تعميق الإيمان بقدرة الله تعالى في نفوس الناشئة

روى الإمام الترمذي رحمه الله تعالى في سننه – وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.

في هذا الحديث ست فقرات، في كل فقرة منها ورد لفظ الجلالة ( الله ) ، وهو أسلوب تربوي نبويّ كريم يقصد من خلال تكرار لفظ الجلالة فيه تعميق الإيمان بالله تعالى ، واستحضار جلاله وجبروته وقدرته في كل أمر من الأمور ، وأنه تعالى فوق الأسباب ، ومن وراء الأسباب ، وأن المرء مهما فعل ، ومهما بذل ، ومهما سعى ، ومهما أخذ بالأسباب وباشرها فإن عليه ألا يغفل عن هذه القضية الإيمانية ، ولا ينسى رب الأرباب ومسبب الأسباب. 

وما أحوجنا اليوم في ظل هجوم الهموم وإجلاب المتطلبات الحياتية اليومية علينا بخيلها ورجلها وضغطها إيانا إلى مراعاة هذه المسألة ونحن نسعى في طلب الرزق، ونحتشد لابتغاء وظيفة أو منصب، ونطمح لنيل درجة أو ارتقاء منصب . 

وأَحْرِ أن نسقي هذا المفهوم الإيماني الرائع أبناءنا وشبابنا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن عباس رضي الله عنهما ، وهي مسؤولية ملقاة على عاتقنا في البيوت، ومنوطة بعمل المدرسين في المدارس والكليات والجامعات، والمدربين في دورات التدريب ...

نعم إن كثيراً من دورات التمنية البشرية تعتمد بناء الثقة بالنفس كمحفز للشباب وغيرهم – وهذا جيد – ، تقول لهم : أنت تستطيع ... أنت تقدر ... لا شيء مستحيل في الحياة ... أخرج المارد الذي بداخلك ... و ... و... ، ولكنها تتعامى عن تذكير المتدربين بأن قدرة الله تعالى فوق كل قدرة، وإرادته فوق كل إرادة ، وأنه يجب على المتدرب أن يخرج من حوله وقوته إلى حول الله وقوته ، وإلا باء بالفشل .

إذا لم يكن عون من الله للفتى * فأول ما يقضي عليه اجتهاده

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلَّا وَاحِدًا، سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ".

قدرة الله هي الحاضرة دوماً... وهي الفعَّالة دوماً ... وهي المؤثِّرة دوماً ... وهاهو القرآن يؤكد هذه الحقيقة في آيات كثيرة يختمها بقوله : {إن الله على كل شيء قدير...}، {وكان الله على كل شيء مقتدراً...}

ثم تأمَّل في قصص الأنبياء والمرسلين ، وطالع معجزاتهم ... إنها كانت من صنع الله ... ووجدت بقدرة الله ... ووقعت عن تقدير من الله ... 

من كان يتوقع أن إبراهيم عليه السلام يبقى حياً أربعين أو خمسين يوماً في نار أوقد عليها أياماً ، ثم كانت عليه برداً وسلاماً... 

من كان يتوقع ليونس أن يبقى في بطن الحوت الساعات الطوال أو ثلاثة أيام - كما ورد في بعض الروايات - دون أن يكون طعاماً سائغاً له .

من الذي نجَّى موسى من الغرق وأنقذه من فرعون صغيراً وكبيراً في معجزة تدهش العقول والأفكار .

من كان يظنُّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ينجو يوم الهجرة من الكفار وقد لحقوا به حتى ما بقي بينهم وبينه إلا أن ينظروا أسفل أقدامهم فيروه وصاحبه ...

إنها قدرة الله ... عناية الله ... وقاية الله ...

ظَنُّوا الحَمامِ وظَنُّوا العَنْكَبُوتَ على= خَيْرِ البَرِيِّةِ لَمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُمِ

وِقاية اللهِ أغنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ =مِنَ الدُّرُوعِ وَعَنْ عالٍ مِنَ الأُطُمِ

عندما ادعى الأسود العنسي باليمن النبوة رفض ذلك رجل اسمه عبد الله بن ثوب ويكنى بأبي مسلم الخولاني، فسأله العنسي – مكرراً- ثلاث مرات: أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ فيقول : نعم ، فيقول : أتشهد اني رسول الله ؟ فيقول: لا اسمع .

فأوقد العنسي ناراً عظيمة ورمى فيها أبا مسلم ثلاثة أيام، خرج بعدها سليماً ولم تمسه النار بسوء، فخاف العنسي على نفسه وعلى نبوته المزعومة من أبي مسلم فنفاه خارج اليمن.

فرحل صوب المدينة المنورة لينعم برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قد توفي قبل أن يصل إليه، فلما لقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعرفه ، قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من كانت النار عليه برداً وسلاماً كإبراهيم خليل الله عليه السلام..." حكاه ابن عساكر في تاريخ دمشق . 

فلنتذكر دوماً أيها الإخوة أنَّ قدرة الله حاضرة في كل مكان وزمان ... وأنها فوق تدبير المُدبِّرين وكيد الكائدين وروغان المراوغين ...ولا ينبغي أن ننسى في هذا السياق قوله تعالى في سورة البروج : {والله من ورائهم محيط }.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين