مواقف لنساء قدوة لنا في محنتنا (خديجة بنت خويلد)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه ومن والاه وسار على خطاه الى يوم الدين .

في مسيرتنا الدعوية وفي خطانا التي ننتهجها في طريقنا لابد لنا من نساء قدوة لنا علنا نتبع خطواتهن ، ونحمد الله تعالى أن كان لنا الكثير منهن داعيات وعالمات و مجاهدات ومن وقفن الى جانب أزواجهن وربين أولادهن وقدمن كل ما يملكن من الطاقات في سبيل الله

ولعل من تستحق منا أن نورد مواقف من سيرتها :

خديجة رضي الله عنها

هذه الفاضلة الزوجة التي ساندت وجاهدت مع رسول الله ، فقال عنها صلى الله عليه وسلم :

آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني في مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها الولد ."

" وسيدات نساء الجنة أربعاً : مريم ابنة عمران ، وآسية ابنة مزاحم ، وخديجة ابنة خويلد ، وفاطمة ابنة محمد . رضي الله عنهن "

فما فضل ومواقف وصفات هذه الجليلة الفاضلة لتكون لها هذه المنزلة عند الله تعالى وعند رسوله .

خديجة ابنة خويلد رضي الله عنها شريفة من نساء قريش تلقب " الطاهرة " امتازت برجاحة عقلها، هي أول من آمن برسول الله من الرجال والنساء ,

لنا أن نتتبع سيرتها لنتعرف على حكمتها ، فقد أرسلته صلى الله عليه وسلم بتجارتها مع ميسرة فرآه واختبره عن قرب ، فعرف أمانته وهذه صفة ليست بالسهلة بأن يمتحن بالمال وهو الفقير، وبالتعامل بطريق السفر ليرى خلقه عن قرب، فيعود ميسرة ليحدثها عنه صلى الله عليه وسلم ، فيلفت اهتمامها الأمر وهي التي عرفت بحكمتها وخبرتها الرجال، فتحدث صاحبتها نفيسة عما يهمها تريد زوجاً خلوقاً أميناً ، وتعرض نفيسة الأمر على رسول الله فيرحب بالموضوع لكنه فقير , ورغم ذلك يحدث أعمامه ويروا أن هذا الزواج مناسب ( هي الشريفة وهو الشاب الخلوق صاحب النسب والشرف )

وبمنطق المجتمع المادي هي تكبره بخمسة عشر عاماً متزوجه بزوجين قبل ذلك ، ولكن حكمة الله وإرادته فوق منطق الجهل والمادية فالعمر ضرورة لما سيكون له من أمر الدعوة والوحي حيث حبب لرسول الله الخلوة للتفكر والتأمل بإبداع الخالق لهذا الكون , فتصبر وتقف الى جانبه ترسل له الزاد ولا تتأفف أو تجزع لحالته هذه ، كذلك عندها من المال ما يكفيها فلا تطلب منه العمل لتأمين معيشتها ومعيشة أسرتها .

ويأتيه الوحي عليه السلام ليبلغه بالرسالة -إ قرأ -, ويأتيها فزعاً ليحدثها بما رأى وسمع فتسمع بهدوء وروية وتقول له : " كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقوي الضعيف ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق " هذه الحكيمة والهادئة عرفت خلق وميزات زوجها ، فتزمله ليخف عنه ما به وعندما يهدأ تذهب به الى من لديه الخبر اليقين ورقة بن نوفل " وتقول له : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك , لم تجزع من وضعه ولم تسفه رأيه - فقال له : ما ترى يا ابن أخي ؟؟؟ ويخبره رسول الله بما سمع ورأى ، وعندها يهز ورقة برأسه مردداً" هذا هو الناموس الذي نزل على موسى ، ليتني كنت جذعاً لأنصرك ، ليتني كنت حياً إذ يخرجك قومك. " فقال رسول الله :أمخرجي هم ؟ قال نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن أدركني يومك لأ نصرنك نصراً مؤزراً " ثم لم يلبث ورقة أن توفي ( رواه البخاري ) .

وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت ليقول :" لقد ولى عهد النوم يا خديجة " ويقوم دون أن يقعد ، فتقوم معه هذه الزوجة المجاهدة والسند لزوجها ، تواسيه وتخفف عنه، وتزيل الأذى الذي يلحق به صلى الله عليه وسلم ، وترسل إليه بناته ليتفقدن الوالد الكريم فيخفف صلى الله عليه وسلم عن فاطمة حين تزيل الأذى عنه فيقول لها: ليس على والدك من بأس يا فاطمة

وعندما يحاصر مع المسلمين بشعب أبي طالب تكون معه وهي المرأة التي ضعفت قوتها وكبرت سنها فتتحمل الجوع والحرمان في سبيل الله دون ضجر أو ملل – وهذا شأن المرأة الداعية والتي تبتغي مرضاة ربها والعمل لدعوتها –

تنجب لرسول الله جميع أولاده -عدا إبراهيم فقد كان من مارية القبطية –

وتكون الأم الصابرة المحتسبة تعلم الجميع معنى الاحتساب وفقد الأولاد ، فقد توفي أولادها الذكور في حياتها، وكيف يكون حزن الأم ومع ذلك صبرت واحتسبت

وليس وضعها مع بناتها بأقل من أي أم من الأمهات عندنا في محنتنا

فقد طلقت ابنتاها( رقية وأم كلثوم ) زوجتي أولاد أبي لهب حين قامت أم جميل والدة زوجيهما بهذا العمل لأنها تدرك كم لهذا من أثر على نفسية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمهما الأم المحبة لاستقرار وراحة بناتها ، وقد كبرت سنها .

ويتزوج عثمان رضي الله عنه رقية ويهاجر بها الى الحبشة وليس ألم الفراق بالسهل على الوالدين – رسول الله وخديجة رضي الله عنها – ولنا أن ندرك الوضع دون وجود وسائل الاتصال، أي ليس هنالك خبر أو معلومة .

وتبقى أم المؤمنين وافية بعهدها ووعدها لرسول الله ( لقد ولى عهد النوم يا خديجة ) وتبقى عاملة متفرغة للدعوة والعمل في سبيل الله

ويأتيها الأجل بالشعب وهي في الخامسة والستين رحمها الله ، ولكن وقبل وفاتها كما قال أبو هريرة رضي الله عنه أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم ,فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني ، وبشرهاً ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " رواه البخاري .

ولما رأى صلى الله عليه وسلم عقد ابنته زينب الذي أرسلته لفداء زوجها ( أبي العاص بن الربيع ) عرفه ، فهو هدية والدتها خديجة لها ، ووفاء لها طلب من الصحابة أن يعاد لزينب ويفك أسر زوجها

وعندما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يقول له الصحابة: يا رسول الله نبني لك بيتاً فيقول لهم سيد الخلق: بل ابنوا لي خيمة عند قبر خديجة ".

سيدي يا رسول الله منك تعلمنا وتعلمت البشرية الوفاء فلم تنس خديجة رضي الله عنها واعتبرتها مشاركة لك بالفتح الأعظم

رضي الله عنك أم المؤمنين من سيرتك نتعلم في محنتنا كيف تكون المرأة الداعية والزوجة والأم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين