ثورة بلا قيادة ، تعني الفوضى ، ثمّ الدمار!

الثورة حرب ، لكنها حرب من نوع خاصّ ، غامض وخطير!

الثورة ، في حال نجاحها السريع ، في إسقاط السلطة المركزية الحاكمة ، تعني : ترك البلاد ، بلا سلطة !

وإذا طال أمدها ، قبل إسقاط السلطة الحاكمة ، دخلت البلاد ، في دوّامة صراعات متعدّدة :

صراع السلطة ضدّ الشعب الأعزل ! وإذا سلّح الشعب نفسَه ، دخل ، مع السلطة ، في صراع مسلّح !

إذا شارك بعض عناصر الجيش ، مع الشعب ، ضدّ السلطة ، دخل الصراعُ مرحلة معقّدة جديدة !

إذا استلم الجيش السلطة ، دخلت البلاد ، في دوّامة صراعات متنوّعة ، بعضها محتمَل، وبعضها مؤكّد:

صراع بين قيادات الجيش : من الصراعات المحتملة ، وهو قد يؤدّي ، إلى دمار البلاد ؛ إذ تدخل في حرب أهلية ، بين قوى عسكرية مسلّحة متنازعة ، وقد تَدخلها بعض القوى السياسية ، التي تسلّح نفسها ، وتصطفّ ، مع بعض الأطراف العسكرية المتنازعة ! وكلّما طال أمد الثورة ، زاد احتمال هذا الصراع !

صراع بين الجيش ، والقوى المدنية العزلاء : أحكام عرفية .. حظر تجوّل .. حكم عسكري !

صراع بين القوى المدنية المحلية : أحزاب .. كتل .. قبائل ! على أسس : دينية ، أو طائفية ، أو عرقية، أو قبلية..! والصراع السياسي ، على السلطة ، قائم ، حُكماً ، بين الأطراف السياسية ، لكنْ ثمّة محاذيرُ كثيرة، من تحوّله ، إلى صراع مسلّح !

صراع بين قوى محلّية ، وأطراف إقليمية ودولية ، قد تدخل الساحة : إذا دخلت قوى خارجية ، إقليمية ودولية .. ازداد الصراع تعقيداً !

نماذج : نماذج الثورات العربية كثيرة ، ولكلّ ثورة نموذجها الخاصّ بها ! وباستعراض بعضها ، تظهر مخاطر التمسّك ، بالأحلام الوردية ، لدى بعض الفئات الثائرة ! منها ، على سبيل المثال :

مصر، بعد سقوط النظام المتسلّط المزمن: قامت انتخابات نيابية ورئاسية حرّة ، ونجح فريق سياسي فيها، فلم يكد يمسك بشيء ، من مقاليد السلطة، حتى تآمرت ضدّه ، مجموعات، من القوى السياسية المناوئة ؛ باشرت، بإثارة القلاقل ، ولم تترك له مجالاً ، لإدارة البلاد ! حتى قفز بعض العسكر، إلى السلطة ، وزجّوا بالفريق المنتخّب ، وسائر كوادره ، في السجون ، أو القبور ! وفرّ الكثيرون منهم ، إلى المنافي !

أمّا ليبيا ، واليمن ، وسورية .. فقد سبّب لها ، إسقاطُ السلطات المستبدّة المزمنة ، حروباً داخلية ، ماتزال قائمة ، منذ ثماني سنين ! ولا يعلم ، إلاّ الله ، إلى متى تمتدّ هذه الحروب ، وكيف ستكون نتائجها !

والخوف ، اليوم ، هو على السودان والجزائر؛ أن يكون مصيرهما ، كمصير الدول ، التي سبقتهما ! والسبب الأساسي الأهمّ ، أن القوى المدنية ، في كلّ من الدولتين ، ليس لها مَن يوجّهها ، ويقودها ، ويفاوض باسمها، العسكر، الذين يمسكون بأزمّة الحكم ، في كلتا الدولتين !

فالقوى المدنية : متنوّعة الأهواء ، والمشارب ، والتوجّهات ! وكلّ منها، لديه أحلام ، وتطلّعات ، وأمال ، تناقض مع مالدى الآخرين ! كما أن لكلّ منها ، هواجسه ومخاوفه !

فعلى سبيل المثال : هذا الفريق ، يريد السلطة لنفسه ، أو يريد القسم الأكبر منها ، لنفسه !

وذاك الفريق ، يريد التعجيل ، في تسليم السلطة للمدنيين ؛ لأن لديه كوادر جاهزة ! بينما يريد فريق آخر، تأجيل نقل السلطة ، إلى المدنيين ، ريثما يرتّب أموره ، ويُعدّ كوادره ، ليكون مهيّأً ، للمشاركة في الحكم !

وفريق آخر: لديه هواجس ، من ترسيخ حكم العسكر، وتهميش القوى المدنية !

وفريق غيره : لديه مخاوف ، من عودة النظام القديم !

وفريق : قد يضمّ هؤلاء ، جميعاً ، أو بعضهم .. يخاف ، من سرقة الثورة ، من قِبل بعض القوى الداخلية ، أو الخارجية !

فإلى متى ، يصبر العسكر، على الطلبات المتناقضة ، في شارع : ممتلئ بالضجيج ، ومزدحم بالبَشر!؟

وإلى متى ، يصبر الناس ، على هذه الأحوال ، التي هي أقرب إلى الفوضى ، منها ، إلى أيّ شيء آخر، في العواصم !؟

وإذا كانت أمزجة الأفراد ، غير المتمرّسين بالسياسة ، تدفعهم ، إلى التمسّك بأحلام ، شبه مستحيلة ؛ فإن أطماع الساسة المتمرّسين ، تدفعهم ، إلى استغلال أحلام الشباب ، وتوظيفها ، في صراعات بائسة ، لا يحصلون منها، على مايريدون ؛ بل تؤدّي ، إلى دمار البلاد ، ويأس العباد ، من أيّة ثورة ، على أيّ ظالم !

فمَن يَحمل وزر التطوّرات السلبية : الجماهير المتحمّسة الثائرة ، أم النُخب المتمرّسة الواعية !؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين