سيرة نساء قدوة لنا في محنتنا

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق سيدنا محمد وعلى آ له وصحبه ومن والاه الى يوم الدين

ما نريده في أيامنا هذه ومحنتنا هي تلك المرأة التي تقف الى جانب زوجها تشد من أزره ,وتكون عوناً له بتحمل أعباء الدعوة , والقيام بما يتطلبه منه عمله في سبيل الله , والأم التي تربي أبناءها تلك التربية الصالحة وفق منهج ربها , فترضعهم مع لبنها الصدق والأمانة والخلق القويم , والتقوى, ومحبة الله تعالى ورسوله , وابنتها فلذة كبدها على الامتثال لأمر ربها بمحبة الحجاب الصحيح وفق شرع وأحكام الله تعالى ,

فتخرج للإنسانية من يعمر الأرض بالخير والصلاح , وللمجتمع المسلم بشباب صالحين مصلحين متمثلة قوله تعالى: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً" 

وأول من سأ بدأ به :

هاجر زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام كيف تعاملت وتفاعلت مع ظروفها ومحنتها حين تلقى زوجها إبراهيم عليه السلام أمرربه سبحانه بوضع ابنه( إسماعيل )الذي طالما انتظر مولده وزوجه(هاجر القبطية ) هذه المرأة الضعيفة – والمرأة بطبيعتها تميل الى الخوف والاعتماد على الرجل – الذي قد يكون أباً أو زوجاً أو أخاً , بواد غير ذي زرع , ولم يكن الاختيار هكذا عشوائياً بل بأمر إلهي المكان عبارة عن صحراء قاحلة لا بشر ولازرع ولا ماء مكان يفتقر الى كل أسباب وعوامل الحياة , ويضع لها زادا هو جراب تمر , وقربة ماء ,يودعهما ويقفل عائداً ,وهنا تتعلق هاجر بزوجها وملجؤها تلجأ اليه وتفرغ عنده همومها والمرأة تعتبر زوجها سندها وسكناً لها وتقول له :"الى من تتركنا ؟؟" ويبقى يسير في طريقه ,وربما لا يرغب بأن يلتفت اليها لئلا ترى تعابير وجهه ,وتكرر قولها " الله أمر بذلك ؟؟؟" فيقول لها " بلى " حينها تطمئن ويطمئنه هو أيضاً , وترتاح وتردد " إذن فإنه لن يضيعنا " وتبقى بالوادي وحيدة مع طفلها ابشراً ولا مأوى , كيف ستقضي الليل بظلمته ووحشته ؟ ربما أتاها حيوان من حيوانات الصحراء المفترسة

وحرارة النهار في هذه الصحراء دون مأوى .

وحين يغيب عنهما يقف رافعاً كفيه الى السماء حيث الملجأ والمغيث " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " 

وتسعى هذه الأم الصابرة باحثة لابنها عن الماء فالعطش يكاد يقضي عليه رباه ما الذي تفعله تركض لتصل الى أعلى الصفا لتشرف على ما حولها علها ترى الماء , ثم تركض ساعية الى أعلى المروة علها ترى ماء فابنها قد عطش فما الذي تفعله , لن تجلس هكذا يائسة بل لابد من العمل والحركة 

وهنا تأتي لترى المعجزة باقية على مر الزمان إنها معجزة لا تنفذ بل تبقى لترتوي منها الأمم ولتكوين فريدة بتركيبها والمواد التي تتألف منها , و يهدأ روعها وخوفها على طفلها فهو أملها الذي لها في الغربة غيره .

وتدور الطيور فوق الماء , و تتعرف قبيلة جرهم العربية أن هناك نبع ماء – بحس العرب وفهمهم لطبيعة لوجود الماء في الصحراء أن الطيور تدور حوله – وتأتي لتسكن الى جوارها , وترحب هاجر تلك المرأة الحكيمة بهم فقد جاء من يؤنسها , لكنها تستفيد من هذه المعطيات ( تعطيهم وتأخذ منهم ) يستفيد من الماء التي وهبها الله تعالى لها , ويتم الاتفاق معهم يسكنون بجوارها فتستأنس بهم ويتربى إسماعيل بينهم , وتمتلك هي حق التصرف بماء زمزم , ويتعلم إسماعيل عليه السلام العربية ويتزوج بفتاة من فتياتهم . 

وبذا تكون هاجر حارسة للأساس واللبنة الأولى للمجتمع وهي " الأسرة " مثال يحتذى ويقتدى بها على مر العصور فهي أم مربية ساعية على أمور معيشة أسرتها بغياب زوجها عاملة صابرة على ألم الغربة , حكيمة بالاستفادة مما أعطاها إياه الله تعالى (ماء زمزم ) فتربي ولدها تلك التربية الصالحة منقادة لما أمر الله تعالى به زوجها – إبراهيم عليه السلام – ملقنة إياه معنى العبودية والانقياد مطيعا لما أمرهم به الله تعالى حين يقول له والده :" بابني إني أرى في المنام أني أذبحك " فكان الرد منه دون تردد " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " فيكون الفرج والنصر من الله تعالى حين يفتديه بذبح خالقه بذبح عظيم "فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم . وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إبراهيم . كذلك نجزي المحسنين " 

هذه الأم والزوجة والأخت المسلمة المؤمنة التي نحتاجها بمحنتنا هذه وهذا ما نبتغيه لنستطيع الوقوف صامدين صابرين , ونكون من المحسنين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين