حوار هادئ مع محمد الفقيه في مقاله حول القرآن والسنة 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأما بعد: فقد قرأت مقالة (د.محمد الفقيه) حول تفسير السنة للقرآن، وفيما يأتي تعقيبات بعد كل فقرة، وقد جعلت كتابته باللون الأحمر، وجعلت تعقيباتي باللون الأسود ليميز القارئ بسهولة كلامه من كلامي، وجعلت الآيات القرآنية باللون الأخضر، وبالله التوفيق.

قال الكاتب حسب ما وصلني:

(الذي يزعم أن السنة النبوية جاءت مفسرة لكتاب الله، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}). 

هو أحد أمرين: إما أنه جاهل لم يقرأ كتاب الله، وإنما يقول ما يقوله الناس فقط، وإما أنه مدلس يريد أن يسوق زعمه بين أوساط الناس البسطاء ليحشدهم خلفه في معركة البحث والتدقيق فيما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من روايات من حيث اعتماد القرآن الكريم معياراً رئيساً في قبول الروايات، أو ردها بالإضافة إلى معيار السند، فالذي يزعم أن الأحاديث النبوية جاءت مفسرة لكتاب الله عليه أن يثبت ذلك، وأن يظهر لنا تلك الروايات التي جاءت مفسرة لكتاب الله، وسأسهل عليه الأمر، فليقدم لنا روايات صحيحة تفسر لنا سورة واحدة من سور القرآن الكريم، أين التفسير النبوي لسورة البقرة؟، لسورة النساء؟، لسورة الكهف؟، لسورة الملك .....؟ وأنا أتحدى كل من يزعم أن السنة النبوية جاءت مفسرة لكتاب الله أن يقدم لنا تفسيرا منسوبا للنبي صلى الله عليه وسلم لسورة واحدة من هذا السور .

• التعقيب: وأنا أسأل الكاتب: ماذا تقصد بقولك: (الذي يزعم أن السنة النبوية جاءت مفسرة لكتاب الله؟) إذا كنت تقصد الزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك تفسيراً للقرآن، سورة سورة، وآية آية، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً؛ كالتفاسير التي بين أيدينا، مثل تفسير ابن كثير، وتفسير الطبري، وتفسير البغوي، وتفسير الشوكاني، وتفسير سيد قطب، وتفسير ابن عاشور، وغيرها بالعربية، ثم بلغات الشعوب الإسلامية الفارسية والتركية والأردية وغيرها من لغات العالم، والزعم بأن الرسول فسر كل آية في القرآن ما كان غير مفهوم لأصحابه وما كان مفهوما لهم، وما كان من هذه الآيات، يخص الدنيا والآخرة، وما يخص العقائد والأحكام والآداب، وما يخص الماضي والحاضر والمستقبل، وما يخص اللغة والبلاغة والنحو والصرف، إلى آخر ما حوته التفاسير مع الزمن... إذا كنت تقصد كل هذا..؛ فأنا أسالك أين الذي زعم هذا؟ قل لنا اسمه، وبين رسمه وعصره، لنقول له معك: إنه مخطئ في زعمه هذا خطأ بيناً لا يخفى على عاقل.

أما إذا كنت تزعم أن سنة النبي لا علاقة لها بالقرآن، لا علاقة لأي سنة بأي آية!، فلا شك أن هذا الزعم هو الخطأ بعينه، وسيأتي في كلامك خلاف هذا الزعم الثاني.

يقول الكاتب: (فالحقيقة التي لا يدركها المتباكون على السنة النبوية أن كتاب الله لا يمكن لبشر أن يفسر كتاب الله تفسيراً كاملاً شاملاً صالحاً لكل زمان ومكان). 

التعقيب: هذه الفقرة تشير إلى أنك تقصد الزعم الأول التفسير الشامل، وقد قلت: في الفقرة السابقة أن لا يوجد من يدعي هذا أصلاً، وأنا متأكد أنك تعلم عدم وجود هذا الزاعم، وكما تحديت من يأتي لك بتفسير شامل للرسول، أنا أطلب منك أن تذكر لنا من زعم هذا!؟ وفي قولك: (لا يمكن لبشر أن يفسر كتاب الله تفسيراً كاملاً شاملاً صالحاً لكل زمان ومكان)، هل يوجد أحد ادعى أنه كتب تفسيراً صالحاً لكل زمان ومكان، ولكل الناس عربهم وعجمهم؟ أو أن بإمكانه أن يكتب؟ ومن هو؟ فما زلنا نقرأ في كتب أهل العلم التبرؤ من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته، وأنهم بذلوا ما في وسعهم، وأنهم يخطئون ويصيبون..، أنت هنا وضعت فرضية غير موجودة، وشغلت قراءك بها، من غير فائدة! وبمعنى آخر فتحت خلافاً من غير خصم. 

ويقول الكاتب: (ولا حتى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، لأن كلام الله يحمل الحقيقة المطلقة اليقينية التي لا تخضع لتطور الزمان والمكان). 

• التعقيب: ذكرك (ولا حتى الرسول) فيه تجاوز لمقام خاتم الأنبياء والمرسلين، وكان بإمكانك أن تبقى في عموم نفي إمكان البشر، فكيف عرفت أنه ليس بإمكان الرسول أن يفسر كل كلام الله الذي أنزله الله عليه وإليه، وهو الذي يوحى إليه هذا القرآن!؟. يقول المثل العربي: رب كلمة تقول لصاحبها دعني!!! وكلمتك هذه في نفي إمكان الرسول أن يفسر كلام الله كله، هي مما قالت لك دعني!

الرسول بصفته البشرية من غير الوحي ليس بإمكانه، ولكن بصفته الرسالية بـ(إمكانه)، لأن الله الذي يوحي إليه يمكِّنه، فما زعمك (ولا حتى الرسول)، فقد كان الصحابي يسأله، فلا يجيب، ثم يقول: أين السائل فيجيبه! فيكون قد جاءه الوحي بما لا يعلم، فعلم. وأتوقع أن تأخذ قراءك إلى دعوى تفسير الآيات الكونية الطبيعية، وآيات الخلق، فتقول: هل كان الرسول يعلم تفسيرها، كما في آية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّۗ}، وأن الآية بينت الحكمة منها، ولم تبين كيفيتها!!؟ أقول لك: اضبط عبارتك، فأنت لا تنفي وجود تفسير الآية، أنت تنفي إمكان (الرسول) تفسيرها، وفرق كبير بين أن لا يكون قد فسر، وأن يكون لا يمكنه أن يفسر!!!

وأضرب لذلك مثالاً: طفل يفاجئ والده..، أو تلميذ يفاجئ معلمه بسؤال كبير!.. فيتأمل الوالد أو المعلم في الجواب عنده، ويرى أن الحكمة أن يصرف السائل إلى جواب ينفعه، فهذا هو الفرق بين الممكن وعدمه، وبين عدم وجود الجواب. فالرسول بصفته الرسالية فيما أوحي إليه يمكنه تفسير ما أنزل إليه بمقدار حاجة الناس لذلك التفسير، ولا داعي لهذه العبارة أصلاً (ولا حتى الرسول)، لأن الله سبحانه ذكر في القرآن الكريم أن بعض آياته سيبينها في المستقبل، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53)، وقال تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} (الصافات:88)، وغيرها من الآيات.

يقول الكاتب د.محمد الفقيه:

(فلا يمكن لبشر ولو كان نبيا أن يحيط بكلمات الله، فالذي يحيط بكلمات الله هو الله فقط لأنه هو وحده المتصف بصفات الكمال والمنزه عن صفات النقص)، 

• التعقيب: نعم، والله! لا يمكنهم ذلك. وكيف يحيطون بكلمات الله التي قال الله سبحانه عنها: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (لقمان:27)، وقال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (الكهف:109)، {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَۚ} (البقرة:255)، وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (الجن:26-27)، وقوله تعالى: {إِلَّا بِمَا شَاءَ}، و{إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ}؛ يدل على الإمكان بمشيئة الله ورضاه لمن شاء لهم ورضي.

ويقول الكاتب:

(فالذي يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسر القرآن الكريم هو يسيء لكتاب الله من أجل أن يدافع عن الروايات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم)، 

• التعقيب: هنا عبارة الدكتور الفقيه غير منضبطة، فهو يريد حسب السابق من كلامه التفسير الشامل الجامع المانع سورة سورة، وآية آية، وكلمة كلمة، وحرفا حرفا.. ولكن عبارته هنا تلتبس على القارئ العادي، فمن يزعم أن الرسول لم يفسر القرآن فقد أخطأ أيضاً، لأن القرآن كله قرآن، والسورة قرآن، والآية قرآن.. فكان عليه أن يضيف إلى قوله (تفسيرا شاملاً). أما قوله: (أن يدافع عن الروايات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم)، فأسأله: أي روايات تعني؟ فالعبارة أيضاً ملتبسة، لأن الروايات تنقسم إلى صحيحة، وضعيفة، وموضوعة لا أصل لها!؟ 

ويقول: (ومع ذلك هو يقدم زعما ليس عليه دليل)، 

• التعقيب: قد سبق القول في المزعوم إن كان تفسيرا شاملاً، أو جزئياً، فلكل حكمه من الرفض والقبول.

ويقول الكاتب: (فالرسول صلى الله عليه وسلم فهم القرآن)

• التعقيب: نعم والله، وما نفهمه بعض ما فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم يقول: (وفسر بعض آياته في ضوء بيئته الاجتماعية والثقافية التي كان يعيش فيها)، 

• التعقيب: ها هنا يثبت الدكتور الفقيه أن الرسول فسر القرآن (بعض آياته)، ولكنه كما يقول المثل: (أراد أن يكحل فأعمى)، فقال: (وفسر بعض آياته في ضوء بيئته الاجتماعية والثقافية التي كان يعيش فيها)، يعني لم يفسرها كونه رسولا يوحى إليه من الله، فسرها في ضوء بيئته الاجتماعية والثقافية، وهذه البيئة كانت جاهلية مشركة!!! فكيف فسر في ضوئها يا دكتور!!!؟ فسرها تفسيراً جاهلياً، ولماذا جاء إذاً رسولاً إلى العالمين!!؟؟ أرأيتم أعجب وأغرب وأشنع من هذا الكلام؟ أين فقهك يا دكتور محمد الفقيه؟! أما أنا فإني أبرأ إلى الله من هذا الكلام! وقد يكون الدكتور لم يقصد ما فهمته! ولكن قصده في قلبه، ويعنينا كلامه المكتوب هنا!!

ويقول الكاتب: (وبين للصحابة الكرام من القرآن ما يلزمهم، وقدم إجابات واضحة عما كانوا عنه يسألون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم النموذج العملي التطبيقي لكتاب الله سواء في مجال الاعتقاد أو العبادات أو القيم والأخلاق).

التعقيب: هنا كلام جميل جداً! وهذه هي السنة والسيرة القولية والفعلية والتقريرية، ولكن كيف نوفق بين هذا وبين السطر السابق أنه (فسر بعض آياته في ضوء بيئته الاجتماعية والثقافية التي كان يعيش فيها)، كيف يكون (في ضوء بيئته) (نموذجاً عملياً تطبيقياً لكتاب الله)!؟ فهل كتاب الله غير البيئة الجاهلية تدريجياً خلال 23 سنة، أم أبقاها؟ وإذا تعارض ما جاء في كتاب الله مع البيئة الاجتماعية والثقافية، فهل كان الرسول يفسر وفق البيئة!؟ هذه أسئلة مشروعة أمام هذه العبارة الغريبة جدا جدا!..

وسؤال آخر يهم القراء: أين تفسير الرسول وبيانه (للصحابة الكرام من القرآن ما يلزمهم، وقدم إجابات واضحة عما كانوا عنه يسألون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم النموذج العملي التطبيقي لكتاب الله سواء في مجال الاعتقاد أو العبادات أو القيم والأخلاق)؟؟ أين هذه السنة القولية والعملية في كل هذه الأمور التي ذكرتها؟ من رواها؟ من ميز صحيحها من ضعيفها ومن غير صحيحها؟؟؟. هل عندكم محدثون غير الذين نعرفهم؟

إذا كانوا هم هم؛.. فكيف تصدقون شخصاً في بعض ما قال، وتكذبونه في بعض ما قال!؟ أليس هذا تناقضاً في منهجكم!؟ أليس هذا كما قال الله سبحانه في كتابه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍۚ}!؟ المحدثون الذين تنكرون عليهم لا يعملون عملكم الأعوج هذا، إنهم إذا ثبت لديهم كذب واحد على الراوي أسقطوه، أو اختلاف في ضبطه ضعفوه!! لذلك اختلفوا في بعض الرواة بين الجرح والتعديل كل حسب ما وصله من حاله!! إذا كان البخاري ومسلم وسائر الرواة كما تقولون؛ فينبغي أن تسقطوا كتبهم كلها، لأنكم أصلاً لا تدرون من علم الحديث شيئاً إلا ما ذكروه، وما ذكره رواتهم، فكيف وثقتم مرة، وأنكرتم أخرى!؟ يا للعجب من حالكم!.

يقول الكاتب د. محمد الفقيه:

(وكل ما سوى ذلك فهو متغير ومتحرك وفق حركة الحياة)، 

• التعقيب: هنا يقصد بالمتغير والمتحرك تفسير الآيات، حسب فهمي سوى (مجال الاعتقاد أو العبادات أو القيم والأخلاق)، وقد يكون الكاتب لم يحدد ما يريد بدقة، فإنه يوجد مجال المعاملات المالية، والحدود، والعلاقات الاجتماعية غير الأخلاق، مثل النكاح والطلاق والميراث.. والعلاقات الدولية! فلا أدري أين يضعها؟ هل في الثابت أم المتغير!؟ 

والمعلوم في هذا أن القرآن الكريم والسنة النبوية حدد أمورا تحديدا واضحا، وسماها في القرآن حدود الله، وحكم الله، وغير ذلك من الألفاظ، فهي ثابتة كما قال الكاتب، فما ورد في القرآن صريحا، وفي السنة صحيحا فهو الثابت، وقد يكون ثباته تغييره، وما ورد مجملاً فإن تفسيره متغير متروك للزمن حسب الاكتشافات العلمية. والكشف العلمي الحديث لا ينفي المعنى الصريح الصحيح، ولكن قد يضيف إليه بيانا جديدا، مثل أطوار خلق الإنسان.

ويقول الكاتب: (لذلك لا يمكن أن يكون هناك تفسير واحد لكتاب الله)، 

• التعقيب: وهذه العبارة تابعة للتفصيل السابق، فلا يصح هذا القول على عمومه، فلبعض الآيات تفسير واحد ثابت إلى يوم الدين، ولبعض الآيات تفسير متغير، ومن هنا ربما دمج الكاتب الأمرين، وأطلق حكما عاما بقوله هذا.

ويقول: (ولم تكن من مهمات الرسول صلى الله عليه وسلم تفسير القرآن)، 

• التعقيب: هذا القول يناقض ما سبق من قوله: (وبين للصحابة الكرام من القرآن ما يلزمهم، وقدم إجابات واضحة عما كانوا عنه يسألون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم النموذج العملي التطبيقي لكتاب الله سواء في مجال الاعتقاد أو العبادات أو القيم والأخلاق). كيف لم يكن من مهمته، وكيف بين للصحابة... إلى آخر الكلام!!؟؟ هل كان بيانه وتفسيره لبعض الآيات خروجاً على مهمته وتجاوزاً!؟؟ وهنا أيضاً ربما يقصد التفسير الشامل الكامل من الألف إلى الياء كما يقولون، ولكن عبارته جاءت بغير ما يريد!!! 

ويقول الكاتب: (ولا يوجد تفسير واحد على وجه الأرض صالح لكل زمان ومكان)، 

• التعقيب: هنا ربما يقصد كتاباً من كتب التفسير، مثل تفسير ابن كثير، أو الطبري.. وليس التفسير الوارد مثلا في كيفية الصلاة والزكاة والحج والعمرة والنكاح والطلاق وغيرها مما قال عنها من الثوابت! والقول في هذا ينقسم بين الثابت والمتغير كما سبق، فكتب التفسير تتضمن أقوال المفسرين، التي تعتمد على تفسير القرآن بالقرآن واللغة، والحديث، وغير ذلك مما هو معروف في أدوات التفسير، وهذه الأقوال لم يقل أحد: إنها لازمة، فابن كثير نفسه ينقل أقوال المفسرين، ثم يرجح بعضها على بعض، وقد يقول: لا تعارض بينها، والآية معناها واسع وهذه المعاني كلها محتملة المراد.

ويقول الكاتب: (أما بخصوص قوله تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. والتي يستدلون بها على أن من مهمات الرسول صلى الله عليه وسلم تفسير القرآن الكريم عليهم أن يقرؤوا الآية كاملة، والآية التي قبلها والتي بعدها، ليتضح لهم المقصود بكلمة لتبين لهم)، 

• التعقيب: أولاً: سبق بيان القول في مهمة الرسول تفسير القرآن أنه أثبت تفسير الرسول للقرآن، وأما قوله في الآية، أنها لا تدل على أن مهمة الرسول تفسير القرآن، فنقول له: الآية تقول: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، فما معنى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} غير القرآن؟ وما معنى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} غير تفسر وتوضح، وها أنا أنقل ما قبل الآية وما بعدها، بعد أن أقول لك: لماذا لم تنقلها أنت لتوضح المراد؟ قال الله تعالى: 

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (47)} (سورة النحل)

الآية التي قبلها رقم (43): فيها رد على المشركين الذين كانوا ينكرون ان يكون الرسول بشراً، ويعاجزون الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل الله ملكا رسولا، فالآية ترد عليهم أن يسألوا أهل الكتب السماوية السابقة من اليهود والنصارى أهل التوراة والإنجيل: هل كان الأنبياء الذين أرسلوا إليهم رجالا من البشر، أو أنهم ملائكة كما يطلبون!؟ فإن الله أرسل إليهم رسلاً وأنزل عليهم التوراة والزبور والإنجيل، وبقية الآية خطاب لمحمد رسول الله أن الله أنزل إليه الذكر وهو هذا القرآن ليبين للناس ما نزل إليهم، أي يوضح لهم ما فيه من العقائد والمواعظ والأحكام والأخبار..

والآيات الثلاث التي بعدها تخويف لهم، ووعيد بالعذاب إن لم يؤمنوا بهذا القرآن، وبالرسول الذي جاء به. هذا هو المعنى العام لهذه الآية التي يدعي الكاتب: أنها لا تفيد أن يفسر رسول الله القرآن!!! والآية التي قبلها والآيات التي بعدها، ليس فيها شيء مما يقول، ولا قريب منه. وأنا الآن أجزم أنه أحد شخصين: إما أنه جاهل بالقرآن وهو الوصف الذي وصف به المدافعين عن السنة، القائلين: إن سنة الرسول بيان للقرآن، أو أنه هو الذي لا يعرف ما قبل الآية وما بعدها.

يقول الكاتب د. محمد الفقيه: (فمهمة البيان مهمة إلهية بنص القرآن الكريم قال تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ})

• التعقيب: وهذا آخر سطر وصل إلي من كلام د. محمد الفقيه، وفيه يريد تفسير القرآن بالقرآن، وهو منهج المفسرين جميعاً، فإنهم أولا ينظرون إلى الآيات الأخرى التي لها علاقة بالآية موضع التفسير، فإذا لم يجدوا فسروا بالحديث، وإذا لم يجدوا فسروا باللغة العربية، وهكذا، وهو منهج سليم، ولكن تعالوا لنرى معاً ما فعل الكاتب:

الآية في سورة النحل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، والآية سورة القيامة: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، في آية سورة النحل: أنزلنا: أنزل: فعل، نا: ضمير تعظيم عائد إلى الله سبحانه وتعالى، الذكر، هو الكتاب الذي أنزله الله، إليك: إلى محمد رسول الله، هل عندك تفسير آخر لكاف الخطاب (يا دكتور محمد)، لتبين: من الذي يبين؟ هذا التاء هنا للمخاطب مع الفعل المضارع (تبين أنت يا محمد) هل عندك تفسير آخر يا دكتور!؟ ولمن يبين الرسول صلى الله عليه وسلم الذكر الذي أنزله الله إليه؟ الجواب: للناس: الذين نزل هذا الذكر إليهم أيضاً كما أنزله الله إلى محمد! كيف!؟ أنزل إلى الرسول فبلغه للناس، فهم مأمورون بالعمل به، فهو منزل إليهم للتكليف إلى يوم القيامة. وهذا مقتضى الآيات التي توضح عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين، قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف:158)، وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان:1)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)، وغير ذلك من الآيات.

وماذا في آية سورة القيامة: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (19)، ولماذا لم يأت الدكتور الفقيه الآيات التي قبلها والتي بعدها كما طالب المدافعين عن السنة في آية سورة النحل!؟، واتهمهم أنهم يجهلون القرآن، هذه هي الآيات: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)}. هذه ثلاث آيات قبلها، وآيتان بعدها، حتى نفقه هذا الموضوع جيداً، فالآيات الأربع (16-19) موضوعها واحد، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الوحي (وهذه السورة والآيات مكية) كان يقرأ الآيات في أثناء تلقيه الوحي من جبريل عليه السلام يحرك لسانه وشفتيه، خشية أن ينسى شيئاً مما يوحى إليه، فنهى الله رسوله عن ذلك فقال: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)}، وطمأنه أن الله متكفل له بأن يجمعه في قلب الرسول، وأن يقرئه: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)}، وأمر الله رسوله أن يتتبع قراءة جبريل (الوحي) حين نزوله عليه فقط، ولا يكرر القراءة {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)}، هكذا يكون القرآن (السورة أو الآيات) نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وصار مجموعاً محفوظاً في قلبه بأمر الله، ماذا بقي؟ بقي تبليغ هذه الآيات للناس قراءة أولاً، وهذا قد يكون بعد وقت من النزول على الرسول صلى الله عليه وسلم، في ليل أو نهار، وحتى يحضر كتاب الوحي، أو يجتمع أصحاب رسول الله في المسجد، أو حيث يكون رسول الله في حضر أو سفر، فجاءت الآية الكريمة الرابعة تطميناً للرسول مرة أخرى ألَّا يخاف نسيان ما أنزل الله إليه فهو سبحانه كما جمعه في قلبه سيبينه على لسانه في التلاوة: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}. هذا معنى، ومعنى آخر: بيان ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه مفصلة، وقد ذكر ابن جرير الطبري المعنيين. وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: [ومعنى الجملتين: أن علينا جمع الوحي وأن تقرأه، وفوق ذلك أن تبينه للناس بلسانك]. وهنا يقال: إن الآية تحتمل المعنيين، ولا تعارض، ولا تدافع بينهما. والآيتان بعد هذه الآيات في موضوع مختلف عن البيان، فهما تبينان حال الناس في الإيمان، وتفضيل الدنيا على الآخرة. فمحاولة الكاتب دفع آية سورة النحل بآية سورة القيامة محاولة مضللة للقراء، ويدل على جهله هو بالقرآن وتفسيره، لأن البيان للناس في كلتا الآيتين سيكون من الرسول صلى الله عليه وسلم، والبيان أيضاً يشمل القراءة والتلاوة، ويشمل التفسير من باب أولى، ففي كلمة البيان زيادة على القراءة المجردة.

فقول الكاتب عن البيان مهمة إلهية في آية سورة القيامة: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} لا ينفي قوله تعالى في سورة النحل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، لأن مهمة الرسول إيصال البيان من الله إليه؛ للناس. فمن الذي لا يفهم القرآن؟ ومن الذي لا يقرأ ما قبل الآية وما بعدها؟؟

بقي أن نسأل: أين هي أحاديث التفسير من كتب الحديث؟ والجواب أنقله لكم من صحيح البخاري مختصراً من فهرس موضوعات الكتاب، فكتاب صحيح البخاري مقسم إلى (97) كتاباً، أي جزءاً، أو قسماً، وكل كتاب مقسم إلى أبواب، ويقع كتاب التفسير في الرقم (65)، وعنون فيه البخاري لجميع سور القرآن (114) سورة، وأورد في كل سورة ما صح عنده من أحاديث في تفسير بعض الآيات، وسمى كل حديث باباً، فبلغ مجموع ما ذكره من الأحاديث حسب الفهرس (443) حديثاً، وربما وقع مني خطأ يسير في العد، لأني لم أكرره. وأسأل الله سبحانه أن يهدينا جميعا سواء السبيل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين