حدث وموقف

كثيرا ما يحدث اللبس بين الحدث وبين الموقف الشرعي منه.

إن علينا أن نعرف أن الموقف الشرعي من حدثٍ ما لا يعني أنه سيكون كما نتمنى ونريد، وإنما نحن نقف منه موقفا شرعيا اجتهاديا مبنيا على دراسة المصالح والمفاسد، لكن الحدث نفسه قد يطاوعنا وقد لا يطاوعنا في عملية الإصلاح من عدمه، بحسب تقدير الله عز وجل وحسب سننه الحاكمة في الأفراد والمجتمعات والدول والأمم والحضارات. 

ومن قبيل ذلك الموقف الشرعي مما يحصل للمؤسسات والدول والحضارات فإن الفيصل في الموقف الشرعي سلبا وإيجابا وبحسب الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام، هو في وضع هذه المؤسسة أو تلك وما تقتضيه المصلحة الشرعية في اتخاذ الموقف منها نصرة أو تعاونا في بقاءها أو تركا أو مشاركة في تفكيكها وحلها بحسب دراسة الحال والمآل ، لكن هذه المؤسسة محكومة بفواعل وعوامل تؤثر في بقاءها أو تفككها، وتفعل الأسباب والمقدمات فعلها في الإفضاء إلى النتائج والمسببات، فالمؤسسة التي دبت فيها عوامل الإنهيار والتفكك او لم تعد تمتلك مقومات البقاء كمقدمة فإن ذلك حتما سيقضي عليها كنتيجة _سواء عذرت هذه المؤسسة او لم تعذر _ حتى لو كان موقفي الشرعي أني أريدها أن تبقى حيث لا بديل لأن القادم أسوأ وأساهم في إصلاحها ما استطعت، وهذا يشبه حال ما لو كان عندي مريض ابتلي بمرض ولم يعد يقوى على النهوض فموقفي الشرعي منه هو وجوب رعايته ومداواته لكن ذلك لن يمنع تدهور صحته أو موته إذا كان مرضه قد استشرى ولم يعد الدواء نافعا فيه.

لقد بذل سيدنا نوح عليه السلام كل ما يستطيع كواجب شرعي في إصلاح قومه لكن ذلك لم يمنع وفق سنن الله والمقدمات والنتائج هلاك قومه في نهاية المطاف نتيجة عدم استجابتهم وكذلك كان الأمر مع هود وصالح ولوط عليهم السلام، وقد يكون الأمر بالعكس فيكتب الله تعالى الإصلاح على يديه كما حصل مع يونس ورسولنا محمد عليهما الصلاة والسلام حيث أمرا أن يبلغا قومهما لآخر لحظة كواجب شرعي لكن سنن الله في قومها في تحقق مقدمات الاستجابة كان فيها الصلاح لهم في النتائج .

الخلاصة: إن للأفراد والمؤسسات والدول والأمم والحضارات سننا تحكمها في البقاء أو الفناء في القوة أو الضعف، ولا علاقة لذلك بموقفي وواجبي الشرعي تجاهها من النصح والإصلاح.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين