المدرسة الصلاحية (البهائية) 

كانت هذه المدرسة داراً للأمير صلاح الدين بن يوسف الدودار (1)، ثم وقفها مدرسة على المذاهب الأربعة سنة 737هـ ,ثم أتى عليها زمان وأهملت إلى أن أعاد إعمارها السيد بهاء الدين القدسي سنة 1260هـ , فأصبحت تعرف باسمه (البهائية) ووقف عليها مع زوجته أوقافاً كثيرة و كتباً (2)

تتألف المدرسة من ساحة سماوية مستطيلة تضم حوضاً كبيراً من الماء في جهتها الجنوبية قبليه مستطيلة في جدارها الجنوبي محراب بسيط على طرفيه ظفران بسيطان , وفي جهتها الغربية ثلاث غرف وفي جهتها الشرقية ثلاث غرف للمجاورين , أما غرفة الأستاذ ـ شيخ المدرسة ـ فتقع فوق غرف المجاورين الشرقية , يصعد إليها بدرج من جانب مدخل المدرسة وينتهي الدرج بفسحة صغيرة أمام غرفة الشيخ 

ومناهج المدرسة أكثر اتساعاً من مناهج مدارس المستوى الأول وهي تضمّ 

1. علوم اللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وآدابها (علوم الآلة). 

2. الفقه أصوله وفروعه. 

3. علوم القرآن الكريم تلاوة وتفسيراً.

ومن مدرسيها:

1. الشيخ صالح المرتيني.

2. الشيخ عمر المرتيني. 

3. الشيخ محمد الرزاز، وكان يدرس فيها الفقه الحنفي وعلوم الآلة

4. والشيخ أحمد الزويتيني.

5. والشيخ علي العالم (4)، وكان يدرس فيها الفقه الحنفي.

6. وآخرهم شيخنا الشيخ محمد الملاح، وكان يقرأ فيها على طلابه حاشية ابن عابدين في الفقه الحنفي. 

بقيت هذه المدرسة على نشاطها في استقبال الطلاب وإفادتهم إلى منتصف القرن الماضي، ثمّ أهمل التدريس فيها لقلة أوقافها , ثمّ غدت مسجداً تقام فيه الصلوات الخمس، ويشغل غرفها طلاب العلم في المدرسة الخسروية والمدرسة الشعبانية , وكان بعض شيوخنا يقرأ فيها دروساً في الفقه الحنفي , وقد أدركت شيخنا الشيخ محمد الملاح ـ رحمه الله ـ يقرأ فيها كتاب حاشية ابن عابدين وقد حضرت جانباً من هذه الدروس مع زملائي من طلاب المدرسة الخسروية الذين كانة يقيمون فيها , بعد صلاة المغرب من كلّ يوم , وفي أواخر القرن الماضي أهملت وأغلقت أبوابها ثمّ استولت عليها , وزارة العدل وجعلتها مركزا للقاء الأمهات المطلقات بأولادهن , 

وما أن أخلتها وزارة العدل، حتى سارعت مديرية الثقافة في مدينة حلب تطالب بها مجلس المدينة لتسيطر عليها ، وتجعلها متحفاً للشاعر المتنبي، بحجة أنها كانت داراً له في يوم من الأيام، بل إن! بعضهم كان يأتي بالسياح والزوار ليقول لهم: هذه دار المتنبي ويشير إلى غرفة الشيخ العليا ويقول هنا كان المتنبي يجلس ويكتب أشعاره مما جعلني ألحّ على مدراء الأوقاف، الذين تولوا هذا المنصب بعد عام: 2006 م، للعمل على إعادتها إلى مديرية الأوقاف للإشراف عليها، وفتحها مدرسة للعلوم الشرعية وفتح مسجدها للمصلين، عندما كنت مفتشاً في دائرة الأوقاف الإسلامية بحلب، مما دعاني لأعداد الدراسة التالية عن هذه المدرسة وتقديمها إلى مدير الأوقاف الدكتور محمود أبي الهدى الحسيني ليقدمها إلى محافظ حلب وبعض أعضاء مجلس المدينة ليثبت لهم خطأ اعتقادهم هذا 

المدرسة الصلاحية

المدرسة الصلاحية (البهائية): مدرسة وقفية إسلامية منذ إنشائها ولم تكن في يوم من الأيام غير ذلك , وهذه أقوال المؤرخين فيها .

أولاً : جاء قي كتاب (كنوز الذهب في تاريخ حلب ) لسبط ابن العجمي الحلبي المتوفى سنة 884 هـ , ما يلي (المدرسة الصلاحية : هذه المدرسة بالقرب من الناصرية المذكورة في درب بني كسرى , كانت أولاً داراً لبني العديم , ثمّ انتقلت إلى صلاح الدين يوسف بن الأسعد بالطريق الشرعي , فكانت داره , وكانت نفيسة بها رخام من الألوان المختلفة , فجعل لها محراباً وجعلها مدرسة على مذاهب الأئمة الأربعة في سنة 737 هـ , وشرط أن يكون المدرس فيها: القاضي الشافعي والقاضي الحنفي , وذلك عند عودته من بلدة سيس صحبة العسكر , وجعل بابها مكتباً للأيتام أزيل في زماننا ... ثمّ نقل ابن العجمي ما جاء في تاريخ ابن الوردي, وهو في جملته موافق لما جاء في كلام ابن العجمي , ثمّ أورد ترجمة مسهبة للواقف صلاح الدين ابن الأسعد الدوادار , ختم ذلك بقوله : وكان بها خزانة كتب , ومن وقفها: خانان خارج باب الجنين, وحوانيت هناك, وحصتا كفرة, وسناجر (5) وطاحونها, وحصة بقرية البريج(6), وحصة بقرية أعنادان(7) , وحضرت درسها مع شيخنا ومع الشويني ـ رحمها الله ـ وكان يدرس في كتاب الحج ...)(8) 

ثانياً : تحدث الشيخ محمد راغب الطباخ بإسهاب عن هذه المدرسة في كتابه (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) , وبعد أن أورد ما جاء في تاريخ ابن الوردي عن هذه المدرسة, وواقفها الأمير صلاح الدين الدوادار قال: ( أقول : موقع هذه المدرسة شمالي الخان المعروف بخان خير بيك, وأمام الخان المعروف بخان الكتان , وهي مدرسة صغيرة , وفد كانت أشرفت على الخراب, فعمرها السيد بهاء الدين القدسي في حدود سنة 1260 هـ , ومن ذلك الحين صار الناس يسمونها (البهائية) إلا أنها في الأوقاف لم تزل باقية على اسمها القديم , ولما عمرت سعى السيد بها الدين المذكور في تعيين الشيخ صالح المرتيني مدرساً لها , وقد كان أتى من إدلب وتوطن حلب, فبقيت في يده إلى أن توفي , ثمّ آلت إلى حفيده الشيخ عمر المرتيني وهو مدرسها ألان , ووقف عليها السيد بهاء الدين نحو سبعين كتاباً خطياّ هي موضوعة في غرفة التدريس العليا, إلا أنها في حالة لا يستفاد منها , ووقفت زوجة السيد بهاء الدين (بنبة) على المدرسة داراً في محلة الفرافرة , ولها سوى هذه الدار أراض عشرية, تبلغ وارداتها ثلاثين ليرة عثمانية ذهباً , وهي الآن في حوزة دائرة الأوقاف )(9).

ثالثاً : جاء في كتاب (الآثار الإسلامية والتاريخية بحلب) تأليف الأستاذ محمد أسعد طلس , ما يلي : ( محلة سويقة حاتم ـ المدرسة الصلاحية ـ تقع شمالي خان خير بيك, وأمام خان الكتان, وهي مدرسة صغيرة من بقايا المدرسة الصلاحية الكبرى التي شادها الأمير صلاح الدين يوسف الأسعد الدوادار , سنة : 737 هـ ) ثمّ نقل ما جاء في تاريخ ابن الوردي عن هذه المدرسة, ووقفها على المذاهب الأربعة, وترجمة واقفها إلى أن يقول : (وهي اليوم مدرسة صغيرة قد تغلب عليها الجيران , وقد كانت مشرفة على الخراب, فجددها السيد علاء الدين(10) بن تقي الدين القدسي في سنة 1259 هـ , فعرفت بالمدرسة البهائية)(11) .

رابعاً : جاء في كتاب الشيخ المؤرخ الأستاذ كامل الغزي (نهر الذهب في تاريخ حلب) ما يلي : ( المدرسة الصلاحية , المعروفة في زماننا بالبهائية ـ غربي خان خير بيك , وهي منسوبة للأمير صلاح الدين يوسف ابن الأسعد الدواتدار وقفها سنة 737 هـ , كانت داره , وكانت تعرف قبلاً بدار ابن العديم , وقد وقفها الصلاح المذكور مدرسة على المذاهب الأربعة , وشرط أن يكون القاضي الشافعي والقاضي الحنفي مدرسها , لها في دائرة الأوقاف بدل تخميس يبلغ في السنة 5000 قرش , وقد استعملت أيام الدولة العثمانية محكمة للشافعية (دار فتوى), ثمّ تركت وأشرفت على الخراب وضاعت أوقافها , إلى أن عمرها المتولي المرحوم بهاء الدين أفندي ابن المرحوم تقي الدين أفندي القدسي في حدود 1260 هـ , وأعادها مدرسة كما كانت عليه من قبل, إلا أنّ غلة وقفها لا تزال قليلة ... وفي سنة 1275 هـ , أوقفت الحاجة (بنبة) ... زوجة المرحوم بهاء الدين على هذه المدرسة داراً في محلة الفرافرة , والمدرسة الآن : سماوي مشتمل على ست حجرات في غربيه وشرقيه وعلى قبلية وحوض ماء ... وعلى غرفة فوق هي محل جلوس المدرس وتقام فيها الصلوات الخمس 

(تنبيه)

(كانت دور بني العديم شرقي هذه المدرسة إلى أن تهدمت في حادثة تيمور , وصارت تلاً , وكانت إلى جانب هذه الدور بوابة من الرخام الأصفر ثلاث قطع (وهي باقية حتى الآن ) دثر داخلها وعمره الناس أملاكاً , قلت ـ والكلام للغزي ـ من جملة هذه الأملاك دار لبني العكام أدركناها عامرة , ثمّ هدمتها الحكومة وبنت مكانها المكتب الرشيدي ...) (12).

خلاصة البحث : 

1. أجمع المؤرخون على أنّ تاريخ بناء هذه المدرسة كان سنة :737 هـ 

2. أجمع المؤرخون على أنّ بانيها الأمير صلاح الدين الدوادار, وأنه أوقفها مدرسة للمذاهب الأربعة.

3. أجمع المؤرخون أن هذه المدرسة مدرسة وقفية أسلامية, وذكروا الكثير من أوقافها التي لا يزال بعضها موجودا إلى اليوم,

4. نقل المؤرخون عن تاريخ ابن الوردي أنها كانت داراً لبني العديم, ولم يحقق أحد في هذا الرأي, إلا ما كان من المورخ المحقق الشيخ كامل الغزي الذي أثبت أن دور بني العديم قد خربت في اجتياح تيمور لنك حلب, بقوله: (كانت دور بني العديم شرقي هذه المدرسة إلى أن تهدمت في حادثة تيمور).

5. يؤكد المؤرخ الغزي أنّ دور بني العديم ليست في مكان هذه المدرسة , بل كانت إلى الشرق منها بقوله: (كانت دور بني العديم شرقي هذه المدرسة) وأنها تهدمت وأصبحت تلاً من التراب ثمّ بني مكانها دوراً لبني العكام , ثمّ هدمت هذه الدور وبني مكانها (المكتب الرشيدي) (مديرية الخدمات) الآن 

6. إن الشاعر المتنبي ولد في الكوفة سنة:303 هـ ,وأنه قدم حلب واتصل بسيف الدولة الحمداني سنة 337 هـ , وأقام فيها إلى سنة 346 هـ , ثمّ انتقل إلى مصر ,وأنه توفي في طريقه إلى بغداد سنة 354 هـ , فكيف يمكن أن تكون هذه المدرسة بيتاً له, وأن يجلس في الغرفة العليا (غرفة المدرسين) وينظم أشعاره فيها, ,وقد عمرت بعد وفاته بأربعمئة سنة تقريباً, والخلاصة: إن القول بأن هذه المدرسة كانت داراً للمتنبي في يوم من الأيام لا يتفق وحقائق التاريخ في الزمان أو المكان, كما نص عليه الشيخ المؤرخ كامل الغزي ـ رحمه الله تعالى 

وقد تمّ بفضل الله، إعادتها لأصحابها الحقيقيين، عام: 2010 م، وعادت المدرسة إلى مديرية الأوقاف، وأضحت مقراً لإدارة معاهد تعليم القرآن الكريم وحفظه في حلب، وقد قمت بفضل الله بتعين إمام ومؤذن لها، وفرش مسجدها، وانطلق العمل في هذه المدرسة، ولكن ما لبث أن توقف وتعرضت المدرسة إلى ما تعرضت له مدينتنا الحبية من الخراب والدمار على يد الطغاة والحاقدين، عام: 2012م. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 المصدر : كتاب التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر المؤلف محمد عدنان كاتبي

 

الحجر الموجود فوق باب المدرسة البهائية وفيه أبيات

تبين تاريخ تجديدها

تاريخها: 

 

غرف المجاورين في المدرسة البهاية

الحجر الموجود فوق باب المدرسة البهائية وفيه أبيات

تبين تاريخ تجديدها

 

المدرسة الصلاحية(البهائية)

1 الدودار لقب مملوكي يعني كاتم السر أو من يصك خاتم بريد السلطان

2 أنظر نهر الذهب 2 /147 وإعلام النبلاء 2/335

3 أنظر ترجماتهم في مكانها من كتاب علماء من حلب في القرن الرابع عشر للمؤلف. 

4 قريتان في منطقة أعزاز 

5 قرية في منطقة الباب 

6 لعلها قرية عندان المعروفة الآن 

7 كنوز الذهب في تاريخ حلب لمؤلفه سبط ابن العجمي, الجزء الأول, صفحة 335 وما بعدها 

8 إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء للشيخ محمد راغب الطباخ , الجزء الثاني , صفحة 334 و 335 

9 هكذا ورد اسمه في كتاب الأستاذ أسعد طلس

10 الآثار الإسلامية والتاريخية بحلب, تأليف محمد أسعد طلس , من منشورات مديرية الآثار العامة صفحة 228

11 نهر الذهب بتاريخ حلب للشيخ كامل الغزي , الجزء الثاني صفحة 147 و148

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين