عن ميعاد الري نحو ذراعين، فارتجت الأحوال وانفقدت الآمال، وكان الناس ينتظرون الفرج بزيادة النيل، فلما نقص انقطع أملهم واشتد كربهم وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات – الساحات - وغلت أسعارها عما كانت، وبلغ الأردب ثمانية عشر ريالاً، والشعير بخمسة عشر ريالاً، والفول بثلاثة عشر ريالاً، وكذلك باقي الحبوب، وصارت الأوقية من الخبز بنصف فضة، ثم اشتد الحال حتى بيع ربع الوقية بريال، وآل الأمر إلى أن صار الناس يفتشون على الغلة فلا يجدونها، ولم يبق للناس من شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار في مجالس الأعيان وغيرهم إلا مذاكرة القمح والفول والأكل ونحو ذلك، وشحت النفوس واحتجب المساتير، وكثر الصياح والعويل ليلاً ونهاراً، فلا تكاد تقع الأرجل إلا على خلائق مطروحين بالأزقة، وإذا وقع حمار أو فرس تزاحموا عليه وأكلوه نياً ولو كان منتناً، حتى صاروا يأكلون الأطفال. ولما انكشف الماء وزرع الناس البرسيم ونبت أكلته الدودة، وكذلك الغلة فقلب أصحاب المقدرة الأرض وحرثوها وسقوها بالماء وزرعوها، فأكله الدود أيضاً. ولم ينزل من السماء قطرة ولا أندية ولا صقيع بل كان أهوية حارة ثقيلة، ولم يبق بالأرياف إلا القليل من الفلاحين وعمهم الموت والجلاء.

غلاء مصر

في شهر صفر الخير من سنة (1219هـ/1804م) غلت الأسعار في كل شيء، ومنع السبل، ووصل الإردب القمح ستة عشر ريالاً والفول والشعير أكثر من ذلك، لقلته وعزته، وإذا وجد منه شيء أخذته المماليك والأمراء قهراً بأبخس الثمن عند وصوله. ووصل سعر الرطل من اللحم الجفط بما فيه من العظم والكبد تسعة أنصاف، والجاموس سبعة أنصاف الرطل، وراوية الماء ثلاثون نصفاً، والسمن القنطار بألفين وأربعمائة نصف، وشح الأرز وقل وجوده وغلاته ووصل سعر الأردب منه خمسة وعشرين ريالاً، أما الخضروات فعز وجودها وغلا ثمنها، وعز وجود اللبن وغلا سعره حتى بلغ في هذا الشهر الرطل سبعين ونصفاً، والسكر العادة الصعيدي خمسة وأربعون نصفاً الرطل الواحد، والعسل الأبيض الغير جيد ثلاثون نصفاً والعسل الأسود خمسة عشر نصفاً، والعسل القطر عشرون نصفاً الرطل، والصابون أربعة وعشرون نصفاً، كل ذلك بالرطل القباني الذي عمله محمد باشا فلا جزاه الله خيراً.

والسيرج بألفين فضة القنطار، وأما البطيخ فلم يشتره أكثر الناس لقلته وغلاء ثمنه، فإنه بيعت الواحدة بعشرين نصفاً، والخيار بخمسة أنصاف الرطل. أما الفاكهة فلا يشتريها إلا الأغنياء لغلوها، فقد بلغ قيمة سطل الخوخ بخمسة عشر نصفاً، والتفاح الأخضر كذلك. وخربت البساتين، وغلت علف البهائم، وكثرت الرشاوي. 

وفي أواخر شهر جمادى الثانية تتابعت الغيوم، وحصل رعد هائل، ودخل الليل فكثر الرعد والبرق وتبعه المطر، ثم حضر أناس من جهة شرقية بلبيس وأخبروا أنه نزل بناحية مشتول صواعق أهلكت نحو العشرين من بني آدم وأبقاراً وأغناماً، وعميت أعين أشخاص من الناس.

وفي شهر ذي الحجة عدم القمح والفول والشعير، وغلا ثمن كل شيء، واستمرت سواحل الغلال خالية من الغلال هذا العام من العام الماضي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين