الجوائح في الإسلام (5)

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) صدق الله العظيم.

غلاء مصر

حل بمصر في سنة (398هـ/1007م) غلاء شديد، واشتد الأمر على الناس، وعدمت الأقوات، وتعقب هذا الغلاء مجاعة - كما جرت عليه العادة - ففني كثير من الناس.

غلاء خراسان

اشتد الغلاء ببلاد خراسان سنة (401هـ/1010م)، وعدمت الأقوات حتى أكل الناس بعضهم بعضاً. فكان الإنسان يصيح: الخبز.. الخبز ويموت.

وتبع ذلك وباء ومجاعة لا توصف، حتى عجز الناس عن دفن الموتى. ونسرد هنا نصاً (لأبي نصر العتبي) يصف ما حل بخراسان فيقول: (وقع القحط بنيسابور خصوصاً وفي سائر بلاد خراسان عموماً، فهلك بنيسابور وبأطرافها دون غيرها مئة ألف نفس أو يزيدون، وكم دفن منهم بأطمارهم لضيق الأكفان، وعجز غسلة الأموات عنهم.

ورعى الناس نبات الأرض، وضاق بهم الأمر فجعلوا يتتبعون رمام العظام على رؤوس الكناسات تعللاً بها، ومهما ذبح قصاب ذبيحة اجتمع عليها الفوج بعد الفوج يتقاسمون نجيعها بالكيزان والخزف تسكيناً لحرة الجوع، واجزاءً به عن القوت، فلم ينل منه أحد إلا سقط لجنبه وجاد عن كسب بنفسه، وكانوا يتتبعون سقاطات حب الشعير عن الأرواث، ثم تراقى الأمر إلى أن أكلت الأم ولدها والأخ أخاه والزوج زوجته. 

وظل بعضهم يختلس بعضاً من شوارع الطريق إلى الخرابات فيطبخ منه ما شاء من الباجات. وحرمت الأسمان على الناس لكثرة ما صهر عليها من لحوم البشر، فبيع في الأسواق. وقبض على أقوام بلا عدد كانوا يغتالون السابلة فيصهرونهم على هذه الجملة، ووجد في دورهم ما يعجز العدد من رؤوس الناس قد أكلت لحومهم وصهرت شحومهم. وأما الكلاب والسنانير فلم يبق منها إلا العدد اليسير).

وقد أكثر الناس في ذكر هذا الغلاء والبلاء، فمنه قول (أبي نصر الزواهي الكاتب):

قد أصبح الناس في غـلاء … وفي بلاء تداولــوه

من يلزم البيت يؤد جوعا … أو يشهد الناس يأكلوه

و(لأبي محمد العبدلكاني الزوزني):

لا تخرجن من البيوت … لحاجة أو غير حاجة

والباب أغلق عليـك… موثقاً منه رتاجــه

لا يقتنصنك الجائعون … فيطبخونك شورباجه

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين