إذا تزوجت ثانية فاعدل وإذا كنت تنوي فتمهل

أيها الشيخ الفاضل الكريم ، أيها الداعية الحبيب الأديب . لا أحد يملك أن يلومك على زواجك من امرأة ثانية ، فهذا حق أباحه لك الشرع الحنيف . لكن الذي نعتب عليك فيه هو إهمالك الكبير لزوجتك الأولى ، وهجرك لها ، وابتعادك عنها .

هل يمكن أن تنسى سنواتِ العشرةِ الطويلة معها ؟ مهما كان الخلاف الذي بينكما ، فإنه لا يوجب هذا الهجران الطويل ! ألم يأمر الله سبحانه بالعدل بين الزوجات ؟ ألم ينه سبحانه عن أن يترك الزوج زوجته كالمعلقة فقال جل شأنه : (( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة )) أي لا هي مطلقة ولا ذات زوج ، وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء ، لأنه لا على الأرض استقر ولا على ما عُلَّق عليـه انحمل . وكما قالت إحدى صاحبات أم زرع : زوجي العشنَّق ، إن أنطق أُطلَّق ، وإن أسكت أُعلَّق . ويـقول قتـادة : كالمسجونة . بل إن (( أُبيّ )) قرأها (( فتذروها كالمسجونة )) .

يا أيها الشيخ الكريم ، إن كنت نسيت زوجتك وابتعدت عنها فهل تنسى أولادك منها ؟ إنهم في حاجة إليك ، إلى من يتابعهم ويربيهم ، إلى أب يرعى شؤونهم ويتفقد أحوالهم . إنها وأولادك ليسوا أقل حاجة إليك من زوجتك الثانية وأولادها . 

ألا تخشى أن تبعث يوم القيامة وشقك مائل ؟ أما تذكّر الناس حين تعظهم بحديثه صلى الله عليه وسلم (( من كان له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل )) ؟

أنا لا أطالبك بالعدل القلبي ، العدل في المحبة ، فهذا مما أعفاك الله منه إذ علم سبحانه أنك لن تستطيعه فقال (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )) فوصف تعالى حالة البشر بأنهم لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض نسائهم دون بعض ، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول : (( اللهم إن هذه قسمتي في ما أملك فلا تؤاخذني في ما تملك ولا أملك )) .

أجل ، أيها الشيخ الجليل ، أنت لا تملك هذا ولا تستطيعه ، لكنك تملك وتستطيع العدل في القَسْم والنفقة ، كما قال مجاهد في الآية : لا تتعمدوا الإساءة بل الزموا التسوية في القَسْم والنفقة لأن هذا مما يستطاع .

فيا أيها الشيخ الفاضل .. ويا كل زوج مُعَدِّد .. اتقوا الله في نسائكم ، واعدلوا بينهن ، في النفقة وغيرها مما أوجبه الإسلام عليكم .

ويا أيها الأزواج المتزوجون من واحدة ، وتنوون الزواج بأخرى ، فكّروا ألف مرة قبل أن تقدموا على الزواج من ثانية ، واسألوا أنفسكم مراراً : أترانا قادرين على أن نعدل لو تزوجنا الثانية ؟ هل نملك من الوقت والجهد والمال ما نوفي به حقوق زوجتين اثنتين معاً ؟! 

هل أدركت ما يجب عليك تجاه هاتين الزوجتين ؟ ستتضاعف نفقاتك ، وستتضاعف مسؤولياتك ، وستتضاعف أعباؤك . 

وإذا كان دافعك إلى الزواج من امرأة ثانية هو التخلص من عناد الأولى فتأكد من أنك ستجد الثانية عنيدة مثلها ، وإذا كنت تسعى إلى الزواج من امرأة أخرى لتهرب من كثرة بكاء زوجتك الأولى فكن واثقاً من أن الثانية ستبكي أيضاً كثيراً ، وإذا كان سبب زواجك الثاني هو الظفر بزوجة غير عاطفية تتعامل معك بعقل مجرد فإني أطمئنك بأن لن تظفر بذلك .

لأن النساء كلهن يبكين ، النساء جميعهن فيهن قدر من العناد الذي يحتاج منا قدراً من الصبر والحيلة ، النساء كلهن عاطفيات علينا مخاطبة قلوبهن قبل عقولهن .

ولقد سأل صديـق لي شيخاً جليلاً تزوج أربع نساء عن رأيه في الزواج بأكثر من امرأة فقال له : إذا كانت زوجتك ترضيك في أكثر أخلاقها وكنت مستقراً معها فأنصحك بألا تتزوج عليها . فسأله صديقي : أفهم من هذا يا شيخنا أنك نادم على زواجك من أربع نساء ؟ فأجاب الشيخ الجليل : نعم .

وأكثر ما يحزنني أولئك الذين يقدمون على الزواج من ثانية وهم لا يوفون حقوق الأولى ! فتجدهم لا ينفقون عليهن وعلى أولادهن ما يكفيهن ، ولا يقومون بواجباتهم نحوهن ونحو أولادهم منهن ، فكيف إذن يكررون خطأهم نفسه ؟! هل سيظلمون الثانية كما ظلموا الأولى ؟ أم أنهم سيكرمونها على حساب الزوجة الأولى ؟!! إن الزواج من الأولى لا يجوز إذا لم يملك الرجل القدرة على توفية الزوجة حقوقها فكيف يقدم على الزواج من ثانية وقد تأكد عدم تأديته حقوق الأولى ؟!

وأنقل هنا كلاما معبراً عن الواقع الحزين لهؤلاء قاله الشيخ عبدالله بن محمد العاصمي : ما نراه اليوم في واقع حياتنا المعاصرة ، من تحطيم للقلوب ، وعدم العدل ، بل وحتى الكذب على أهل الزوجة بإعطائهم معلومات خاطئة يجعلنا نتساءل : هل يقبل هذا مؤمن يبحث عن حياة هادئة هانئة صادقة ؟! وهل ترضى وأنت تفعل ذلك باسم الذكاء والنباهة أن يُفعل ذلك بك .. فيأتي من يستغفلك ويكذب عليك ؟ ثم يقول : هناك من يدع لسانه يتهم الأولى عند التقدم للثانية ، وربما عدّد في الزوجة الأولى من المعايب والنقائص ما هي بريئة منه . وحتى لو كان ما ذكره موجوداً فيها ,, فهل يجوز إفشاء عيب مسلمة ؟ يُروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأته فقيل له : ما الذي يريبك فيها ؟ فقال : العاقل لا يهتك ستر امرأته . فلما طلقها قيل له : لم طلقتها ؟ فقال : ما لي ولامرأة غيري !

وتبقى كلمة لكل زوجة لا تريد زوجها أن يتزوج عليها ، وأحسب أن جميع الزوجات لا يرغبن في زواج أزواجهن عليهن . أقول في هذه الكلمة : حافظي على زوجك ، املأي عليه حياته حتى لا يبقى فيها مكان لامرأة أخرى ، أطيعيه في ما ليس فيه معصية لله تعالى ، احرصي على أن يراك دائماً في أحسن صورة ، واختاري للسانك أحسن الكلام ، وعبري عن رضاك عنه قدر ما تستطيعين ، وأثني على ما يقدمه لك في أكثر الأحايين ، واحذري أن تشتميه ، وابتعدي عن استفزازه وتحدِّيه .

وبعبارة موجزة : كوني له أّمَةً يكن لك عبداً .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين