أخرجوا آل لوط!

يعيش عالمنا العربي والإسلامي هذه الأيام حالة مقلقة من تباين الآراء والتوجهات الفكرية والدينية، وتباين المواقف تجاه مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية الحساسة، من بينها المواقف من العلاقات الجنسية، بما فيها الموقف من الجنسية المثلية والمتحولين جنسياً .

وسواء رفضنا بهذه العلاقات أم رفضناها، لا بد من الاعتراف بأن هذه العلاقات موجودة في مجتمعاتنا العربية، مما يوجب مناقشتها بكل صراحة وشفافية، وبيان موقف الإسلام منها .

الهوية الجنسية ( Identity Gender ) :

أو الهوية الجندرية مصطلح محدث، ظهر خلال السنوات القليلة الماضية، يشير إلى الصفات التي تميز بين الذكر والأنثى، لكن خالطه الكثير من اللبس والشذوذ، وقد عرَّفت "الموسوعـة البريطانيـة" الهوية الجنسية بأنها ( شعور الإنسان الشخصي بالذكورة أو الأنوثة، وفي الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية للشخص تتطابق مع خصائصه العضوية، لكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الشخص بخصائصه العضوية، فلا يكون هناك توافق ما بين صفاته العضوية وهويته الجندرية، فيخامره الشعور بأنه يجب أن يكون من أصحاب الجنس الآخر المخالف لتكوينه العضوي، فيدفعه هذا الشعور لتغيير خصائصه العضوية بالرغم من أنها طبيعية ) 

وتزعم الموسوعة أيضاً أن (الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة، بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية التي تواجه الشخص خلال مراحل نموه المختلفة، ومن الممكن أيضاً تشكيل هوية جندرية لاحقة تتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأولى، فيكتسب الشخص أنماطاً جديدة من السلوك الجنسي في وقت لاحق من حياته، وهذه الأنماط تكون في الغالب شاذة) .

وهذا يعني أن معظم البشر تتوافق هويتهم الجنسية مع تكوينهم العضوي والهرموني ويميلون جنسياً إلى الجنس الآخر (Heterosexuality) وهذا هو الوضع السوي، بينما تميل قلة نادرة من البشر إلى الجنس المماثل (Homosexuality) ويكونون شاذين، وهؤلاء يحتاجون إلى رعاية صحية جيدة وتأهيل نفسي واجتماعي لإعادتهم إلى الوضع السوي .

لكن ظهر خلال العقود القليلة الماضية توجه مشبوه يروج للاعتراف بالميل الجنسي الشاذ على أنه ظاهرة طبيعية يجب التسليم بها، بل مسايرتها وإشباعها، وقد تأكد هذا التوجه المنحرف خلال المؤتمرات الدولية المشبوهة التي تطرقت لهذا الموضوع ومنها "مؤتمر القاهرة العالمي للسكان، 1994" الذي أصدر في حينه إعلاناً دعت فيه المادة ( 19 ـ 4 ) إلى (تحطيم التفرقة الجندرية، وإزالة الصور التقليدية لأدوار الجنسين من مناهج التعليم)

ومنها أيضاً الإعلان الصادر عن "مؤتمر البرتغال العالمي للشباب، 1998" الذي أوصى : (أن يكون التعليم الجنسي الشامل إلزامياً في جميع المراحل الدراسية، وأن يغطي المتعة الجنسية، وأن يعترف بالحرية في التعبير عن الميول الجنسية والسلوك الجنسي غير النمطي) أي السلوك الجنسي الخارج عن المألوف، أو بتعبير أصح (الشاذ !) ودعا المؤتمر حكومات العالم إلى (سَنِّ قوانين جديدة تعطي المراهقين حقهم في الاستمتاع بممارسة الجنس دون تفريق بينهم على أساس الهوية الجندرية) أي السماح لهم بممارسة ميولهم الجنسية حتى وإن كانت ميولاً شاذة !

وقد حفل الإعلان الصادر عن المؤتمر بتعبيرات كثيرة تحرض على الإباحية الجنسية، مثل : حرية التعبير الجنسي، والحريات الجنسية، والمتعة الجنسية، وحق الإجهاض، وتوفير موانع الحمل، ومراعاة الميول الجنسية وعدم المحاسبة على الشاذ منها .

وقد ظهرت في إعلان المؤتمر لأول مرة عبارات غريبة مفخخة بالفجور؛ مثل عبارات :

• مرض الخوف من المثلية الجنسية (Homophopia )

• حرية التوجُّه الجنسي (Freedom of sexual orientation )

فانظر كيف أمست الطهارة عند هؤلاء رذيلة وفضيلة !؟ وكيف أن الشذوذ عندهم لم يعد مرضاً، بل أمسى الخوف من ممارسة الشذوذ هو المرض، فانتكسوا في حمأة الرذيلة التي انتكس فيها قبلهم الشاذون من قوم لوط الذين (قالوا أخْرِجوا آل لوطٍ من قريتكم إنَّهم أناسٌ يَتَطَهَّرون) سورة النمل 56 ، فما أعجب هذه الحضارة التي ارتقت بعلومها المادية إلى سطح القمر، لكنها ظلت بسلوكها وأخلاقها تغوص في مستنقع الرذيلة والضلال، لأنها تنكبت طريق الله، وحادت عن منهجه سبحانه، فكان جزاؤها انتشار الفجور والشذوذ والأمراض الجنسية القاتلة التي ليس أقلها الإيدز "وباء العصر" !؟

*****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين