لو تمكّنت اللغات من نقل المشاعرالبشرية..فهل يتغيّر سلوك البشر!؟

المشاعر البشرية ، لايمكن نقلها ، كما هي ، في أيّة وسيلة ، من وسائل التعبير، أو الاتصال : لايمكن نقلها ، عبر مفردات اللغة ، ولا عبر أيّة وسيلة ، من وسائل التصوير ، أو النحت .. أو غيرها !

كما لايمكن وصفها ، وصفاً دقيقاً ، كما هي ؛ إنّما يعبَّر عنها ، بطرائق ، تشير إليها ، أو تدلّ عليها ، من حيث القوّة والضعف ، أومن حيث الحرارة والبرودة ، أو من حيث العمق والسطحية !

ففي الكلام العادي ، يقال ، مثلاً : أنا سعيد.. أنا سعيد جدّاً .. أنا حزين .. أنا حزين جدّاً .. كنت مكتئباً ، إلى حدّ كبير.. أنا أشعر بألم شديد .. أنا أحسّ بخوف شديد .. أنا قلق ، إلى حدّ كبير .. وهكذا !

وقد حاول الأدباء والفنانون ، نقل المشاعر الإنسانية ، فما استطاعوا ، أن ينقلوا منها شيئاً ! وكلّ مافعلوه ، هو: التعبير عنها ، بطرائق مختلفة ، دون نقلها ، إلى عقول الناس ، أو قلوبهم ، أو حواسّهم !

أراد رسّام محترف ، تصوير المشاعر البشرية ، أثناء التعذيب ، فجلب أحد العبيد ، وباشر بتعذيبه ، ورسْمِ ملامح وجهه ، وهو يتعذّب ! فنقل بعض ملامح الوجه ، في أثناء إحساس العبد ، بالتعذيب .. لكنه عجز، عن نقل مشاعرالمعذّب ، كما يحسّ المعذّب ، هو ، بآلام التعذيب !

وبالطبع ، عجز الرسّام ، نفسه ، عن نقل مشاعره ، هو، التي أحسّ بها ، في أثناء عملية التعذيب ، ولم يتحدّث، عن نوعية هذه المشاعر، أيْ : مشاعر الحزن ، أم الفرح ، أم اللذّة .. أم غيرها ! ربّما لأنه غير مهتمّ ، بهذا الموضوع ؛ فموضوعه هو: محاولة نقل مشاعر المعذّب ، فحسب ! بَيدَ أنه ، لو حاول نقل مشاعره ، هو، فسيعجز، كما عجز البشر، على مرّ العصورر !

فالمشاعر والإحساسات ، لا يمكن نقلها ، ألبتّة ، إنّما يحسّ بها الناس ، إحساساً ، كما قال الشاعر:

لا يَعرفُ الشوقَ ، إلاّ مَن يُكابدُهُ = ولا الصَبابَةَ ، إلاّ مَن يُعانيها !

وهاهنا وصف ، بطرائق مختلفة ، لبعض المشاعر الإنسانية ، المختلفة :

وصفُ بعض مشاعر الحبّ

قيس بن الملوّح :

كأنّ القلبَ ، ليلةَ قيلَ : يُغدى = بليلى العامريّة ، أو يُراحُ

قطاةٌ ، عَزّها شَرَكٌ ، فباتتْ = تُجاذِبُه ، وقد عَلِقَ الجَناحُ

لها فَرخان ، قد تُرِكا بقَفْرٍ = وعشّهما تُصفّقهُ الرياحُ

ذو الرُمّة :

وإنّي لتَعرونيْ ، لذِكراكِ ، هِزّةٌ = كما انتفضَ العصفورُ ، بَلّلهُ القَطْرُ!

وصفُ الحُمّى / المتنبّي :

وزائرتي كأنّ بها حَياءً = فليسَ تَزورُ ، إلاّ في الظلامِ

بَذَلتُ لها المَطارفَ والحَشايا = فعافَتها ، وباتت في عظامي

كأنّ الصبحَ يَطردُها ، فتَجريْ = مَدامعُها ، بأربعةٍ سِجامِ

وصفُ الحزن / الخنساء :

يذكّرني طلوعُ الشمس صَخْراً = وأذكرُه ، لكلّ غُروبِ شَمسِ

ولولا كثرةُ الباكينَ ، حَوليْ = على إخوانهمْ ، لقَتلتُ نفْسي

وصفُ الخوف / النابغة الذبياني :

فبتّ ، كأنّيْ ساوَرَتنيْ ضَئيلةٌ = مِن الرُقْشِ ، في أنيابها السُمّ ناقعُ

وصف السرور/ شاعر قديم :

هَجمَ السرورُ عليّ ، حتّى إنّه = مِن فَرْطِ ماقد سَرّني ، أبكاني !

وتبقى الأسئلة الهامّة ، مطروحة ، بلا إجابات ، ومنها :

لو نُقلت مشاعر الناس ، على حقيقتها ، كما يحسّون بها ، وبأيّة وسيلة ، فهل يتغيّر سلوك البشر، بعضهم تجاه بعض !؟

لو نقلت مشاعر المعذَّبين: بأدوات التعذيب ، أو بالحرمان من النوم، أو بالتجويع، أو بالعدوان على الكرامات ، في السجون .. فهل يتغيّر سلوك معذِّبيهم ، زيادة في القسوة ، أو تخفيفاً منها ؟

ولو نُقلت مشاعر الجلاّدين ، الذين يعذّبون الناس ، في السجون ، وهم يعطفون عليهم ، ويلعنون رؤساءهم ، الذين يأمرونهم بالتعذيب .. لو نُقلت هذه المشاعر، إلى رؤسائهم ، فهل يتغيّر سلوك الرؤساء ، تجاههم ، أو تجاه المعذّبين ؟

ولو نُقلت مشاعر الضحايا، الذين تُكَسّر عظامهم ، أو تبتر أطرافهم ، أو تشوّه أجسادهم: بالتفجيرات الإجرامية، أو بالرصاص ، أو بالصواريخ .. لو نقلت مشاعر هؤلاء ، كما هي ، إلى الناس ، فكيف تكون مشاعر الناس ؟ وكيف تكون مشاعر القتلة ، أنفسهم ؟ وهل يغيّر هذا ، من سلوكهم العدواني : تخفيفاً ، أو تشديداً ؟

كان الجلاّد ، الذي يجلد الفقيه أحمد بن حنبل ، بالسوط ، يحبّ الفقيه ، ويحترمه ! وقد قال له : لقد جُلدتُ بالسوط ، في سبيل الحرام ، أكثر ممّا تجلد ، الآن ، في سبيل الحقّ ، فاصبرّ وتجلّدْ ! فزاد هذا ، من عزيمة الفقيه ! فهل التعبير، عن هذه المشاعر المتعاطفة ، مجرّد التعبيرعنها ، دون إيصال حقيقتها ، إلى الخليفة العبّاسي.. يغيّر، من سلوكه ، تجاه الفقيه ، أو تجاه الجلاّد ؟ وهل نقل المشاعر، ذاتها، يكون له التأثير، ذاته؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين