رمضان شهر القرآن

الدكتور : محمد كمال الشريف
 
      في رمضان أُنزل القرآن.. {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..} (البقرة:185).
 
 
      في رمضان موسم للقيام، والقيام: ترتيل للقرآن ضمن أركان صلاة خاشعة..{ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ{1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً{2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً{4}} (المزمل: 1-4).
 
 
      يتلو المؤمن القرآن فتطمئن نفسه..{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{28}} (الرعد:28).
 
     ويتلو المؤمن القرآن فتنجلي عن نفسه غمتها، ويذهب عنها همها ويزول انقباضها فيُشفى صدره مما فيه من حزن وكرب.. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ{57}} (يونس:57).
 
      أجل في القرآن الشفاء لما في الصدور، وفي القرآن الطمأنينة للنفس المؤمنة لأن فيه التكريم للإنسان، والاستخلاف في الأرض عن خالق الأرض والسماء، وفيه تسخير لما في السماوات والأرض لهذا الإنسان المكرم المستخلف. وهو رسالة من المولى تعالى لنا جميعا، ولكل منا على حدة، رسالة حملها جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم بلّغنا إياها نبينّا صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين.
 
   القرآن خطاب ورسالة تخاطب كل واحد منا بذاته وشخصه، فما كان جبريل إلا رسول، وما كان محمد صلى الله عليه وسلم إلا رسول، أما الرسالة فهي هذا القرآن.. هذا الكتاب الذي يخاطبني فيه الله ويخاطبكم أنتم..وهل بعد هذا من كرامة؟
 
    لقد أرسل الخالق إلينا رسالة في حجم كتاب، فيها كلماته لنا، وإرشاده، وهداه فهل يحق لأحد منا أن يشعر بالتفاهة، وبأنه ذرة ضائعة في كون لا يتخيل حدوده، وقد أرسل إليه خالق هذا الكون الكبير تلك الرسالة المطولة الهادية؟! .
 
     كان إقبال –الفيلسوف المسلم- يقرأ القرآن كما يقرؤه الكثير من المسلمين، فقال له أبوه ذات مرة: اقرأه يا بني! وكأنما يتنزل عليك.. ما كان أبوه يدعوه إلى أن يظن نفسه نبياً، إنما كان يذكره بأن هذه الكلمات التي كان يتلوها إنما هي رسالة له نفسه، لإقبال بالذات، من رب العالمين خاطبه بها، وإن كان قد خاطب معه بها كل مؤمن، وكل إنس وجن.. ومنذ ذلك اليوم صار للقرآن الكريم وقع آخر في نفس إقبال.
 
 
 إذا أتتني رسالة من حبيب، كم تراني أقرؤها، ثم أعيد قراءتها المرة تلو الأخرى دون أن أملّ ؟.. فهل أملّ قراءة رسالة رب العالمين، ربي وخالقي وحبيبي؟
 
   بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ووفاء له أراد أبو بكر رضي الله عنه أن يزور أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها! فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله.. لقد ظنا أنها إنما بكت لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها قالت لهما: والله ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان. (رواه مسلم وأحمد والبيهقي).
 
 اللهم إنّا نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء حزننا، وذهاب هّمنا.. اللهم آمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين