جواز الدعاء بـ يا رب يا ربنا 

 

تصحيح خطأ متداول في مواقع التواصل

كان انتشار المعلومات الخطأ يبقى محصوراً قبل ظهور مواقع التواصل المتنوعة ، ولكن بعد ظهور هذه الوسائل فإنها أدت إلى انتشار الأخطاء بصورة كبيرة ، وصار الناس يتناقلونه دون دراية ، من هذه المنشورات المتداولة منشور يدعو صاحبه إلى عدم الدعاء بـ ( يا ربِّ ) أو ( يا ربِّنا ) اعتمادا على بعض الآيات التي حذف فيها حرف النداء ، وهذا هو المنشور :

[ بعد الآن لا تقل: ( يا ربِّ ) بل قل: ( ربِّ )

ما هو السر في حذف حرف النداء " يا " قبل الدعاء في القرآن ؟ 

تأمل الآيات :

(ربِ أرني أنظر إليك)

(ربنا أفرغ علينا صبرا)

(ربِ لا تذرني فردا)

(ربِ إن ابني من أهلي)

(ربِ اجعلني مقيم الصلاة و من ذريتي )

( ربِ إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين )

( ربِ هب لي من لدنك ذرية طيبه انك سميع الدعاء ) 

ففي مواطن الدعاء لم يرد في القرآن العظيم نداء الله تعالى بحرف المنادى " يا " قبل ( ربِّ ) البتة ، وإنما حذفت في كل القرآن ، والسر في ذلك : أن " يا " النداء تستعمل لنداء البعيد ، والله تعالى أقرب لعبده من حبل الوريد ، فكان اقتضى ذلك حذفها ، قال تعالى: " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"

قال تعالى: 

( واذا سألك عبادي عني فإني قريب ) ]

 

 

#الجواب :

1- سبب هذا الخطأ الذي وقع فيه الكاتب عدم إحاطته ببقية الآيات التي جاء فيها حرف النداء مقترنا بـ ( رب ) ، واكتفى بالآيات التي حذف معها حرف النداء ، ومن هذه الآيات التي جاء فيها اقتران حرف النداء بـ ( رب ) :

قوله تعالى : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) [ سورة الفرقان : 30 ]

وقوله تعالى : ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ) [ الزخرف : 88 ] 

ففي الآيتين ( يا رب ) نداء متضمن معنى الدعاء .

2- إسقاط حرف النداء "يا" في الدعاء بـ ( رب ، أو ربنا ) إنما لأمر يتعلق بالبلاغة الهدف منه شعور العبد بقرب الحق سبحانه وتعالى .

ولكن إسقاط حرف النداء في الدعاء لا يعني أن استعمال حرف النداء خطأ , أو مكروه ؛ بل هي مقدرة في هذه السياقات السابقة ، والمقدر كالمذكور ، وإنما قصارى ما في الأمر : التنبيه إلى نكتة بلاغية ، وليس قاعدة مطردة في كل حال .

3- جاءت في كثير من الأحاديث الصحيحة استعمال حرف النداء في الدعاء فمن ذلك :

أ- ما أخرجه البخاري من دعاء إبراهيم ربه يوم القيامة : " يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَر، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ( إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ ) .

ب- وفي حديث الشفاعة الذي أخرجه البخاري : ( ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ ) .

ج- روى رواه مُسْلمٌ عن أبي هريرةَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وَقَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.

ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّماءِ يا رَبُّ يا رَبُّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟)).

4- وبخصوص الدعاء بلفظ " اللهم " و " يا الله " فليس هناك فرق من حيث المعنى ؛ لأن الراجح من كلام اللغويين أن " اللهم " هي " يا الله " ولكن حُذِف من (يا الله ) أداة النداء وعُوِّض عنها ميم مشددة مفتوحة في آخر الكلمة , جاء في تفسير القرطبي في تفسيره (4 / 53) عند قَوْلُهُ تَعَالَى: "قُلِ اللَّهُمَّ" : 

( قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَجَمِيعُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّ أَصْلَ اللَّهُمَّ : يَا أَللَّهُ ، فَلَمَّا اسْتُعْمِلَتِ الْكَلِمَةُ دُونَ حَرْفِ النِّدَاءِ الَّذِي هُوَ" يَا" ، جَعَلُوا بَدَلَهُ هَذِهِ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ ، فَجَاءُوا بِحَرْفَيْنِ ، وَهُمَا الْمِيمَانِ ، عِوَضًا مِنْ حَرْفَيْنِ وَهُمَا الْيَاءُ وَالْأَلِفُ ، وَالضَّمَّةُ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ . )

ورد في سبب نزول قوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) [الإسراء: 110]

فقد ذكر الطبري عند تفسير الآية: عن الأوزاعي، عن مكحول، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم " كان يتهجَّد بمكة ذات ليلة، يقول في سجوده: يا رَحْمَنُ يا رَحيمُ ، فسمعه رجل من المشركين، فلما أصبح قال لأصحابه: انظروا ما قال ابن أبي كبشة، يدعو الليلة الرحمن الذي باليمامة، وكان باليمامة رجل يقال له الرحمن: فنـزلت (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى).

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين