وقفة مع قضية التجديد

تشهد الساحة الإسلامية منذ سنوات نقاشات حادة حول التراث الإسلامي وتجديد الخطاب الديني، وقد خالط هذه النقاشات الكثير من الشبهات التي أوقعت العامة في حيرة من دينهم .

ومع تسليمنا بضرورة التجديد والحاجة إلى مراجعة التراث ما بين عصر وعصر، فإننا نختلف مع معظم الذين تصدوا حتى اليوم لقضية التجديد لما شابها من تجاوزات أخلاقية، وانتقادات غير موضوعية أرادت النيل من الأئمة الكبار، كما نختلف مع أدعياء التجديد المعاصرين في اعتمادهم التعميم في طروحاتهم مما يخرجها عن المنهجية العلمية التي وصلت ببعضهم إلى الرفض المطلق لجهود علمائنا على مدى أربعة عشر قرن من البحث والجهد والاجتهاد والعطاء !؟

وقد بلغ التطرف والمجازفة ببعض هؤلاء الأدعياء درجة اتهامهم للتراث الإسلامي جملة بأنه يشكل جداراً حاجزاً أمام محاولات التجديد، ولهذا راحوا يدعون إلى القطيعة التامة مع التراث (!؟) متجاهلين عن قصد وسابق إصرار مكانة هذا التراث وقيمته ومكانته التي اعترف بها البعيد قبل القريب، ويتجاهل هؤلاء الأدعياء كذلك ظهور مدارس علمية في تاريخنا الإسلامي قد أخذت على عاتقها مراجعة بعضها لبعض وتصويب بعضها لبعض، فقد كان الأئمة والفقهاء رحمهم الله تعالى يراجع بعضهم بعضاً، ويستدرك بعضهم على بعض .

وهذا لا ينفي حق المعاصرين من النقد والمراجعة والتجديد، لكن يشترط أن يقوم بهذه العملية من يمتلك أدوات العلم والنقد، فليس لكل أحد أن يتحدث في العلم - أي علم - إلا أن يكون متأهلاً بهذا العلم تأهيلاً علمياً معتبراً، وهذا ما لم نجده اليوم عند عامة الذين يتصدون للتجديد؛ فقد انخرط في هذا الميدان اليوم كل من هب ودب !

والعجيب أن هذا الخوض في الدين ينحصر في أمور الإسلام وحده، دون غيره من الأديان (!؟) بحجة أنه دين نزل للناس كافة، ومن ثم يحق لكل أحد الحديث فيه (؟!!)

وقد وصل ببعض هؤلاء الجهلة إلى إصدار الفتاوى، والتطاول على الأئمة الكبار الذين وصفهم أحد الأدعياء بأنهم سفلة يستحقون القتل والصلب، بل دعا إلى تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف باعتبارهم "خوارج" حسب وصفه !؟

وقد بلغ الشطط بهذا الدعي وأضرابه من أدعياء التجديد زعمهم أن الدين ليس علماً، وأن من حق المسلم رفض الأحاديث النبوية التي لا يستسيغها، وأن من حق المسلم بذوقه العام وبدون امتلاك أدوات الاجتهاد أن يرفض الحديث الذي لا يعنيه، ولا يستسيغه (!؟) وقال بعضهم إن "صحيح البخاري" كتاب تاريخ وليس كتاب دين، وأن الأسانيد لا تنشئ علماً ولا ديناً، وزعم أن هناك أحاديث ليس لها علاقة بالعقل ولا بالإنسانية، ومن العيب أن تبقى جزءاً من تراثنا (!؟) .

*****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين