الجوائح في الإسلام (10) الغلاء العظيم

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) صدق الله العظيم.

الغلاء العظيم

حل في المحرم من سنة (718هـ/1318م) غلاء عظيم، تبعه فناء شديد، عم بلاد الجزيرة، وبلاد الشرق، وسنجار والموصل وماردين ونواحيها. كما قلت الأمطار، وعدمت الأقوات وغلت الأسعار، وقلت النفقات، وزالت النعم، وحلت النقم، فقد أكل الناس ما وجدوه من الجمادات والحيوانات والميتات. وباعوا حتى أولادهم وأهاليهم، فبيع الولد بخمسين درهماً وأقل من ذلك، حتى أن كثيرين كانوا لا يشترون من أولاد المسلمين، وكانت المرأة تصرخ بأنها نصرانية ليشتري ولدها لتنتفع بثمنه، ويحصل له من يطعمه فيعيش، وتأمن عليه من الهلاك. وفرت مجموعة من الناس تعد حوالي أربعمائة نفس إلى ناحية مراغة طلباً للطعام، فسقط عليهم ثلج أهلكهم عن آخرهم.

غلاء مصر

استهلت سنة (776هـ/1374م) بغلاء شديد قد تزايد حداً إلى أن بلغ الإردب (مكيال يسع أربعة وعشرين صاعاً، أو ست وَيبات، وجمعها: أرادب) بمئة وعشرة ثم بلغ في شعبان مئة وخمسة وعشرين، وبيع إذ ذاك الدجاجة بأربعة دراهم، وصار أكثر الناس لا يقدر إلا على النخالة كل قرص أسود بنصف درهم، وأكل الفقراء السلق والطين، وكادت الدواب أن تعدم لكثرة الموت فيها، وأكل الناس الميتات، وأمر السلطان بتفريق الفقراء على الأغنياء، فكان على الأمير المقدم على الألف مئة فقير، وعلى كل أمير بعدد مماليكه، وعلى الدواوين كل واحد بحسبه، وعلى التجار كذلك، ونودي بالأسواق بأن من سأل صلب ومن تصدق عليه ضرب.

ثم زاد النيل وتكامل الزرع ووقع الفناء وتزايد في الفقراء لاسيما لما دخل البرد. وزاد ذلك إلى أن بلغ في اليوم من المشردين مئتي نفس ومن الطرحاء (الأموات) نحو خمسمائة، ثم بلغوا إلى الألف. وبلغ ثمن الفروج خمسة وأربعين والسفرجلة خمسين والرمانة عشرة والبطيخة سبعين. ثم ارتفع الفناء وتراجع السعر.

وفي السنة نفسها أمطرت ثعابين على ما قيل. كما صادف الحاج سيل عظيم بخليص، أتلف كثير في الذهاب، ثم صادفهم في الرجعة هواء عاصف.

كما وقع في هذه السنة أيضاً بحلب غلاء فظيع كما وقع في مصر. كما تفشى الطاعون بدمشق من رمضان السنة الماضية فتزايد في المحرم إلى أن بلغ خمسمائة، ثم تناقص بعد ذلك.

غلاء دمشق

وقع غلاء عظيم بدمشق سنة (777هـ/1375م)، فقد بلغت الغرارة بخمسمائة بعد أن كانت في الرخص بخمسين، واستمرت الشدة حتى أكلوا الميتات. واستمر الغلاء مكشراً عن أنياب النوائب، ناشراً حبائل مصائد المصائب وزاد إلى أن نقصت الأقوات وتزايد فيه أمواج الأموات. واستمر إلى آخر السنة.

كذلك كان الغلاء بحلب حتى بيع المكوك (طاس يُشرب به، أعلاه ضيق، ووسطه واسع. وقيل: يسع صاعاً ونصفاً) بثلاثمائة شرزاد إلى أن بلغ الألف حتى أكلوا الميتة والقطاط والكلاب، وباع كثير من المقلين أولادهم وافتقر خلق كثير، ويقال إن بعضهم أكل بعضاً، حتى أكل بعضهم ولده، ثم عقب ذلك الوباء فني خلق كثير حتى كان يدفن العشرة والعشرون في قبر بغير غسل ولا صلاة، ويقال: إنه دام بتلك البلاد الشامية ثلاث سنين، لكن أشده كان في السنة الأولى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين